شهد الوسط الثقافي مؤخرا ظاهرة كيل الاتهامات بالتحول بين المثقفين وبعضهم البعض، حتي أن هذه الاتهامات خرجت من الجلسات المغلقة والهمهمات الجانبية لتصل لصفحات الجرائد ووسائل الإعلام، يأتي هذا كنتيجة طبيعية لحالة التخبط التي يعيشها المجتمع بعد الثورة والمرحلة الضبابية التي تعيشها مصر، لكن من المؤكد أنه يجب الاستفادة منها في الاتجاه المناسب لبناء المرحلة الحالية. لذا أصبح مهما أن ندق ناقوس خطر هذه الظاهرة وطرحها بشكل مباشر، من خلال السؤال: هل هذه ظاهرة طبيعية وستختفي؟..أم أنه لايجب أن تحدث من الأساس؟.. وعندما حملنا هذا السؤال لعدد من المثقفين، كان هناك شبه إجماع علي أنها ظاهرة عادية. في انتقاد صريح للمبدأ يؤكد القاص إبراهيم أصلان قائلا: "تبادل الاتهامات في حد ذاته أمر غير مطلوب، لكنني لا أراها وصلت لمستوي الظاهرة، في نفس الوقت أنا شخصيا لا أستطيع الاعتراض علي أي شخص يعبر عن رأيه وما يشغله من قضايا، ولا نستطيع أن نتفادي توجه "كنا وأصبحنا" من باب الفضفضة ليس إلا وليس بغرض المحاسبة، ولا يمكن استبعاد ذلك النوع من الفضفضة". وتوضح الروائية سلوي بكر أسباب تلك الظاهرة، قائلة: "بلا شك هناك قسط من المبدعين والمثقفين ترتبط مصالحهم علي اختلافها بالسلطة -بدون ذكر أشخاص بعينهم-، كان معظم المثقفين الجادين والحقيقيين يشعرون أن هناك نوعا من اختلال المعايير في المشهد الثقافي، فعلي سبيل المثال عندما يؤتي بشخص يوضع علي رأس مؤسسة ثقافية، يظهر سؤال: ما معايير اختياره؟!... فلا نجد معيارا واضحا!!.. بل اختلالا واضحا وليس هناك اعتبار لمعيار القيمة، من هنا جاء الشعور بعدم العدالة ربما هذه هي أسباب تراشق الاتهامات أو اذا جاز التعبير نشر الغسيل القذر، فالمسألة الآن هي إذا ما تم القيام بعمل ثقافي يجب أن يتم بمعايير واضحة ليؤتي ثماره الحقيقية والمرجوة. وأضافت:عند اختيار شخص علي رأس مؤسسة ثقافية عليهم أن يقدموا أسباب اختياره، فمثلا الثقافة الجماهيرية جاء مصطفي علوي ثم أنس الفقي وكان المعيار هو ارتباطهما بلجنة السياسات أي ولائهما للنظام الحاكم. وحتي نوفر علي أنفسنا ذلك بعد الثورة، علينا أن نوضح المعايير والحيثيات في اختيار الجرائد في عدم اكتراث أو قلق مما يحدث. تقول الكاتبة فاطمة المعدول: "طبيعي أن تكون هناك حالة من التخبط نتيجة للثورة والتغيير، ولكن الغريب والمدهش هو اختيار من هم ضد المرحلة الحالية، فيجب أن نتجاوز القديم، وأري أنه من العيب علي من كان مواليا بعنف للنظام السابق أن يكون مع الثورة "بعنف" أيضا، فلابد أن يتنحي". في اعتراض حاسم علي المشاركة في النقاش قال الكاتب محمد سلماوي: "حالة من الفوضي وأنا لا أحب هذه الاتهامات أو المشاركة فيها". علي الجانب الآخر والأكثر حكمة وتعقلا يري الروائي خيري شلبي: "ظاهرة عادية لكنها بالطبع سيئة، فالتفتيش في ضمائر الآخرين وعقولهم هو شيء غير إنساني فإذا كان هناك من لم يؤيد الثورة من بدايتها ليس معناه أنه ضدها ربما لم يفهم الموقف في البداية أو ينتظر لتأكيد جدية الثوار وهي أمور عادية لا تسمح بأن نحاسبهم أو نتهمهم، فما يحدث يخلق عداوات وانقسامات تضر بمصلحة الوطن والجميع، فالتفكير الصحي هو افتراض حسن النية وان نكون متلاحمين". علي النقيض تماما رأي الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي: "لابد من معالجة الأخطاء الشنيعة التي حدثت، فمن كان ينافق رجال النظام وفجأة أصبح منقلبا عليهم ومع الثورة، فهذا كذب وليس مخلصا للثورة، فلقد عشنا في نظام شمولي اي ان الجميع يعمل في اطار النظام، لكن هناك فرقا بين شخص احترم نفسه وآخر كان يرفع راية النظام. لكن لابد ألا يتعامل الاشخاص علي انها لم تفعل خطأ والذي منعها من ذلك أنه لم يكن لها وجود في الأساس، وهناك من أجبر علي أن يكون تابعا للنظام وهناك من سعي لخدمة النظام لينال منصبا أو مكاسب خاصة". وصف الشاعر شعبان يوسف هذه الظاهرة أنها ظاهرة تاريخية، مشيرا إلي لقطات مختلفة قائلا: "هي ظاهرة موجودة منذ رواية "السمان والخريف" لمحفوظ، ففي التاريخ المصري كان مثقفون كبارا مالؤا الملك فاروق ثم مالؤا ثورة 52 وكان علي رأسهم مصطفي وعلي أمين، فهي ظاهرة موجودة باشكال مختلفة، لكنها في ثورة "25يناير" ظهرت بشكل مريع، فغير المتحولين ظهر الآن منافقو العهد الجديد وهم ما لم يكونوا منافقين للقديم، فمكرم محمد أحمد كان كتب مقالا ب"الأهرام" يشيد بالشرطة إشادة بالغة، باعتبار أن ما حدث في التحرير تخريب وكان لابد من التعامل معه، واليوم يري نفسه أحد قيادات الثورة. وأكمل: وكذلك مصطفي الفقي وسلسلة مقالاته ب"المصري اليوم"، والكاتب محمد سلماوي، والدكتور جابر عصفور، والأمين العام للجامعة العربية السابق عمرو موسي، كذلك الموسيقار عمار الشريعي الذي لحن لمبارك من قبل، فهذا التحول كان بنسب ودرجات، لكنه ظاهرة موجودة بالتاريخ وهي خطيرة جدا، ويجب كشفهم دون أن نرفع شعار "عفا الله عما سلف"، فطالما كذبوا من قبل فسيكذبون علينا الآن، وهناك الشعراء أحمد تيمور ومحمد أبودومة وفاروق شوشة، كتبوا حينما تعرض مبارك لحادث الاغتيال، واليوم يتعاملون مع النظام السابق ومن قاموا عليه وكأنهم عار، في رأيي الصامتون والذين مازالوا علي موقفهم أراهم أشرف كثيرا، والمفروض الإشارة الي ما كتبوه وقدموه، فأري أن المتحولين أخطر من الصامتين".