بذمتك ودينك.. هل تعرف شيئا عن قوائم الأحزاب التي تخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ بل هل تعرف شيئا عن هذه الأحزاب نفسها, خاصة تلك التي أضيفت للحياة السياسية بعد الثورة؟ هل تفهم خريطة تلك الأحزاب والائتلافات والكتل وتحالفاتها مع بعضها البعض؟ هل تحفظ أسماء قياداتها ووجوهها البارزة؟ هل تذكر من انسحب منها ومن انضم إليها؟ هل لديك فكرة عن برامجها, إن كانت قد وضعت برامج؟ أنا شخصيا لا أعرف, وأعرف أنك لا تعرف, وأن99% من المصريين لا يعرفون, ليس فقط لأن الأحزاب والائتلافات والكتل متشابهة, وكثيرة, وأكثر بصراحة من الهم علي القلب, ولكن لأن الانتخابات عند المصريين منذ عشرات السنين هي الفردي, والفردي يعني القبلي, يعني أنتخب أخي وعمي وابنه وأصدقاءهم وزملاءهم وأحبابهم حتي لو كانوا كفارا, ولا أنتخب الغريب ومعارفه وأصدقاءه حتي لو كانوا أنبياء. قولوا ما شئتم, واجلسوا وتحالفوا وتآمروا وتآلفوا كما شئتم, وستظل الانتخابات عند المصري هي الفردي, وسيذهب المصريون إلي مراكز الاقتراع لينتخبوا المرشحين الفرديين الذين يعرفونهم, أو الذين تلقوا توصيات بشأنهم, وعند القوائم سيختارون كيفما اتفق, بالرموز أو بغيرها, أو سيبطلون أصواتهم, أو ستبطل رغما عنهم لعدم وضوح الإجراءات وزيادة حجم الالتباس, وأؤكد من الآن أن نسبة الأصوات الباطلة في أوراق القوائم ستكون عالية, لأنها حتي الآن وبهذه الطريقة المعقدة ليست سوي وهم كبير. أؤكد للمسئولين وللأحزاب وللمرشحين أن هذه هي الحقيقة فيما يتعلق بالقوائم, وأحذرهم من أن ذلك سيضر بالعملية الانتخابية كلها رغم أنها الاستحقاق المتمم للبناء الديمقراطي الجديد للدولة وللمرحلة الانتقالية التي طالت أكثر مما ينبغي, ورغم أن مجلس النواب المنتظر سيتولي إعداد وتمرير القوانين الجديدة المنظمة لمعظم الهيئات التي تمثل مفاصل الدولة, ورغم أن ذلك المجلس سيكون اللبنة الأولي في بناء الوطن الذي نحلم به جميعا. علي أبواب الانتخابات, لابد من إعادة توجيه الاهتمام للنظرة الكلية لحاضر ومستقبل الوطن, لأنه بغير رؤية واضحة وشاملة ومشروع محدد المعالم يتأسس علي رؤية لمصر جديدة فتية ومتطورة ومتمدنة وقادرة علي اللحاق بركاب التطور والتنوير العالمي, فسوف تستمر مصر في حالة تخبط دائمة لا نعبر فيها أبدا من عنق الزجاجة. وأولي خطوات رسم تلك الرؤية وحدود ذلك المشروع المتمدن المعتدل القادر علي اجتذاب تأييد عناصر الأمة المختلفة وإحداث اصطفاف مجتمعي وإجماع وطني لايستثني طرفا أو طائفة, لابد أن يكون البحث في الأسباب التي أدت إلي ثورة الشعب المصري مرتين في أقل من ثلاثة أعوام, من خلال التعرف علي أوجه الخلل التي عانت منها الأمة المصرية علي مدي العقود الماضية التي دفعت المصريين لأن يثوروا علي اثنين من أنظمتهم الحاكمة, ويخالفوا توقعات الكثيرين بفقدان هذا الشعب لقدرته ورغبته في الثورة علي حكامهم مهما تكن أخطاؤهم وخطاياهم. أي جمهورية جديدة بعيدا عن المسميات لابد أن تقوم علي الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان, وهي الركائز التي تقوم بينها علاقة تكاملية تربط بينها, وتجعل التمتع بأي منها مرهونا بتوافر الآخر واحترامه, فضلا عن تحديد مجموعة من الأولويات السياسية والخطوات الإصلاحية التي أري أهمية أن تتخذها السلطة المنتخبة الحاكمة للبلاد في الفترة المقبلة لتحقيق أهداف الثورة ولإطلاق مرحلة جديدة في تاريخ مصر المعاصر ينعم فيها أبناء شعبها بكامل حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم. أما أكثر ما يثير الارتياح والاطمئنان في العملية الانتخابية, عدم وجود حزب برئاسة رئيس الجمهورية أو يمثله بأي شكل من الأشكال.. وينهي ذلك ببساطة عقودا من التبعية السياسية كانت خلالها بعض الكوادر المؤهلة لدخول الانتخابات تصر علي خوضها من خلال حزب الرئيس لضمان النجاح, وضمان المناصب والنفوذ والمزايا والمكاسب بعد النجاح!