التعليم تعلن مسابقة لشغل وظيفة معلم مساعد    السلطات الأردنية: سقوط جسم متفجر في مدينة العقبة دون وقوع إصابات    بعد إنذار السكان بالإخلاء.. إسرائيل تقصف الضاحية الجنوبية في بيروت    سقوط صاروخ آخر على الضاحية الجنوبية في بيروت    ميسي يهرب من "إعصار ميلتون" قبل مواجهة فنزويلا    وقعوا في الترعة.. مصرع طفلين شقيقين غرقا ببني سويف- صور    ما هي القرارات الجديدة لسيارات المعاقين؟.. تعرف عليها    الولايات المتحدة محبطة من عدم مشاركة إسرائيل للبيت الأبيض بخطة الرد على الهجوم الإيراني    جيش الاحتلال يعلن اعتراض هدف جوى فوق البحر الأحمر    ذكرى نصر أكتوبر| اللواء شمس الدين: «الرادارات كانت عين كل الأسلحة»    مهاجم الزمالك يكشف كواليس عدم إتمام انتقاله للأهلي.. الوقت    كرة سلة - الاتحاد يهزم الوحدة الإماراتي ويصعد لنصف نهائي البطولة العربية    عضو إدارة الجبلاية يتراجع: تصريحاتي عن أكبر قلعة رياضية في مصر اتفهمت غلط    هل طلب ليفربول عدم مشاركة محمد صلاح أمام موريتانيا.. اتحاد الكرة يوضح    هشام نصر: الزمالك أكبر قلعة رياضية في مصر أمر مُسلم به.. وموقف إيجاريا    تصفيات أمم أفريقيا.. بعثة موريتانيا تصل القاهرة استعدادا لمواجهة منتخب مصر    طلاب الجامعة الأميركية بالقاهرةيتظاهرون رفضا للعدوان الصهيونى على غزة وبيروت    «ضربوه ب النار».. محاكمة جنائية ل عاطلين سرقوا سيارة بالإكراه من قائدها بالشروق    38 كيلو مخدرات.. محاكمة 3 أشخاص ضبطوا قبل ترويج الكيف في الشروق وبدر    تفاصيل مداهمة أكاديمية تعليمية غير مرخصة تديرها سيدة في الدقهلية    ميتا تطلق منصة محادثة الذكاء الاصطناعي في 21 دولة جديدة    11 جائزة لطلاب معهد الفنون المسرحية بمهرجان ظفار الدولي بسلطنة عمان    أحمد الشريف: الشعر سيد الكلام وحب الكتابة يبدأ دائما بحب قراءته    علي جمعة يكشف عن شرط قبول الصلاة على النبي وأفضل صيغة ترددها    حدث ليلًا| بيان حكومي مهم بشأن موسم الحج 2025 وموعد إصدار قانون العمل الجديد    هيئة الإسعاف تكشف عن لائحة أسعار جديدة لخدماتها غير الطارئة    أسعار السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    تراجع 280 جنيهًا.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 10 أكتوبر 2024 تفاجئ المصريين في الصاغة    محافظ الدقهلية يتجول بشوارع المنصورة منفردا ويستمع لمطالب المواطنين    8 سيارات إطفاء وخسائر مادية.. التفاصيل الكاملة لحريق مصنع «تنر» في المنوفية    أجواء معتدلة والشبورة مسيطرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    الصحة اللبنانية: ارتفاع حصيلة ضحايا الغارة الإسرائيلية على بلدة الوردانية ل 5 شهداء و12جريحا    بوتين: البطالة في روسيا عمليا عند مستوى الصفر في الوقت الراهن    انشغالك الذهني قد يؤدي إلى كوارث.. حظ برج الجدي اليوم 10 أكتوبر    خبير: "حياة كريمة" تعكس اهتمام الدولة بالمواطن وتوسيع أنماط الحماية الاجتماعية    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 10 أكتوبر.. «يوما للعلاقات الرومانسية»    حظك اليوم| برج الأسد 10 أكتوبر.. «تعامل بشجاعة وتفاؤل»    اليوم.. انطلاق منافسات مجموعتي القاهرة بدوري القسم الثاني    أيمن بدرة يكتب: نور انتصار أكتوبر    هانئ مباشر يكتب: أبطال في سماء العلا    وصفة سحرية.. 4 فناجين من القهوة لإطالة العمر ومحاربة الاكتئاب    اضطراب الوسواس القهري «OCD».. تعرف على الأعراض والأسباب    الثوم والفلفل الأحمر.. أطعمة مناسبة لمرضى الكلى    أشرف عبد الباقي يهنئ الفنان علاء مرسي بزواج ابنته    حدث بالفن| وفاة منظم حفلات شهير وبكاء فنانة ومشهد لم يعرض بفيلم "إبراهيم الأبيض"    سعر الدولار الآن مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    قرارات عاجلة من وكيل تموين الغربية بسبب مولد السيد البدوي (تفاصيل)    "معلومات الوزراء" ينشر إنفوجرافا عن وظائف قطاعات الطاقة المتجددة    محافظ قنا ومساعد وزير التنمية المحلية يبحثان الموقف التنفيذي لمشروعات برنامج تنمية صعيد مصر    رويترز: حملة هاريس جمعت مليار دولار منذ ترشحها للرئاسة    قرار جديد ضد المتهمين بسرقة فيلا موظف بالمعاش في الشروق    الأوقاف تعقد دورات لعمال المساجد في التعامل اللائق مع ضيوف الرحمن    البابا تواضروس الثاني يتأمل في طِلبة "قبولاً للأيتام"    الدعاء يوم الجمعة: بركات واستجابة في اليوم المبارك    خالد الجندي: القرآن تحدث عن الرجولة بفخر.. والشذوذ مهانة وخروج عن طاعة الله    اتفاق تعاون بين مصر ونيوزيلندا لتعزيز سلامة الغذاء وتسهيل التبادل التجاري    معركة المنصورة.. أطول المعارك الجوية فى التاريخ    الأزهر يعلن فتح باب التقدم لمسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استرداد السيادة وتحطيم اسطورة الجيش الذي لا يقهر

بعد مرور40 عاما علي حرب أكتوبر1973, لاتزال المعاهد العسكرية والاستراتيجية العالمية تحلل وتدقق في نتائجها ودروسها, ومازال الخبراء يستلهمون الدروس من هذه المعركة والاستفادة منها. إن حرب أكتوبر المجيدة هي اكبر حرب تم تنفيذها علي ساحة الميدان بعد الحرب العالمية الثانية فقد قلبت موازين القوي وكيفية ادارة معارك الاسلحة المشتركة رأسا علي عقب واعادت هيكلة هذه المفاهيم والقواعد مرة أخري.
من أهم نتائج الحرب استرداد السيادة الكاملة علي قناة السويس, واسترداد شبه جزيرة سيناء. ومن النتائج الأخري تحطيم أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر, كما أن هذه الحرب مهدت الطريق لاتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل الذي عقد بعد الحرب في سبتمبر1978 م علي إثر مبادرة السادات التاريخية في نوفمبر1977 وزيارته للقدس. وأدت الحرب أيضا إلي عودة الملاحة في قناة السويس في يونيو1975 م. كما برزت الأهمية السياسية والإستراتيجية للنفط إذ استخدم العرب سلاح البترول في المعركة, والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني في القرار الذي صدر عن القمة العربية في الرباط عام1974, وتزايد الاعتراف والقبول الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس في16 سبتمبر1974, أحصي البروفيسور الإسرائيلي شمعون شامير خمسة إنجازات هامة للعرب في حرب أكتوبر وهي:
1- النجاح في إحداث تغيير في الإستراتيجية السياسية للولايات المتحدة الامريكية بصورة غير مواتية لإسرائيل.
2- والنجاح في تجسيد الخيار العسكري مما يفرض علي إسرائيل جهودا تثقل علي مواردها واقتصادها.
3- والنجاح في إحراز درجة عالية من التعاون العربي سواء علي الصعيد العسكري أو الاقتصادي خاصة عندما استخدموا سلاح البترول في أكتوبر.
4- واستعادة مصر حرية المناورة بين الدول الكبري بعد أن كانت قد فقدتها قبل ذلك بعشر سنوات.
5- وأخيرا غير العرب من صورتهم الذاتية فقد تحرروا من صدمة عام1967 وأصبحوا أقدر علي العمل الجاد.
لقد كانت تلك الحرب المجيدة هي أهم العوامل التي نقلت مصر والأمة العربية من الشعور بالعجز والقلق إلي الثقة التامة بالنفس والقدرة علي تحقيق الهدف, ومن هنا يكون ضروريا ألا نعتبرها حدثا عارضا مضي وانقضي, بل إنها يجب أن تظل علامة مهمة علي الطريق ومرحلة فاصلة, تمثل الانتقال إلي حالة جديدة تماما, ستظل شعلتها مضيئة في عقولنا وقلوبنا, تعيش كل معانيها وأبعادها نابضة بالحياة في أعماق نفوسنا, وتبقي مجسدة ماثلة في وعينا الجماعي قرونا عديدة. وأول الدروس التي يجب أن نستلهمها من هذا الحدث التاريخي الكبير, هو أن جانبا كبيرا من نجاح حرب أكتوبر يرجع إلي أنها كانت حرب تحرير وطني وقومي, تحققت لها كل متطلبات الشرعية داخليا وخارجيا, وكانت حرب الشعب المصري بكل طوائفه, وطليعته المقاتلة من رجال القوات المسلحة, بدعم واضح من الشعوب العربية, وبمشاركة في خندق واحد من القوات المسلحة في سوريا الشقيقة, التي تم تنسيق الخطط والخطي معها في إطار من الثقة المتكاملة, والإيمان العميق بوحدة الهدف والمصير. وجاء النصر نتيجة طبيعية لتوظيف العلم, واتباع مناهجه وأصوله, وإجراء حسابات دقيقة في جميع المجالات الإستراتيجية والسياسية والجيوبوليتيكية, قامت علي أسس وقواعد مدروسة, أخذت بعين الاعتبار الإمكانات المتاحة, بحيث توافرت لقرار الحرب كل شروط النجاح ومتطلباته, وفي مقدمتها تحديد هدف واقعي, تحشد له كل الإمكانات والطاقات, وترتب له الأوضاع العربية والدولية المواتية, وتجند لخدمته القيادة الماهرة القادرة, التي أعطت المثل والقدوة للعطاء في أبهي صوره وأعلي درجاته, واتصالا بهذا, فان قرار شن الحرب والتخطيط لخوضها والأداء تمت في كل مراحلها- من التفكير إلي الإعداد والتنفيذ- من خلال مفاجآت إستراتيجية أذهلت العالم كله, وأفقدت الخصم توازنه وتماسكه. فحرب أكتوبر أتاحت لمصر والعرب- لأول مرة في تاريخ الصراع مع إسرائيل- أن يتحولوا من موقع رد الفعل إلي موقع المبادأة والفعل, سواء في المجال العسكري أو السياسي أو الإعلامي, وأصبح العرب مبادرين لا يكتفون بتلقي مبادرات الخصم وإعداد ردهم عليها, وإنما صاروا يملكون زمام الأمور بأيديهم, ويوجهونها الوجهة التي تحمي مصالحهم وتخدم قضيتهم, وهذا تطور نستطيع أن نحتفظ بجوهره وأسلوبه في كثير من القضايا الأخري, لان القدرة علي الفعل والمبادأة تحققان لصاحبهما مزايا لا تنكر وفوائد لا تحصي في شتي المجالات. كما أكدت علي أهمية تعزيز التلاحم الاجتماعي وتقوية الانتماء الوطني, وتوفير تماسك الجبهة الداخلية, كعنصر حاسم في تحقيق الأهداف القومية. ومن ثم يجب أن نستلهم نتائج حرب أكتوبر لتكون نبراسا لنا ونحن نخطط لمرحلة جديد لتحقيق نهضة مصر وفي زيادة الاعتماد علي الذات.
