المتابع لردود الأفعال التي أعقبت الحوادث الإجرامية التي شهدها جنوب الصعيد أخيرا, وتحديدا في مدينة نجع حمادي عشية عيد الميلاد6 يناير2010, يرصد أن كل الأطراف علي الأصعدة السياسية والمجتمعية. لم تبرح مكانها واسقطت اجندتها الايديولوجية علي مواقفهم, ولم تبذل جهدا حقيقيا لقراءة واقعنا علي ارضية الصالح العام, ومن ثم لا يمكن ان ننتظر اطروحات علاجية ناجعة لا في الزمن المنظور ولا علي المدي الإستراتيجي. فالذين يؤمنون بأنه ليس بالإمكان ابدع مما هو كائن, لم يطرف لهم جفن مع دموية الأحداث وأحالوها بدم بارد إلي مربع العمل الجنائي الفردي واستغرقوا في سبات عميق, فيما ذهب آخرون إلي القول إنها خطوة علي طريق إبادة الأقباط هكذا وواصلوا شق الجيوب ولطم الخدود, ومازال هناك آخرون يرقصون علي السلالم يمارسون هواية مسك العصا من المنتصف سعيا لإرضاء جميع الأطراف, وعيونهم شاخصة لانتخابات علي الأبواب. فيما يكمن إخواننا خلف الأكمة يرتبون أوراقهم وينظمون خطواتهم في رتابة تعرف كيف تستثمر الأحداث لصالح دولتهم الدينية, حتي وإن تطلب الأمر كعهدنا بهم سكب بعض من دموع علي حقوق الأقباط المهدرة, بينما أدبياتهم المستقرة تحجز لهم مكانا أثيرا في مربع أهل الذمة وتصر علي استبعادهم ومعهم المرأة عن الولاية العامة, وهي لا تعني فقط موقع رئاسة الجمهورية بل وكل المواقع التي يمثل شاغلها رئاسة ما علي سلم الوظائف العامة: بدءا من المحافظ ومدير الجامعة وصولا الي رئيس الحي والمدينة, بل وتعيد إحياء فكر الجزية بعد إلباسها ثوبا معاصرا, وتقول باستبعادهم من الجندية تشكيكا في انتمائهم الوطني. وكأني بالأقباط قد صاروا وليمة سائغة علي موائد اللئام, شحذ كثيرون اسنانهم عليهم, لولا بقية من الأمناء لمصر تاريخا وحياة ومصيرا, وهم يمثلون قاعدة عريضة من المصريين نحسبهم منسحبين من المشاركة في الشأن العام بينما هم اصحاب الفضل في بقاء الاندماج المصري والحفاظ علي سلامة وأمن الوطن, ومعهم المستنيرون من الفاعلين في منظمات المجتمع المدني الذين رفعوا اصواتهم محذرين من مغبة بقاء الحال منابع ووقائع وعلاجات علي ما هو عليه, بل وقدموا عبر العديد من المؤتمرات والندوات مقترحات ومطالب محددة للخروج من نفق الطائفية والتطرف الحالك الظلمة, ومنهم من لم يكتف بتوصيات لا تبرح الأوراق بل حملوها في هدوء ومثابرة إلي المسئولين ومتخذي القرار سعيا لتفعيل جاد لقطع الطريق علي من يسعون لتخريب وطن نحت اسمه علي جدران الأزلية وسيبقي ما بقيت الدنيا وما بقي بشر, ولابد أن نذكر من هذه القوي المستنيرة مجموعة' مصريون ضد التمييز الديني' والتي تضامنت مع أكثر من اربعين منظمة ومركزا مدنيا, إضافة الي ما يربو علي مائة وخمسين ناشطا مدنيا لتكوين' اللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي' رفعت شعار: لا للطائفية.. لا للتمييز الديني, نعم للمساواة.. نعم لحرية الاعتقاد, مصر لكل المصريين. وبادروا بإعلان الإطار الفكري والمبادئي الذي يحكم توجههم وتحركهم في: 1 نشر التوعية بخطورة ما يحدث من عنف طائفي واستقطاب علي مستقبل الوطن. 2التحرك كي تتحمل أجهزة الدولة مسئولياتها في حماية المواطنين المصريين المسيحيين, ووقف كل عمليات العنف ضدهم والتهجير القسري لعائلاتهم, وتعويض المتضررين من أحداث العنف. 3 الدعوة لمحاسبة المسئولين في الأجهزة الأمنية عن التراخي والإهمال الذي يؤدي لإفلات المجرمين من العقاب. 4 دعوة الأجهزة المعنية لملاحقة مرتكبي أحداث العنف وتقديمهم للمحاكمة, وقصر دور جلسات الصلح علي تهدئة المشاعر دون تعطيل للقانون. 5 التصدي لاستخدام بعض الدعاة المتعصبين للمنابر الدينية والاعلامية, للتحريض علي الكراهية والعنف الطائفي, ومحاسبة المحرضين باعتبارهم شركاء في جرائم العنف. 6 ترتيب زيارات لمواقع العنف الطائفي للإعلان عن التضامن مع ضحايا العنف, والتعبير عن التقدير للمواطنين المصريين المسلمين الذين شاركوا في التصدي لأحداث العنف والدفاع عن إخوانهم من المواطنين المسيحيين, حماية للوطن وتأكيدا علي أن الإسلام والمسلمين لا يقرون هذه الأعمال الإجرامية التي تتنافي وكل القيم الإنسانية التي يؤمنون بها. وترجموا هذا في لقاء مع سيادة المستشار النائب العام, ثم لقاء مع رئيس مجلس الشعب الذي أناب عنه الأستاذ عبد العزيز مصطفي وكيل المجلس وكانت اللقاءات ايجابية وتحمل دلالات مهمة. ونحسب أن هذا التحرك الفاعل إعادة تصحيح للتناول الفكري والمجتمعي لملف التطرف والعنف الطائفي, إذ لا يطرح المتاعب التي يعانيها الأقباط علي ارضية طائفية, بل من منطلق كونهم مواطنين مصريين بالأساس, وهذا يعني أن نتمسك بدولة المواطنة بإصرار ومثابرة. علي ان هذا يتطلب علي الجانب التنفيذي والتشريعي ترجمة علي ارض الواقع حتي لا نظل ندور في حلقة التنظير ولا نبرح مربع المطارحات الفكرية, وتأتي الترجمة عبر سن حزمة من القوانين المفعلة للمادة الأولي من الدستور والتي تقول إن مصر دولة يقوم نظامها علي' المواطنة' ويأتي في مقدمة هذه القوانين المنتظرة' قانون منع التمييز', والذي لا يتوقف فقط عند تجريم التمييز الديني بل يضم معه تجريم التمييز الاجتماعي والطبقي والنوعي والجغرافي وكل اشكال التمييز, ومعه تتم مراجعة منظومة القوانين بدرجاتها المختلفة لتنقيتها من شبهة التمييز أو ما يمكن أن يؤدي إليها بدقة وحسم, ولعله من الضروري أن أؤكد هنا أننا لا نطالب بحقوق للأقباط لكونهم أقباطا, بل نطالب بتأكيد حقوق مواطنين مصريين وحسب, ولو نجحنا في هذا ستسقط تلقائيا كل الممارسات الطائفية التي تنطلق من مربع الهوية الدينية, ونؤمن بأن الحراك الوطني الصحيح هو لمصر لا للأقباط, فهم ليسوا جالية تعيش في وطن بل مواطنون مصريون يستمدون حقوقهم ويؤدون واجباتهم عبر انتمائهم لوطن لا يقبلون عنه بديلا, في اندماج وتكامل متفاعل مع شركائهم في التاريخ والحياة والمصير... كل المصريين. قدموا عبر العديد من المؤتمرات والندوات مقترحات ومطالب محددة للخروج من نفق الطائفية والتطرف الحالك الظلمةنحسب أن هذا التحرك الفاعل إعادة تصحيح للتناول الفكري والمجتمعي لملف التطرف والعنف الطائفي,