جلس على الرصيف يتأمل الناس والبيوت وحركة الحياة التي أنهكت الشارع . بيوت تهدمت وأصبحت مجرد أطلال وأخرى تحتاج إلى ترميم كي تستعيد عافيتها وتسعد سكانها من جديد . وضع الحاج علي ذو السبعين عاما، رأسه فوق عصاه التي يتوكأ عليها، وظل يغفو في نوم القيلولة . وجد نفسه في وسط الشارع بين البيوت كأنه في ساحة المحكمة، يسمع ويفصل في المنازعات بين البيوت . - يا حاج علي أنا أقدم بيت في هذه الحارة، أنا اعتبر بيت أثري، توارثتني أجيال وأجيال وما زلت قائما حتى الآن، لكن بسب هذا البرج الذي بجواري أصبحت أتألم أتحطم من الداخل. ألا ترى هذا الميل بالبرج المتلاصق . - نعم أرى الميل، إنه واضح جدا . - أنا لا يوجد بي أي ميول فأنا أقوى وأعظم وأكبر البيوت هنا، أنا برج ولست بيتا مثلكم، ألا ترون ارتفاعي، ألا ترون جحمي، يا حمقى ألا تدركون مساحتي . - مهلا ... مهلا أيها البرج لا تتفاخر بحجمك ومساحتك فأنت مائل شئت أم أبيت، ومن الممكن أن تهدم لاحقا . - أنا مائل، بالطبع لا، أنتم تتخيلون هذا فنظركم يختل، بل توازنكم يختل حين تنظرون للأعلى . العشرون طابق كفيلة أن تجعلكم لا تدركون الحقيقة . - اصمت أيها البرج الأحمق فأنت لا تدرك حقيقة الأمر، فربما تكون أيامك معدودة . - سيدي الحاج علي هذا المتكبر يميل علي مما أدى إلى إحداث شقوق وشروخ بداخلي، فبعد أن كنت رغم الزمن قويا، الآن أنا اتهدم وأطلب من سيادتك أن تضع حدا لهذه المهزلة، وأريد حقي في الترميم سأقاضي هذا البرج المتعالي . - هذا حقك وسوف أنظر في الأمر . - يا حاج علي أنا البيت المهجور، أنا بيت الأشباح، أنا أريد سكان أريد ناسا يسكنون طوابقي، هل يرضيك أن يبنيني أحدهم بهذا الرونق والجمال ويتركني فارغا أعوم بعد أعوام، هكذا أصبحت بيتا مسكون بالجن و الأشباح، هذا سوء تصرف في حقي من المالك . - مهلا ... مهلا أنت تتحدث عن الرونق والجمال، كيف هذا وأنت بلا تخطيط، وكل طابق بنظام وتشطيب مختلف إنك مجرد بهرجة ألوان، أيها القبيح كما ذكرت أنت بيت الأشباح فلتصمت . - اسكت أيها البرج المتعالي ولا تتفوه بكلمة وإلا سوف أتقدم بشكوى للإدارة الهندسية ضدك، فأنت جملة من الرشاوي وجملة من المخالفات . - مهلا ... مهلا يا حاج لا تفعل، سأصمت ولن أتحدث ثانية أبدا. - وأنت أيها البيت الأبيض، ما لي أراك صامتا لا تتحدث لم هذا ؟ يبدو عليك الوقار والانسجام، يعجبني الهدوء . - الهدوء يا سيدي لا يعني الراحة ولا يعني قبول الواقع، لكن هو الصبر يا سيدي، إنني صبور، بل صبور جدا . - صبر أي صبر، صبر على ماذا؟ - سأحكي لك يا سيدي الفاضل، هل تري ذلك البيت الذي أمامي . - نعم أراه جيدا، هل توجد فيه مشكلة ؟ - نعم هذا البيت غير محترم، إنه بيت سيء السمعة، وهذا يكفي، لن أخوض في الأعراض . - نعم هذا يكفي و يجب أن لا يكون مثل هذا البيت في شارعنا . - عذرا سيدي الحاج علي، أنا بالفعل سيء السمعة؛ لكن هذا لا شأن لي به إنه القدر يا سيدي، فأنا لا أختار سكاني . - كان الله في عونك . كل البيوت تنادي يا حاج علي، يا حاج علي، يا حاج علي ....... آذان العصر أفاق الحاج علي من غفوته، فذهب للصلاة في الجامع القائم بنهاية الشارع . بعد الصلاة تفاجأ بالبلدوزر يهدم البرج المخالف، وفى الناحية الأخرى الشرطة داهمت واعتقلت سكان البيت سيء السمعة.