مع توقف الثورة العربية في أكتوبر1936 انتظارا لما ستسفر عنه الوعود البريطانية بالتسوية العادلة دامت فترة الهدوء وعدم الاقتتال لمدة عشرة أشهر حين تم نشر توصيات لجنة بيل في يوليو1937. التي صرحت بأول اقتراح بتقسيم فلسطين الي ثلاثة أجزاء دولة عربية ودولة يهودية ومنطقة تحت الانتداب البريطاني فوافقت الصهيونية السياسية لنص التقسيم لأول مرة علي إنشاء الدولة اليهودية صراحة ورسميا في فلسطين وأعلن بن جوريون في المؤتمر الصهيوني العشرين في زيورخ أغسطس1937 ان إعلان الحكومة البريطانية لمصلحة دولة يهودية يعد من أعظم الاعمال في التاريخ وأنه بداية التحرير الذي كنا ننتظره منذ ألفي عام مضت. لم يجد العرب من خيارات إلا الكفاح واستئناف الثورة وفي سبتمبر1937 اشتعلت الثورة العربية حيث اتسع نطاقها خلال عامي1938 و1939 وحتي بداية الحرب العالمية الثانية وكانت ضد الوجود الصهيوني والانتداب البريطاني معا وعلي الجانب الآخر اتخذت السلطات البريطانية قرارها بسحق وضرب الثورة العربية فانتهزت فرصة وقوع صدام بمدينة الناصرة في26 سبتمبر1937 أدي الي قتل حاكم الناصرة لويس أندروز الإسترالي الموالي للصهيونيين وأعلنت عدم اعترافها باللجان العربية وأمرت بحل اللجنة العربية العليا وقامت بالقبض علي معظم أعضائها ونفي بعضهم خارج فلسطين وفرضت الاحكام العرفية وإخضاع البلاد للسلطة العسكرية من خلال نظام جديد بإسم الادارة العسكرية فقامت بكل الأعمال التي شملت صدور أحكام بالإعدام ضد العرب وتدمير القري ونسف المنازل والقصف بالطائرات إلا أن كل هذا لم يقف حائلا لاستمرار الثورة وتصاعدها المستمر وتحولت الاراضي الفلسطينية الي مسرح حرب واسعة النطاق, وبرز عدد من القادة العرب البارزين الذين خاضوا معارك ضارية مثل يوسف أبو درة في حنين وعبدالقادر الحسيني في القدس وعارف عبدالرازق في بني صعب وحسن سلامة في منطقة يافا وفوزي القاوقجي في الجليل الاعلي وغيرهم. رغم التفوق الكبير للقوات البريطانية عددا وعتادا وتدريبا فإن رجال الثورة أمكنهم تحقيق النجاح في كثير من المعارك ضد خصومهم من البريطانيين واليهود لان القوات النظامية لم تكن قادرة علي التصدي للمجموعات العربية الصغيرة والمتحركة وغير النظامية التي كانت تتجنب القتال المباشر او المواجهة وتمكن الثوار من السيطرة علي بعض المدن والقري مثل مدينتي الخليل والقدس القديمة في مايو1938 وطبرية في أكتوبر من نفس العام. اتخذت السلطات العسكرية البريطانية أحداث المقاومة والثورة العربية كذريعة لتضرب حيادها الظاهري والمزعوم عرض الحائط وأظهرت الوجه الآخر القبيح والمتآمر والمنحاز بسفور واعلنت انها اتجهت الي التعاون العسكري مع القوات اليهودية والصهيونية السرية( الهاجاناه) حيث تبني هذه الفكرة ضابط بريطاني في فلسطين يدعي كابتن أورد وينجيت حيث دعا الي تغيير أسلوب المقاومة للثورة العربية بالاعتماد علي المجموعات الصغيرة المدربة علي الأعمال الليلية لذا اقترح تشكيل ما يسمي المفارز الليلية الخاصة بالتعاون مع عناصر قوات الهاجاناه ورجال وسكان المستوطنات اليهودية والتدريب المشترك الخاص لمقاومة الأعمال القتالية للجماعات العربية والتي تتخذ من حرب العصابات وسيلة وأسلوبا لتحقيق أهدافها الوطنية وأكد أن هذه المفارز الليلية ستكون هي الحاسمة وستكون أيضا مدرسة مثالية لتأهيل وتدريب رجال المستعمرات علي الأعمال القتالية للمحافظة علي أنفسهم وعلي مكتسباتهم بالاعتماد علي ذاتهم فيما بعد. صدقت القيادة البريطانية علي هذه المقترحات وبدأت سلطات الانتداب في تنفيذها علي الفور وأخذت في مقاومة المد الثوري الفلسطيني والثورة العربية وشن الإغارات علي القري ونصب الكمائن للجماعات المجاهدة العربية وإحداث تحول في نتائج الصراع..والي اللقاء القادم إن شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا