تدخل مكتبة الإسكندرية عهدا جديدا في تاريخها بتولي د.مصطفي الفقي رئاستها بعد ماراثون رئاسي ناهز عقدا ونصف لسلفه د.إسماعيل سراج الدين, حيث شهدت فيه المكتبة حضورا وتألقا وتأثيرا انتهت جميعها إلي معالم باهتة وجمود متراجع وإنجاز شكلي بفعل طبائع الأشياء. وأحسب أن مسئولية د.الفقي كمصري أولا وكمثقف ودبلوماسي سوف تواجه تحديات ما أحسبه بمعزل عنها لكونها بادية للعيان, فضلا عما يملكه من رؤية ذاتية شكلت معالم حياته العملية الثرية. ولعل أولي هذه التحديات ما أثير حول د.مصطفي ذاته ممن تصوروا أن صغر السن يعد مسوغا في ذاته للنجاح, حيث تمثلوا بموضوعية منقوصة العناصر الشبابية التي تقود الأمم في الغرب مغفلين في الوقت ذاته أن العطاء وحده هو معيار الاختيار. بل ولم يدروا أن العقل المثقف والخبرات الفعلية لا تحال إلي التقاعد, بل فليراجع البعض ما كتب د.الفقي ذاته منذ سنوات خلت عن الطابق المسحور بين الأجيال وما عاناه كغيره من هذا المنطلق. هذا عن الشخص; أما المؤسسة فأحسب أن أول ما ينبغي الأخذ به عمل تقرير عن أوضاع المكتبة من حيث الهيكلة والعائد الفعلي مقابل الأسفار والمنديات والمؤتمرات والفروع. وما يرتبط به من معايير اختيار القيادات الفعلية والاستشارات الهامشية وغيرها التي تم تقنينها ظاهريا بعد مأساة التعدي علي المكتبة ورئيسها إبان يناير. حيث تمخض الأمر إلي أوضاع تكريسية جديدة ولكن بأسلوب ينزع للشفافية الظاهرية. ولعل المراجعة المتأنية في هذا الشأن من شأنها أن تكشف طبيعة العلاقات بين القطاعات ومراكزها والشخوص القائمة عليها ومعايير اختيارها, ومدي ما قدمته إيجابيا لتحقيق أهداف المكتبة علي جميع الأصعدة. فما تزال مسألة الفروع وما تلاها من بدعة السفارات تحتاج إلي إقناع بقيمة وجودها, في ضوء معايير( الشخصنة) و(العوصمة) في تقليد باهت لتجربة قصور الثقافة التي انتهت إلي قصور في الثقافة, مثلما أودت هذه التجارب بالمكتبة إلي ما يمكن أن نطلق عليه( مكتبة اللاإسكندرية). بل وعلي التقرير أيضا أن يظهر مدي استفادة البعض من إمكانات المكتبة لصناعة اسما ومجد شخصي لم يكن ليتحقق له لولا المكتبة, وهو ما يتبدي بمراجعة مطبوعات المكتبة ومن توفر علي بعض إصداراتها. كما لا يخفي علي الجميع أن تأرجح المكتبة بين الصبغة الثقافية ومثيلتها الأكاديمية قد نال من شخصيتها الشيء الكثير. ولعل خير مثال علي ذلك ما يعرف بمركز الدراسات الهلينستية الذي يتيح دون غيره تسجيل الرسائل العلمية واعتمادها فقط من جامعة الإسكندرية!!. كما أن التداخل في بعض القطاعات قد أفقدها خصوصيتها مثل المعمل الرقمي التابع للمشروعات دون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وهو ما ينسحب أيضا علي الأستوديو التابع للعلاقات الخارجية. وذات الأمر في مركز الحضارة الإسلامية البعيد عن القطاع الأكاديمي لحساب المشروعات!! في تبادلية غير مبررة بشأن مركز توثيق التراث الطبيعي.. مثالا لا حصرا. ولعل أهم التحديات أمام د.الفقي في رأيي الشخصي تتمثل في وقف إعادة إنتاج المعرفة علي مستوي الشخوص والموضوعات, وهو ما كانت تلجأ إليه المكتبة في أحايين كثيرة بحكم قلة إنتاج أدوات المعرفة وأعني بهم المواهب والكوادر الجديدة مكتفية بتجميع الشخوص سابقة التجهيز من النجوم الزاهرة في مؤسسات القاهرة. ليس ضمانا لدفع المسيرة فحسب بل والدعاية الفعلية لها بحكم السيطرة الإعلامية لمعظم تلك الشخوص. الأمر الذي جعل الواقع الثقافي للمكتبة لا يختلف كثيرا عن الواقع الأم, رغم أن أهم أهدافها كمجمع ثقافي هو التعلم والتسامح والحوار والتفاهم. ورغم أن هذا بعض ما يحضرني في حديث المكتبة إلا أنني لم أفقد الأمل بعد حيالها, لسبب بسيط هو أنني لم أفقد الأمل يوما في فكر د.مصطفي الفقي وحضوره المتميز.. والله المستعان.