نتائج حرب أكتوبر73
النتائج علي المستوي المحلي
استطاعت القوات المصرية أن تعيد نوعا من التوازن إلي جبهتها علي مجموعة مستويات:
* علي مستوي التخطيط فقد بلغ مستوي التخطيط العلمي والعملي للمعركة مستوي ممتازا ودقيقا فقد استطاعت القوات المصرية في الأيام الأولي للمعركة أن تحقق هدفا استراتيجيا لا يختلف عليه احد وهو كسر النظرية الأمنية الإسرائيلية كما حقق الجيش المصري إلي جانب الانتصار الاستراتيجي انتصارا آخر علي مستوي العمل العسكري المباشر متمثلا في عملية العبور التي اكتسحت مانعا مائيا ضخما في ساعات ثم دخلت لعدة أيام في معارك بالمدرعات والطيران وأمنت لنفسها عدة رءوس كباري داخل سيناء وألحقت بالعدو خسائر وصلت إلي ربع طائراته وثلث دباباته تقريبا في ظرف أسبوع واحد من القتال.
* أما علي مستوي القرار فقد استطاع الرئيس السادات أن يثبت أن القيادة المصرية والعربية ليست واهنة بل لديها الشجاعة علي اتخاذ القرار فرغم المنحنيات الكثيرة التي مرت بها عملية اتخاذ القرار فحينما جاءت اللحظة الحاسمة أعطي أمر القتال وأطلق شرارة الحرب.
* علي مستوي الجندي المصري فجرت الحرب والظروف التي نشبت فيها طاقة إنسانية لم يكن احد يحسب لها حسابا أو يخطر بباله أنها موجودة علي هذه الدرجة من الاقتدار.
* بعد الحرب شعر الرئيس السادات أن مواجهة المرحلة التالية تتطلب تغيير إدارته السياسية لذلك أجري العديد من التغييرات في المناصب.
* أبرزت حرب أكتوبر أهمية العامل البشري والمعنوي في الحرب الذي أخفقت أجهزة الكمبيوتر في ادراكه. وكذلك صمود الجبهة الداخلية ومؤازرتها للجبهة القتالية فقد قبلت الجبهة الداخلية المصرية التحدي واستوعبت دروس التاريخ المقارن فلم تتأثر بضغوط الحرب ومخاطرها بل ازداد تماسكها وصلابتها وايمانها وكان ذلك عونا للمقاتلين في ميدان القتال وتحققت الوحدة الوطنية في مصر بصورة كاملة لا شرخ ولا عيب فيها.
النتائج علي المستوي العربي
* أعاد نصر أكتوبر للشارع العربي والمصري ثقته في ذاته بعد أن كانت تجتاح حالة من الإحباط الشديد إثر نكسة1967 التي رافقها العديد من المظاهر الاجتماعية في الوطن العربي.
* المواقف العربية خلال الحرب أظهرت وعدا بعصر عربي جديد يضع العرب علي موضع يرضونه لأنفسهم من توافق وتكامل يؤدي بهم إلي الصفوف الأولي فان تحالفا واسعا علي الناحية العربية للمعركة قام وراء جبهة القتال تمثل في عدة خطوط تساند بعضها بطريقة تستطيع تعويض جزء كبير من الانحياز الأمريكي لإسرائيل وقد كانت الجيوش العربية المقاتلة بشجاعة هي الخط الأول وكانت الجبهات العربية الداخلية التي تجلت إرادتها هي الخط الثاني كما ظهر سلاح البترول للمرة الأولي بعد أن لوحت السعودية باحتمال قطع امدادتها لاي دولة تقوم بمساعدة إسرائيل.
* أبرزت حرب أكتوبر أهمية التضامن العربي في مجالاته السياسية والاقتصادية والعسكرية وألا يكون التنسيق العسكري بين الدول العربية عفويا ووليد لحظة قيام الحرب, فان لم يسبق الحرب تنسيق استراتيجي كامل فقد يكون للعمل العسكري العربي المشترك مردودات سلبية عديدة.
النتائج علي المستوي الإسرائيلي
* انكسرت نظرية الأمن الإسرائيلي علي المستوي الاستراتيجي التي تقوم علي عدة مرتكزات هي التفوق الكيفي أما الكم العربي وضعف عربي عام بسبب الخوف وحرب الأعصاب مما يؤدي إلي وهن علي مستوي اتخاذ القرار.
