نشتكي كثيرًا من الشمس وحرارتها الشديدة، ولكن هل تخيلنا للحظات ماذا يحدث لنا إذا استيقظنا يومًا فلم نجد الشمس؟ في البداية سنستمتع بهواء الليل المنعش وبضوء القمر الساحر، ولكن، بعد مرور وقت بسيط ستختلف حياتنا تمامًا عن تلك الصورة الساحرة الجميلة، وستظهر لنا أشياء جديدة من حولنا نتيجة اختفاء الشمس، فماذا سيحدث؟! ما هي الشمس الشمس هي آية من الآيات العظيمة التي خلقها الله وسخرها لخدمة البشر، وفيها الكثير من المنافع لهم، شرّفها الله تعالى فأقسم بها في سورة الشمس، وإنَّ لنا في حركة الشمس وضوئها، وإشعاعها ودفئها، وانتظامها في سيرها، وضخامة حجمها حجَّةً داحضةً، وآيةً ظاهرة على عظمة خالقها جل وعلا، فقد كانت ولا تزال - عند البشر - مثارًا للدهشة والانبهار، فهي تضيء النهار، وتبددُ الظلام، وتستيقظ على شروقها الأحياء في الأرض، من إنسان وطير وحيوان؛ فتسعى لطلب رزقها، وتعمُّ الحركة أرجاء الأرض على ضوئها ونورها. فإذا غربت خيم الظلام، وعم السبات، وخلدت الأحياء إلى الراحة استعدادًا ليوم جديد. كوكب الشمس في كل لحظة شروق وغروب ومن عجيب شأنها أنها لا تكاد تغرب على جزء من الأرض إلا وتشرق على جزءٍ آخر، ففي كل لحظة لها مشرق ومغرب؛ ولذلك أخبر الله تعالى أن لها مشارق ومغارب متعددة: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ - المعارج غروب الشمس الشمس والظواهر الطبيعية ولولا خلقُ الله تعالى الشمسَ، وتسخيرُها لنفع الأرض لما انتظمت الحياة فيها على هذا النظام البديع، فمن جرَّاء الشمس تحدثُ ظواهرُ في الأرض من تبخير المياه، وتحريك الرياح؛ مما يسبب نزول الأمطار وانتفاع الأرض، وبث الحياة فيها. وكذلك فإن النباتات تنضج حين تستمد طاقتها من حرارتها، وتنتقل هذه الطاقة إلى الحيوان، ثم إلى الإنسان عبر سلسلة غذائية منتظمة. وتحرق الشمس بحرارتها ما لا يعلم من الفطريات والجراثيم، التي لولاها لانتشرت الأمراض والأوبئة. غروب الشمس عبدة الشمس ولكل هذه الآيات في الشمس استعظمها أقوام فعبدوها من دون الله تعالى؛ كما قال الهدهدُ لسليمان عليه السلام: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾- النمل وبالرغم من أن الكثير من هؤلاء الكفَّار يعلمون أنَّ الشَّمس مخلوق من خلق الله تعالى، إلا أن كبرهم وعنادهم مازال يمنعهم من عبادة الخالق: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ - العنكبوت فجاءهم رد الله ليخبرهم أنها من جملة آياته الكونية المخلوقة؛ فالحق أن يعبد خالقُها من دونها: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ - فصِّلت غروب الشمس الشمس تسجد لله ولكن الشمس على الرغم من عظمتها وضخامتها لم تتكبر على خالقها، كما تكبر بعض البشر؛ فهي تسبح بحمد الله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء]، وتسجد له سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ [الحج]. وثبت في الصحيحين – البخاري ومسلم - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: (أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ)؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ) يس غروب الشمس الشمس ويوم القيامة للشمس وما يحدث منها من ظواهر ارتباط وثيق بيوم القيامة، فلأنها علامةٌ في الكون ظاهرة يراها كل البشر، كان اختلافُها واختلالُها عن نظامها علامةً من علامات الساعة، فيعتبر طلوع الشمس من مغربها علامة من علامات الساعة الكبرى؛ وهو تغير مفاجئ في نظام حركة الأفلاك، وذلك أن الناس في صباح ذلك اليوم، ينتظرون إشراق الشمس وطلوعها من مكانها المعتاد من الشرق - كما هو حالها منذ خلقها الله - فإذا بالشمس تطلع من الغرب، وعندها يقفل باب التوبة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" أخرجه أبو داود. وللشمس دور كبير يوم القيامة، إذ تدنو وتقترب من رؤوس الخلائق فيتأذون ويطلبون سرعة القضاء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل؛ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا"، "وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه" - أخرجه مسلم غروب الشمس ولكن ماذا سيحدث لو اختفت الشمس؟ إذا اختفت الشمس فجأةً من الوجود، فإنّها لن تكون النهاية اللحظية للحياة على الأرض كما قد نعتقد.. ولكن كيف ستستمر الحياة بدون شمس بعد كل ما عرفناه من فوائدها على الكون؟ يقول العلماء إن الضوء يستغرق حوالي ثماني دقائق للوصول إلى كوكب الأرض قادمًا من الشمس؛ لهذا السبب لو حدث واختفت الشمس، فإنّه ما زال بإمكاننا أن نرى الضوء في السماء لمدة ثماني دقائق أخرى. ولكن ماذا عن الجاذبية؟ نعرف أن الشمس هي نقطة الارتكاز للنظام الشمسي أجمع، وأنّ حجمها يعادل كتلة الأرض 333,000 مرة، لذا فإنّها تبذل قوة سَحب ضخمة جدًا من أجل المحافظة على الكواكب ثابتة في مداراتها. لو اختفت كل تلك القوة الجاذبية فإنّها ستستغرق منا ثماني دقائق لنشعر باختفائها، وذلك بحسب نظرية آينشتاين للنسبية والتي تقول "إن الجاذبية تسير بنفس سرعة الضوء". ومع ذلك، سنجد أنه مع لحظات اختفاء الشمس الأولى لا تزال الحياة مستمرة على الأرض، ولا تزال الكهرباء تعمل، وسوف يستغرق الأمر ساعة تقريبًا ينعكس فيها الضوء من الكواكب إلى الأرض مرة أخرى، لذلك سيكون هناك توهج في السماء. لكن مع عدم وجود ضوء الشمس، فإنّ عملية البناء الضوئي للنباتات سوف تتوقف، وهذا من شأنه أن يقتل بعض النباتات فقط، والذي بدوره يقلل من غاز الأكسجين الذي نتنفسه، والذي يخرج كناتج من عملية البناء الضوئي، وفي المقابل ستزيد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، ولكن ستنجو بعض الأشجار الكبيرة المعمرة التي يمكنها البقاء على قيد الحياة لسنوات بما لديها من مخزون داخلي. ثم وفي غضون بضعة أيام ستبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، وستزداد برودة الجو حتى يصل إلى الصقيع والتجمد، وبالطبع ستتجمد الكائنات الحية من إنسان ونبات وحيوان، وبالتأكيد فإنّ أيّ إنسان يُترك على سطح الكوكب سوف يموت قريبًا مع تزايد انخفاض الحرارة. أما في غضون شهرين، فإنّ سطح المحيط سوف يتجمد ولكنه سيستغرق "سنين أخرى" لتجميد بحارنا. وبحلول ذلك الوقت سينهار الغلاف الجوي وستتسرب الإشعاعات إلى ما بعد الغلاف الجوي، وبهذا فإن الأرض ستكون مقفرّة قاحلة تسير بلا هدف في الفضاء . ولنلخص ما سيحدث مع اختفاء الشمس بالدقائق والساعات: بعد 8 دقائق: ستتوقف جميع الكواكب عن الدوران وتتجه في مسار مستقيم عبر الفضاء بسبب انعدام جاذبية الشمس بعد 9 دقائق: سوف تسود ظلمة حالكة على كوكب الأرض ولا يمكن رؤية القمر أو النجوم مجددًا، لأن الشمس هي مصدر ضوئهم. بعد بضعة أيام: لن تتمكن أي كائنات حية من النجاة بدون الشمس، إلا الكائنات الدقيقة، وبعض الميكروبات التي تعيش في الطبقات الداخلية للكرة الأرضية، والتي تتميز بأنها لا تزال محتفظة ببعض حرارتها. بعد أسابيع قليلة: انعدام عملية التمثيل الضوئي لعدم وجود ضوء بالرغم من أنه مازال هناك ما يكفي من الأوكسجين. خلال شهر: ستنخفض درجة حرارة الأرض ليصبح الحل الأمثل للبشر هو العيش داخل غواصات في أعماق المحيطات. خلال شهرين: ستنخفض درجة حرارة الكرة الأرضية أكثر لتصل إلى -123 درجة مئوية وسيتجمد سطح جميع المحيطات، ولن تكون هناك فرص للعيش إلا في أعماق البحار فحسب، ثم ستستمر الحرارة في الانخفاض لتصل إلى -198 درجة مئوية بعد أربعة أشهر. بعد عدة أسابيع: ستموت معظم الحيوانات، في حين يحظى حيوان القمام أو آكل الجيف بفرص نجاة أكبر لمزيد من الوقت. بعد عدة سنوات: بالرغم من انعدام عملية التمثيل الضوئي للنباتات، إلا أنه يمكن للأشجار الضخمة البقاء لبضع سنوات. بعد 1000 عام: ستتجمد المحيطات بالكامل وينهار الغلاف الجوي بسبب انخفاض درجات الحرارة إلى -240 درجة مئوية وتعرض الأرض لإشعاعات قوية. فسبحانك يا ربي ما أرحمك بنا مع تقصيرنا، خلقت كل شيء بقدر معلوم، ليظهر الكون حولنا بهذا الإتقان والتنظيم والإبداع، وليؤدي كل مخلوق دوره كما يسرته له، فلا يمكننا الاستغناء عن أي مما في الكون وإلا انتهت البشرية ... المصادر: (ويكيبيديا - شبكة الألوكا - موقع مونت كارلو الدولية - موقع اخبار العلوم Science articles - موقع صحيفة مكةالمكرمة - موقع الدكتور زغلول النجار)