في فبراير من العام0991 شهدت أسوان اجتماعا محوريا كان عرسا للثقافة الإنسانية وبعثا للحضارة المصرية بل واعترافا بالريادة ممثلا في إعلان إنشاء مكتبة الإسكندرية, تلك المؤسسة التي احتضنت في مصر حضارتين عملاقتين الأصيلة منها والوافدة لتنتج إكسيرا حضاريا لتلاقي الشرق والغرب عرف اصطلاحا بالحضارة الهلينستية. ومنذ الإعلان وحتي الآن جرت مياه كثيرة ممثلة في مناشط وشخوص حقق البعض منها نجاحات في حين مر البعض الآخر غير محسوس به. ولم تكن المكتبة ببعيد عما يحدث في بر المحروسة من متغيرات إذ طالها هجوم ضار إبان يناير من بين أهليها لسنا بصدد الوقوف عنده, وإن كان قد حمل الكثير من المطالب المشروعة لتصحيح مسار المكتبة ولكن بأسلوب كتبنا عنه في حينه رافضين ان ينال من هذا الصرح. الذي بات علي المستوي الإقليمي متنفسا راقيا للإسكندرية مع نظيره مسرح سيد درويش المسمي بأوبرا الإسكندرية. وما من شك أن ذكري الإعلان بتجاوزها الحقبة الفضية تستلزم من كل مثقف وطني أن يطرح موقفه من المكتبة في ضوء مكاشفة الكبار لا حسابات الصغار, لاسيما وأن تبعية المكتبة لرئاسة الجمهورية إنما تفرض عليها تبعات أكثر من استشعار النزعة الفوقية التي كانت تضمنها من قبل السيدة الأولي. ولا يزال التمسك بتلك النزعة منعكسا علي الكثير من توجهاتها الآنية لاسيما بعدما تم تصدير الإحساس حدسا عن غير يقين- بأن قبول إدارتها إنما يأتي تنازلا أو بالأحري تعويضا, بعيدا عن صفر اليونسكو الذي لم ينل ما ناله نظيره الكروي ربما لشعبية الأخيرة مقابل محدودية الثقافة والفكر. وما من شك أن ما اتجهت إليه المكتبة بعد يناير من هيكلة في بعض قطاعاتها إنما قد أصبح يحتاج بالفعل إلي وقفة ليس فقط من حيث المراكز أو المشروعات بل أيضا من حيث جدوي البعض منها والشخوص المسئولة عن إدارتها. وهو ما يحتاج إلي مراجعة صارمة بل وشجاعة في رصد مؤشرات التأثير الإيجابي علي الحياة الثقافية, وجدوي سيل التوصيات المؤتمرية من حيث التطبيق او المتابعة لاسيما فيما يتعلق بالمتكرر منها حوليا أو ما عداه زمنيا. أما فيما يتعلق بالشخوص القيادية أو العادية فلم تعد القضية مجرد لجان تختار القيادات بل علينا مراجعة تخصصات البعض منها وعلاقتها بما يديرونه, لاسيما بعدما تحول الأمر إلي شكلية مقيتة تفضي في النهاية لما كانت عليه سلفا عملية الاختيار في يد الفرد الأحد. لننتقل بعدها لمراجعة مواقع بعض الأسماء من العاملين أو أعضاء اللجان علي خريطة أعمال المكتبة, إذ سنكتشف أن قضايا التوريث وطول الأمد قد تجاوزت العهد المباركي وإن كانت بنت عصره. ويرتبط بما ذكرناه سلفا قضية المستشارين التي لا تحكمها ثمة ضوابط اللهم إلا..!!, لكون الأمر يفتقد لمنطقية القبول في ضوء كونها من المثالب التي طرحتها الوقفة الاحتجاجية بما مسته من هيبة المكتبة قبل مديرها. والواقع فإذا كانت المكتبة لديها من الشخوص من باتوا صنوا لعمرها حيث لم يبرحوها منذ الافتتاح, بل وكفلت لهم مواهبهم التنقل بين الإدارات المختلفة والمراكز المتناثرة خارج الحيز المكاني للمكتبة. فإنه يصبح من قبيل التزيد السؤال عن مدة و استمرارية مديرها ذاته. إذ هل يمكن لمبدأ التحديد الرئاسي الذي أقره الدستور أن يصبح منطلقا عاما لمبدأ محدودية البقاء القيادي في ضوء النداء المستدام بتجديد الدماء, أم أن المكتبة خارج هذا الإطار. أستاذ الحضارة المصرية القديمة كلية الآداب جامعة الإسكندرية