* أحدث انكسار هذه النظرية صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل في التاريخ القصير لدولة إسرائيل وقد أدي ذلك بدوره إلي تفكك تركيبة القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل وتمزق العلاقات فيما بينها وبدأت مرحلة تبادل الاتهامات وتصفية الحسابات.
* علي مستوي الرأي العام أدي انكسار النظرية الإسرائيلية إلي سقوط أساطير إسرائيلية كثيرة علي رأسها الجيش الإسرائيلي الذي كان أمل إسرائيل وموضع اعتزازها الأول وأيضا سقطت صورة المخابرات الإسرائيلية التي كانت غائبة عن مسرح الأحداث بالمعلومات والكشف والتحليل كما سقطت شخصيات إسرائيلية كانت مثل أصنام لدي الرأي العام الإسرائيلي ومنها جولدا مائير وموشي ديان.
* وجدت إسرائيل نفسها مرغمة علي الاستمرار في عملية التعبئة العامة لدعم خطوطها العسكرية وكان ذلك يعني أن عجلة الإنتاج الإسرائيلي في الزراعة والصناعة والخدمات توقفت أو أصبحت علي وشك التوقف.
النتائج علي المستوي العالمي
استطاعت مصر من خلال موقفها القوي في الحرب خلق رأي عام عالمي واضح مناهض للجبهة التي تساند إسرائيل وعلي رأسها الولايات المتحدة وقد عبر عن هذا الرأي الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت بومبيدو بقوله نحن نعرف أن العرب هم الذين بدأو القتال ولكن من يستطيع أن يلوم طرفا يقاتل لتحرير ارض احتلها اعداؤه كما حصلت مصر علي مدد عسكري ضخم خلال أيام المعركة فقد قررت القيادة السوفيتية تعويض الجيش المصري عن بعض خسائره من الدبابات وأهدته250 دبابة من طراز تي62 كما بعث تيتو رئيس يوغسلافيا في ذلك الوقت بلواء كامل من الدبابات وضعه تحت تصرف القيادة المصرية.
ولعل أبرز الدروس الاستراتيجية في معارك السادس من أكتوبر التي تعتبر واحدة من أهم الحروب التقليدية بعد الحرب العالمية الثانية أكدت ومازالت علي أن المعركة الحديثة هي معركة الأسلحة المشتركة التي تتعاون فيها جميع الاسلحة لتحقيق مهمة واحدة مع امكانية تحقيق المفاجأة في الاراضي الصحراوية.
كما أكدت علي أهمية توفر الاحتياطات التعبوية والاستراتيجية وزيادة نسبة المخزون من الأسلحة والمعدات والذخائر نظرا لزيادة معدلات الاستهلاك وشدة نسبة الخسائر في الافراد والمعدات وقد نتج عن ذلك أن وجد الآن تكدس هائل في وسائل التدمير في منطقة الشرق الاوسط مما يؤكد الاحتمالات الرهيبة للتدمير في الحرب المقبلة. كما أكدت حرب اكتوبر كذلك أهمية احتواء استراتيجية التسليح علي بعدين أولهما تنويع مصادر السلاح حتي لا تقع الدولة تحت ضغط احتكار السلاح من مورد واحد, والاعتماد علي الذات في انتاج احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية.
إن حرب أكتوبر كانت نجاحا عسكريا حقيقيا, وهذا النجاح أقلق جميع القيادات غير العربية المتعاملة مع المنطقة وخاصة القيادة الأمريكية, ومن ثم نهجت خطة كيسنجر في ضرورة التغلغل في عناصر هذا النجاح بحثا عن مواقف الضعف ليوسع منها وليضغط عليها, فتشل النجاح إن لم تحله إلي فشل. حرب اكتوبر كانت نجاحا حقيقيا للقيادة العسكرية الميدانية وكان النجاح مصدره ثلاثة عناصر: الجندي أولا والقائد الميداني ثانيا والمخطط للتعامل المحدود أي معركة العبور ثالثا. وقد استطاعت دبلوماسية الخطوة خطوة أن تحقق الكثير للولايات المتحدة, فأهم ما حققته هو رضوح النظرة الأمريكية في التعامل مع المنطقة, فالدبلوماسية الأمريكية حتي مجيء كيسنجر لم تكن تملك دبلوماسية واضحة ولكنها وضحت تمام الوضوح معه في توظيف للمنطقة في خدمة الأهداف الأمريكية الكلية, ومعني ذلك: النظرة إلي المنطقة ككل وتحديد توظيفها علي أساس واقعها الاستراتيجي, حيث تحتل في قلبه اسرائيل الموقع المتميز, مع توظيف كل دولة تنتمي إلي المنطقة في ضوء توظيف المنطقة, وتطبيق السياسة الاقتصادية التي تتبعها واشنطن علي كل من مصر وإسرائيل, وهكذا برزت سياسة المعونات الاقتصادية. وأهم ما أسفرت عنه حرب أكتوبر أنها أعادت قنوات الاتصال مع كثير من الدول الكبري, ففي أعقاب عام1967 أوصدت الدبلوماسية الغربية قنوات الاتصال مع العالم الخارجي بل يمكن القول بصفة عامة