بعد أن ذكرنا كيف استجابت الحكومة البريطانية سريعا لاعتراضات المنظمة اليهودية الصهيونية ورئيسها وايزمان لما جاء في الكتاب الأبيض, وإعلان رئيس الوزراء البريطاني رامزي ماكدونالد التراجع عن السياسة البريطانية والالتزام بالسماح وتسهيل الهجرة اليهودية وإعادة تدفقها الي ارض فلسطين, عبر عرب فلسطين عن سخطهم في أكتوبر1933 بالخروج في مظاهرات صاخبة خاصة في القدس ويافا تحت قيادة موسي كاظم الحسيني والتي قوبلت بالبطش والتنكيل والاعتقال من جانب سلطات الانتداب البريطاني. فقرر العرب إعلان الإضراب لمدة سبعة أيام, فأجبر سلطات الاحتلال علي إيقاف تلك الإجراءات والتراجع للتهدئة وبذل الوعود واسترضاء زعماء العرب ظاهريا لضمان صداقتهم ومحاولة إعادة الثقة, وعقدت معاهدات صداقة مع العراق عام1935 ومصر عام1936 وكذا عقدت فرنسا معاهدة مع سوريا بالإضافة الي مطالبة الشعب العربي من سلطات الاحتلال حقه في الاستقلال والسيطرة علي أرضه ولكن كل ما استجابت له وحققته تلك السلطات البريطانية هو اقتراح يدور حول تأسيس مجلس تشريعي مشترك, وتم تنفيذ ذلك في نهاية عام1935 من أغلبية عربية وأقلية يهودية( المجلس التشريعي المشترك تكون من14 عضوا عربيا و14 آخرين من اليهود والبريطانيين والأجانب) وهو ما حقق لأول مرة اشتراك اليهود في المجالس الفلسطينية, وذلك بعد أن بدأت الدعوة إلي الثورة تأخذ طريقها بين عرب فلسطين مع مطلع عام1935, وكان أول الداعين لها الزعيم السوري عز الدين القاسم بالتنسيق مع الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلي وذلك للإعداد للثورة علي أن يعمل القاسم في شمال فلسطين والحسيني في جنوبفلسطين, مع أن المفتي كان يري إن الجهود السياسية كافية ولكن البريطانيين علموا بمساعي القاسم فحاصروه في مقره قرب مدينة حنين وقتلوه مع أعوانه في نوفمبر1935, ولكن دعوته كانت قد انتشرت بين عرب فلسطين فقامت الثورة في أوائل ابريل1936 وأصدرت بيانا يدعو إلي الاستمرار في الإضراب حتي تتحقق المطالب القومية التي تتبلور في: 1- إنشاء حكومة عربية وطنية مسئولة أمام مجلس نيابي. 2- وقف الهجرة اليهودية إلي فلسطين. 3- منع انتقال وبيع الأراضي العربية إلي اليهود. وبدأ الجهاد العربي المسلح ضد سلطات الانتداب بإلقاء القنابل وإشعال الحرائق في مايو1936, وتوالت الإنذارات من الحكومة البريطانية, ولكن اللجنة العربية العليا أصدرت نداء في16 مايو تدعو إلي العصيان المدني وردت الحكومة البريطانية بإعلان تطبيق قانون الطوارئ وفي ظله أخذت تعتقل الشباب العربي, بينما كانت مدن فلسطين تشتعل بالثورة, وشكل العرب مجموعات مقاتلة في كل المدن واشتبكوا مع القوات البريطانية في معارك طاحنة استخدمت فيها القوات البريطانية سلاحها الجوي, وامتدت المعارك إلي المستوطنات اليهودية المنشأة تحت شعار السور والبرج والتي كانت قد خطط لها نظاما دفاعيا بقوات مدربة ومنظمة جيدا قامت بالتعاون مع قوات الانتداب البريطانية والنجدات العسكرية البريطانية من كل من مصر ومالطة وبريطانيا( بلغ حجم هذه القوات فرقتي مشاة وارتفع عدد قوات حامية فلسطين إلي40 ألف رجل بالإضافة إلي20 ألفا من رجال الشرطة وعدة آلاف من حرس المستعمرات الصهيوني المسلح فضلا عن القوات السرية للهاجاناه) بمحاولة إجهاض الثورة أو قمع الثوار العرب في فلسطين, ولكن كل تلك الجهود ذهبت هباء واستمرت الثورة وازدادت اشتعالا وضراوة. والي اللقاء القادم إن شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا