تحدثنا في المقالات السابقة عن التحالف والتآمر بين الحكومة البريطانية من خلال سلطات الانتداب مع الصهيونية العالمية متمثلة في الصهيونية السياسية علي العرب عامة وعرب فلسطين خاصة وتصاعد الموقف المضطرب بينهم ابتداء من عام1927, حتي مايو1936. حيث بدأ الجهاد المسلح من العرب ضد سلطات الانتداب بإلقاء القنابل وإشعال الحرائق والإضراب العام والعصيان المدني, مما دعا سلطات الانتداب لطلب الدعم العسكري والذي وصل حجمه الي فرقتي مشاة وارتفع عدد قوات حامية فلسطين إلي(40) ألفا بالإضافة إلي(20) ألفا من رجال الشرطة وعدة آلاف من حرس المستعمرات الصهيوني المسلح فضلا عن القوات السرية للهاجاناة. مما زاد الثورة اشتعالا وتوهجا. عكست الثورة العربية آثارها الفورية علي الحكومة البريطانية خاصة مع وجود شعور عام بعدم الارتياح والقلق والخوف بسبب مدي الظلم الذي وقع علي العرب وانعكاس ذلك علي علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي فسعت الحكومة البريطانية لبعض الحكومات العربية( شرق الأردن- العراق- السعودية) وحثتهم علي بذل الجهود لإقناع عرب فلسطين بإيقاف القتال, حتي تتاح فرصة مناسبة لإيجاد حل كامل للمطالب العربية وتم تعيين لجنة ملكية واختير لرئاستها لورد بيل للتحقيق والوقوف علي أسباب الاضطرابات ودراسة الشكاوي العادلة لجميع الأطراف حول كيفية تطبيق الانتداب وتقديم الحلول المناسبة ومقترحاتها للتنفيذ. وبدأت اللجنة العمل في نوفمبر1936 ولمدة ثلاثة أشهر في فلسطين وغادرتها في يناير1937 وأذاعت تقريرها في يوليو1937, حيث حددت أسباب ثورة العرب في رغبتهم في الحصول علي الاستقلال الوطني ومعارضتهم لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وأوصت اللجنة بضرورة تنظيم الهجرة اليهودية وألا يزيد معدل تدفقها علي(15) ألف يهودي في السنة ولمدة خمس سنوات وكانت أهم مقترحاتها تقسيم فلسطين إلي ثلاثة أقسام دولة يهودية ودولة عربية ومنطقة تحت الانتداب البريطاني ووضع وترسيم الحدود بينها وسمي مشروع بيل( أ) وتم الاعتراض عليه من الطرفين الفلسطيني واليهودي فعدل الي مشروع بيل( ب), ووافقت عليه الحكومة البريطانية وتعهدت بتنفيذه مع وقف بيع وشراء الأراضي حتي لا تعرقل المشروع المقترح ووافقت عليه المنظمة الصهيونية في مؤتمرها العشرين من حيث المبدأ واعتبار ذلك مرحلة من مراحل الدولة الصهيونية في فلسطين كما جاء بتعليق بن جوريون علي ذلك ان دولة يهودية في قسم من فلسطين يحقق هدف الصهيونية خيرا مما تحققه دولة انجليزية في كل فلسطين وأن إنشاء الدولة أصبح أمرا عاجلا لفساد نظام الانتداب ونمو القومية العربية والحاجة لإتباع سياسة هجرة صريحة تنقذ يهود أوربا الوسطي من المهالك وان المهم هو نجاح بريطانيا في احتواء المد الثوري في فلسطين. عرفت الصهيونية السياسية كيف تستثمر الأحداث لمصلحتها وركزت علي هدفها وهو إنشاء الدولة اليهودية بالعمل العسكري المباشر واعتبر الزعماء الصهيونيون أن ما قامت به بريطانيا من محاولات لتهدئة العرب هي قيود للحد من حرية الهجرة اليهودية بالإضافة إلي نمو الشعور بالقومية العربية لدي العرب وهنا تطور الفكر الصهيوني لمعالجة هذه الأمور وبدأ البحث عن أسلوب جديد للمواجهة ولتحديد شكل المقاومة المسلحة ضد دولة الانتداب إذا ما حاولت النكوص أو التخلي عن وعودها إرضاء للعرب وكذا تحديد النظام أو العمل العسكري الذي يجب اتخاذه لمواجهة الثورة العربية الفلسطينية ودولة وسلطة الانتداب أيضا وانتهي هؤلاء الزعماء والسلطات العليا للييشوف إلي ضرورة إنشاء جيش يهودي مستقل عن دولة الانتداب يكون مستعدا لمواجهة التحدي العربي واتخذت الوكالة اليهودية عدة إجراءات لإعادة الهاجاناه وتطويرها وتوسيع قاعدتها..والي اللقاء القادم إن شاء الله.