أنه لم توجد قوة دولية ذات أهمية معينة لم تعرف مرحلة قطعت بخصوصها جميع قنوات التعامل الدبلوماسي, بريطانيا, فرنسا ثم ألمانيا الغربية دون الحديث عن الولايات المتحدة, وكان واجب الدبلوماسية المصرية عقب أن اكتشفت خطأ ذلك الأسلوب في التعامل أن تعيد خلق قنوات الاتصال التي كنا قد أوصدناها. وعقب1973 برزت عزلة إسرائيل الدولية وأضحت أمرا واضحا, رغم ذلك لم تعرف الدبلوماسية المصرية كيف تستغل تلك العزلة وكيف تعمق منها بصفة خاصة في دول أمريكا اللاتينية وفي دول أوربا الغربية ويبرز ذلك واضحا في مشكلة القدس التي في لحظة معينة كانت جميع القوي الدولية بما في ذلك الفاتيكان تقف بخصوصها مواقف المعارضة من إسرائيل. أين من ذلك موقف تلك القوي وبصفة خاصة عقب حرب أكتوبر حيث كان من الممكن أن يدعم الغزو الدبلوماسي المصري النجاح العسكري علي أرض المعركة. عقب اتفاقيات كامب ديفيد أتيحت للدبلوماسية المصرية فرصة لا مثيل لها للتعامل مع إسرائيل من الداخل, والواقع أن هذا المفهوم هو أحد العناصر الأساسية التي انطلق منها تصور الرئيس السادات في عملية تطبيع العلاقات, رغم ذلك فإن الدبلوماسية المصرية ظلت عاجزة علي أن تخلق أي تسرب حقيقي داخل القوي السياسية في المجتمع الإسرائيلي. كذلك ظهر جلية مدي قصور الدبلوماسية العربية في التعامل الجماعي, لعل خير نموذج يعبر عن ذلك موضوع الحوار العربي الأوروبي. باسم الحوار تقدمت دول السوق المشتركة ثم الاتحاد الأوربي لاحقا من منافذ التعاون الاقتصادي تسعي إلي اقناع الجانب العربي بأنها قادرة علي تقديم لغة التطوير التكنولوجي ومن ثم فرضت علي المحاور العربي تصورات لا ترتبط بمصالحه وإنما تعبر عن حقيقة المشاكل التي تعاني منها دول السوق المشتركة. المحاور الأوروبي لم يتقدم إلا بلغة الاقتصاد وهكذا نقل ميدان التعامل السياسي إلي الميدان الاقتصادي ونقل موضوع الأخذ والعطاء المباشر إلي مساومة أساسها الأخذ المباشر من الجانب العربي والإعطاء المحتمل عقب40 عاما من الجانب الأوروبي.
روشتة الأمس ومستقبل الغد
اليوم ونحن بصدد خريطة جديدة لبلادنا تحتم علينا أن ندرس الواقع والظروف الاقتصادية قبل حرب أكتوبر1973 لنستلهم منها الدروس والعبر وكيف يمكن إعداد سيناريو شبيه بما تم وضعه لتحقيق نصر أكتوبر. علينا أن نقرأ جيدا المؤشرات الاقتصادية قبل وبعد حرب أكتوبر لتطلعنا علي واقع وحال البلاد في ذلك الوقت.
إن متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي بالأسعار الثابتة خلال الفترة68/67 حتي73/72 بلغ3.5% وهو الأمر الذي يشير إلي أن السير في التنمية الاقتصادية لم يتوقف. وأرجع النمو الاقتصادي الملموس ونجاح عملية التعبئة للحرب. واعتمدت الدولة سياسة التوسع في القطاع العام في مجال توزيع السلع الاستهلاكية وفق نظام غير جامد لتحديد أسعارها ولم تسجل ظواهر قصور حاد في المعروض من السلع الاستهلاكية الضرورية بالقياس إلي التجارب المسجلة في عدد من الدول الأوروبية المتحاربة خلال الحرب العالمية الثانية ولا تشير الإحصاءات إلي تدهور كبير في نسبة الإنفاق الاستهلاكي النهائي إلي الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن العلاقات الاقتصادية الخارجية في فترة الاستعداد للحرب شهدت تزايدا في عجز ميزان العمليات الجارية الذي بلغ بالمليون جنيه21.1 و2.94 و106.2 في الأعوام70/69 و70/71 الأمر الذي استدعي من المخطط الاقتصادي الاهتمام, فشهد عام1973 فائضا في هذه العمليات بلغ30.4 مليون جنيه.
كما تم تكوين صندوق للطوارئ كجزء مستقل نسبيا في نظام الوازنة العامة للدولة وذلك لإعطاء قدر من المرونة لصانع السياسة لمواجهة الطوارئ التي تستلزمها حالة الاستعداد للحرب وقد قدرت استخدامات وموارد هذا الصندوق بربط الوازنة العامة لعام1969/68 بنحو127.4 مليون جنيه وهي السنة الأولي لهذا الصندوق وقد تكفل هذا الصندوق بتغطية تكاليف التهجير والتعويضات وبعض احتياجات الدفاع المدني وغيرها. وهذا يؤكد علي أن صانع السياسة قبل حرب أكتوبر كان علي إدراك ليس بضرورة حشد وتعبئة الإمكانيات الداخلية فحسب بل أيضا حشد الإمكانات الخارجية.
فالقطاعات العريضة من أبناء الشعب المصري هي التي تحملت العبء الأبرز لتمويل الاستعداد لمعركة أكتوبر نظرا للزيادة الكبيرة في الضرائب غير المباشرة التي فرضت علي السلع والخدمات خلال الفترة ما بين حرب يونيو67 وحرب أكتوبر1973. أن السياسات الاقتصادية المصرية في فترة هاتين الحربين تشكلت ملامحها علي أساس أنها سياسات لإدارة اقتصاد حرب ذلك في فرض ضرائب جديدة وزيادة معدلات الضرائب القائمة من أجل زيادة الإيرادات العامة لمواجهة التزايد السريع في الإنفاق العام اللازم للاستعداد لخوض جولة جديدة هن الصراع العسكري مع العدو الإسرائيلي وترتب علي ذلك زيادة حصيلة الضرائب غير المباشرة.
والجمارك ارتفعت حصيلتها442.2 مليون جنيه عام70/69 إلي نحو574.7 مليون جنيه عام73 وشكلت حصيلتها نحو63.4% من إجمالي حصيلة الضرائب عام70/69 ارتفعت إلي نحو69.1% عام1973 وبلغت حصيلة الضرائب المباشرة255.2 مليون جنيه عام70/69 بما يوازي36.6%/ من إجمالي حصيلة الضرائب في ذلك العام ولم تزد علي275.5 مليون جنيه عام1973 بما يوازي30.9% من إجمالي حصيلة الضرائب في ذلك العام. وقد تعرض الاقتصاد المصري لخسائر كبيرة نتيجة لحرب يونيو1967 التي تمثلت في فقدان سيناء لثرواتها المعدنية وإمكانياتها السياحية بالإضافة إلي فقدان إيرادات قناة السويس التي بلغت عام1966 نحو95.3 مليون جنيه أي ما يعادل4% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما فقد الاقتصاد المصري جانبا هاما من الإيرادات السياحية بما يقدر بنحو84 مليون دولار في ذلك الوقت بالإضافة إلي فقدان مصر قدرا هاما من مواردها البشرية إلي تعتبر العنصر أكثر حيوية في تحقيق التنمية الاقتصادية علاوة علي الأصول الإنتاجية التي تم تدميرها أو تعطيلها بشكل دائم أو مؤقت الأمر الذي أثر بشكل سلبي علي قدرة الاقتصاد الوطني المصري في مرحلة ما بين الحربين. وأن خمس الناتج المحلي الإجمالي تم توجيهه لتمويل الإنفاق الدفاعي منذ حرب الاستنزاف مما أثر علي قدرة الاقتصاد المصري علي تمويل الاستثمارات الجديدة مما أدي إلي ترجع معدل الاستثمار الإجمالي من16% من الناتج المحلي الإجمالي إلي14.1% خلال فترة الحرب.
كما تأثرت الموازين الخارجية خلال الفترة بين الحربين بسبب فقدان مصر لإيرادات قناة السويس وجانب كبير من إيرادات السياحة وإنتاج البترول بالإضافة إلي زيادة الواردات السلعية والخدمية المرتبطة بالإنفاق الدفاعي.
وكان التحدي الكبير في مدي قدرة الاقتصاد المصري علي الاستمرار في النشاط الإنتاجي بنفس المعدلات أو زيادتها والأساليب الكفيلة لرفع مقدرة الجهاز الإنتاجي. كما تم بحث أهمية المواءمة بين نسبة الإنفاق الاستهلاكي الحكومي إلي الناتج المحلي الإجمالي عند إعداد الاقتصاد للحرب وهو الأمر الذي ألقي علي عاتق الحكومة المصرية مسئولية البحث عن وسائل كفيلة بتعبئة الموارد التمويلية لمواجهة أعباء الإنفاق علي المجهود الحربي. واصطدمت الحكومة بعدة عوائق أهمها انخفاض معدلات الادخار في مصر وصعوبة ضغط الإنفاق الاستهلاكي الخاص أو الحكومي وتقلص امكانيات التعبئة الإجبارية للمدخرات في ظل أسلوب إدارة الاقتصاد الوطني بالإضافة إلي عجز الموازنة العامة للدولة الذي ينعكس علي حجم المديونية الخارجية ومعدلات التضخم وارتفاع معدلات البطالة. وقد استطاعت المساعدات العربية والمنح والقروض الأجنبية علي اختلافها رغم أنها ساعدت في التجهيز للحرب فأنها ألقت عبئا علي القيادة وهي في سبيلها للإعداد للحرب.
والشيء المثير حقا أن الاستثمارات لم تتأثر كثيرا بخطط الحرب حيث كان هناك عملية إنشاء وتوسع في القطاع الصناعي العام مثل استكمال مشروع درفلة الحديد وغيره من المشروعات في القطاعين العام والخاص. فالإعداد للحرب لم يكن ينتهي بحدوث الحرب بل كان هناك إعداد لمصر لما بعد الحرب مثل فتح قناة السويس ومصر بعد العبور, فقد كانت هناك خطط لتعميق وتطوير قناة السويس. وكان من ضمن الأهداف التي سعت إليها القيادة السياسية هو تقييد استهلاك المواد البترولية والسلع الحرجة حسب ما تقتضيه الظروف ووضع الإجراءات الاستثنائية التي حددها القانون موضع التنفيذ لتوفير مطالب القوات المسلحة وتأمين سلامتها, ومن ثم لم تتعرض الدولة لأي نقص في المواد التموينية طوال مدة الحرب.
كانت التكاليف المادية هي تدمير المدن الثلاث بورسعيد والإسماعيلية والسويس وتشريد مليون من القاطنين وتدمير معامل تكرير البترول الرئيسية ومصانع البتروكيماويات والأسمدة وفقد سيناء وما بها من حقول البترول وإغلاق قناة السويس وارتفعت النفقات لأغراض الدفاع لتشكل ثلث الميزانية و15% من الدخل القومي وذلك علي حساب الاستثمارات العامة والإنفاق الإنمائي الذي انخفض إلي5% من الناتج المحلي الإجمالي وبلغت الأزمة المالية في مصر حدا أدي الي النقص الغذائي وفي نهاية1973 كانت مصر علي حافة الإفلاس الاقتصادي ولذا كانت حرب أكتوبر حدثا بارزا غير الاتجاه وفتح الطريق أمام الانتعاش والنمو الاقتصادي من خلال توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل. فكانت إستراتيجية السادات ذات شقين فالي جانب الالتزام السياسي بان تكون هذه الحرب هي نهاية كل الحروب كان المتوقع أن يكون عائد السلام مبشرا لعصر من الرخاء الاقتصادي فالمفهوم الواقعة للسلام يرتبط أساسا بانخفاض ملموس في الإنفاق العسكري بحيث يصبح عبئه معقولا علي ميزانية الدولة وعلي الناتج القومي وكان التحول من الحرب إلي السلام كذلك مصحوبا بتغيير شامل في علاقات مصر السياسية والاقتصادية وتحولها من الشرق إلي الغرب مع تغيير كامل لأهم شركاء مصر في التبادل التجاري والتمويل والمشتريات العسكرية وحقق الاقتصاد معدلا متوسطا للنمو بلغ9% سنويا.
وقد انعكست الآثار الإيجابية لحرب أكتوبر علي جميع الجوانب الاقتصادية حيث حفزت من السياسة النقدية والائتمانية وزادت من معدلات انتقال العمالة الأمر الذي أثر إيجابا علي تحويلات العاملين بالخارج ونشطت من منحني علاقات مصر الخارجية الأمر الذي أسهم بشكل كبير في التمهيد للنهضة الاقتصادية. كما أن مناخ السلام بعد نصر أكتوبر ساعد علي تحسين مناخ الاستثمار في الدول العربية حيث اتجهت إلي جذب المدخرات العربية النفطية والأجنبية للاستثمار في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي مع تحرير سياساتها الاقتصادية وزيادة درجة انفتاحها علي العالم الخارجي.
برواز:
مواجهة التحديات
ومع مرور40 عاما علي حرب أكتوبر, فهناك مجموعة من التحديات والاخطار التي تؤثر علي أمننا القومي مثل:
- قضية عدم التبعية.
- مشاكل التطبيق الديمقراطي والاستقرار السياسي.
- تحديات التنمية والاستثمار.
- الأزمة الاقتصادية وانخفاض معدلات الإنتاج وتزايد النزعة الاستهلاكية.
- ضعف الجهاز الحكومي ومشاكل الروتين.
- نتائج التيار الإسلامي المتطرف ونشاط الجماعات الدينية ومشاكل الإرهاب.
- كما أن هناك مخاطر تستنزف طاقات مصر, ليس مالا ولا سلاحا وأرواحا فقط ولكنها تستنزف الطاقات السياسية والمعنوية والتكنولوجية وتتمثل في: المحاولات الدءوبة للقوي الاستعمارية لتفتيت الوطن العربي, والصراعات العربية العربية ومضاعفات القضية الفلسطينية المتمثلة في الخلافات الفلسطينية الفلسطينية. والتهديد الإيراني والإرهاب.
برواز:
ماذا تريد إسرائيل بعد40 عاما ؟
منذ حرب أكتوبر وحتي الآن وضح أن الذي تريده إسرائيل ليس تنظيم عمليات حدود ولا توقيع معاهدات سلام ولا الجلوس علي مائدة المفاوضات لوضع حد للخلافات والوصول إلي نوع من التوفيق بين المصالح المتعارضة, إن من يتصور ذلك إنما يعبر عن سذاجة حقيقية, إن مفهوم إسرائيل للسلام هو أنه وسيلة لأن تستوعب في النظام الإقليمي بحيث يصير التواجد الإسرائيلي بجانب التواجد العربي في كل ما له صلة بإدارة المرافق الإقليمية حقيقة قائمة وثابتة ودائمة وبحيث يتعود العالم العربي علي التعامل المباشر مع العنصر الاسرائيلي, إن هذا هو المقدمة الأولي لإمكانية التغلغل في الاقتصاد الإقليمي وتوجيه خيرات المنطقة نحو المصالح اليهودية, وهذا توضحه التوجهات والاتفاقيات التي تمت في هذا الشأن مع الجانب المصري. فإسرائيل تعلم أن مستقبلها من حيث التقدم الاقتصادي يتوقف علي فتح أبواب التعامل المباشر مع المنطقة العربية, إن ما يعنيها أساسا هو الخيرات الحقيقية في منطقة المشرق العربي وبصفة خاصة رءوس الأموال البترولية, وهي لذلك تسعي لخلق سوق مشتركة إقليمية تقوم علي مبدأ التعاون المباشر بين التكنولوجيا الإسرائيلية والعمالة المصرية ورأس المال العربي, ومن ثم ظهرت مشروعات عدة في سيناء وفي الضفة فضلا عن المشروعات السياحية ومشروعات خاصة بالنقل وربط المنطقة بشبكة مواصلات كلها تتمركز حول تل أبيب. هذه السياسة التي تم تحقيق بعضها هي مقدمة لاستيعاب النظام الإقليمي العربي ومن ثم فبدلا من أن يبتلع الجسد العربي إسرائيل تستوعب إسرائيل الجسد العربي من خلال التحكم في شرايينه الحيوية. كذلك فإن هذه السياسة منطلق أساسي للسيطرة, فعقب السيطرة الوظيفية من خلال التحكم في الشرايين والمفاصل تأتي السيطرة الاقتصادية بفضل الاستجابة إلي متطلبات الحياة اليومية حيث الاستهلاك وتقديم الخدمات, وجميع هذه المداخل لابد أن تفرض التبعية السياسية. إن هذه السياسة لن تحدث نتائجها في التعامل مع الجسد العربي فقط بل مع كل من يريد التعامل مع ذلك الجسد ومن ثم تصير هذه السياسة قوة ضاغطة لا في مواجهة أوروبا الغربية فقط بل كذلك في مواجهة الولايات المتحدة.
لقد أوضحت حرب أكتوبر أن ما يخيف إسرائيل من مصر أمران: القدرة الصناعية والكم الديموجرافي. وقد كتب بن جوريون في وصيته يحذر القيادة العبرية من هذه الحقيقة المزدوجة, فالقلعة الصناعية في مصر لابد أن تتحول إلي أداة قتالية( مصانع الحديد والاسمنت خصصت طاقتها لبناء حائط الصواريخ قبل حرب أكتوبر) كما أن مصانع الحديد والصلب هي الأساس الحقيقي لكل تقدم نحو صناعة السلاح, ولايزال السلاح يتمركز حول المدفع والدبابة, الأول هو ماسورة والثانية هي رقائق صلب, لذلك استخدمت ورقة الضغط الخارجي لخصخصة تلك الصناعتين بالكامل. أما الكم الديموجرافي. ولقد تنبهت القيادة الأمريكية إلي هذا العامل إبان حكم عبد الناصر أي التطور الثابت نحو الوحدة العربية والاندماج بين أجزاء المشرق العربي علي الأقل فعهدت إلي مركز البحوث بروما بدراسة هذه الظاهرة ومن ثم اتجه المركز الذي أنشئ خصيصا لهذا الهدف وتولت تمويله مؤسسة فورد بتعاون مع أجهزة المخابرات الأمريكية إلي تعميق دراسة ظاهرتين: الأولي أثر الهجرة المصرية علي إعادة تشكيل الواقع الديموجرافي في دول المشرق العربي ونتائجه المتوقعة مستقبلا والثانية مدي خضوع الإدراك العربي لعملية إعادة تشكيل من حيث الاقتراب من الإدراك المصري ومن ثم بدأ التخطيط الفعلي لتمزيق تلك العلاقات بخلق دوائر صراع, وما يحدث علي الساحة الإعلامية العربية اليوم هو تذكير مشابه لما حدث من قبل.
برواز:
حرب أكتوبر نبهت الغرب للطاقة
لقد نبهت حرب أكتوبر الغرب بضرورة إعادة النظر في موضوع الطاقة من خلال استخدام استراتيجية الاقتراب غير المباشر لتطويق الدول المنتجة للنفط من خلال توسيع حركة الكشف والبحث والتنقيب لتشمل كل مناطق العالم من أجل إضعاف سيطرة دول نفط الشرق الأوسط, كما تمت إعادة هيكلة السوق النفطية علي قاعدتي المضاربة الآجلة والمقايضة التبادلية أي تحويل جميع التعاملات والصفقات إلي البورصة الدولية للنفط ومشتقاته كبديل من الاتفاقيات بين الدول أو الهيئات الوطنية وبين الأطراف المشترية فقط. كذلك فإن شركات الاحتكارات النفطية الدولية, أصبحت تخصص إدارات مستقلة داخلها لتنظيم عمليات بيع النفط والمنتجات النفطية في مقابل سلع استراتيجية وهما علي وجه التحديد القمح والسكر. كم تمت السيطرة علي الوسائل الإعلامية المؤثرة في صناعة النفط وتجارته مثل المجلات والنشرات والتقارير اليومية والأسبوعية التي تبث اتجاهات السوق والأسعار وتقدم الرؤي الغربية التحليلية لها ومن ثم صياغة الوعي النفطي وتشكيله وضمان السيطرة عليه وتوجيهه نحو المسارات التي تضعف من الموقف التفاوضي للدول العربية المنتجة للنفط. كذلك تم توسيع المخزون الاستراتيجي لدي جميع الدول الصناعية واستخدامه وقت الطوارئ, وتشجيع الابحاث عن استخدامات الطاقة البديلة, والتحكم الكامل في مسألة نقل التقنية المتقدم
إن وضع مصر المتميز يفرض علي مصر مجموعة من القيود التي لا نستطيع أن نتخطاها أو أن نتجاهلها, أول هذه القيود أن مصدر الثروة القومية في مصر كان دائما مزدوجا: من جانب الزراعة بسبب الوادي الذي يملك أخصب أراض في العالم ولكنه كذلك التجارة الدولية كنتيجة لطبيعة الموقع وما يتيح من إمكانيات, هذا الواقع يجعل من سياسة الانتشار والانفتاح الإقليمي تلك كانت نتيجة حقيقية لحرب أكتوبر تم إجهاضها في أحد جوانبها الهامة وهي المتعلقة بالشق الزراعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.