عماد أنور وسط 22 لاعبا، تقف فتاة فى زيها التحكيمى، تقبض يدها اليمنى على صافرتها، وما إن تعلن انطلاق المباراة، تجوب أرض الملعب، فى لياقة لا تقل عن لياقة لاعبى الفريقين، ترصد الأخطاء دون أن تنشغل بحدة التنافس، فهى تدرك جيدًا أنه فى الوقت المناسب، سوف يعلو صوت صافرتها فوق أصوات الجميع، لتحتسب الخطأ على من يستحق، دون أن تخشى تجاوز أى لاعب فى الاعتراض على قرارتها، كونها سيدة، لأنها ببساطة لن تتوانى عن إشهار الكارت الأحمر فى وجهه، لتصل الرسالة إلى جميع اللاعبين، وربما يتهامسون فى صمت قائلين: (الحكم دى شكلها ما بترحمش). قبل أن ترتدى زي التحكيم، ارتدت سارة سمير عباءة الجرأة والثقة بالنفس، فصارت أول حكم امرأة تقود مباراة كرة قدم للرجال.. وتلك حكايتها كما روتها ل "الأهرام العربى". احترفت سارة سمير التحكيم منذ خمس سنوات، فإن الأضواء سلطت عليها عقب توليها مهمة تحكيم المباراة التي جمعت فريقي وادي دجلة وطلائع الجيش، فى مسابقة الدوري تحت 18 عاما، الموسم الحالى، فى الوقت الذى يعانى فيه الرجال أنفسهم من مهنة التحكيم، بسبب ما يتعرضون له من انتقادات شديدة، خصوصا فى الموسم الحالى. برغم صعوبة المهمة، كونها تجمع بين فريقين فى عمر الشباب، يغلب الانفعال والتسرع على ردود أفعالهم، فإن سارة قدمت مستوى فنيا رائعا، ونجحت فى لفت الأنظار، فى وقت يهيمن فيه الرجال على التحكيم بوجه مطلق فى مصر، بينما يتوقف دور النساء فى بعض المباريات على حدود خط التماس كحكم مساعد. قبل 5 سنوات، قررت سارة بنت مدينة الزقازيق "الشرقية" خوض مجال التحكيم، حيث كانت تمارس كرة القدم فى نادى الصيادين، وحملت أوراقها وأحلامها ذاهبة إلى الجبلاية، لإجراء اختبارات التحكيم، وبدأت حياتها فى التحكيم كحكم مساعد، وشاركت فى إدارة العديد من المباريات الدولية لكرة القدم النسائية، وخاضت مباريات فى تصفيات كأس العالم بين منتخبات بوركينا فاسو مع غانا ونيجيريا مع رواندا. اختارت سارة مجال التحكيم البعيد تماما عن دراستها "سياحة وفنادق"، لكن عشقها لهذه المهمة الصعبة، جعلها تصبر على صعوبات عديدة، فهى مثل أى فتاة تتعرض للمعاكسات والمضايقات، حتى قبل بداية المباراة من بعض اللاعبين. سارة صاحبة ال "25 عاما"، ترى أن جديتها فى الملعب تنعكس على اللاعبين من حولها، وتصف نفسها "أنها راجل فى الملعب"، لذلك اختارت بنفسها إدارة مباريات الشباب فى دوري القسم الثاني، ما جعلها تتعرض للسخرية، وما إن تقف وسط اللاعبين، تسمع همسات بعضهم يقولون: «هى جاية تعمل إيه». صاحبة المركز الأول فى اختبارات الاتحاد الإفريقى "كاف"، لم تمنعها طبيعة بيئتها الريفية، من تحقيق حلمها، حتى صارت فخرا لهذه القرية، وصاروا يتناقشون معها فى مستوى التحكيم المصرى بشكل عام، ويسمعون رأيها عقب كل مباراة مهمة فى مسابقة الدورى، خصوصا المباريات التى يكون الأهلى أو الزمالك أحد طرفيها، فمنهم من يسألها عن صحة ركلة جزاء أو هدف تم تسجيله من تسلل، فإنها ترفض الهجوم على الحكام، وتلتمس لهم الأعذار. من المفارقات التى ترويها سارة، أن عائلتها ليست كروية على الإطلاق، فهم مجرد متابعين عاديين لمباريات كرة القدم، ورغم ذلك فإن الدعم الذى لاقته من والدها كان السر وراء نجاحها، وهى كفتاة ريفية عانت كثيرا وتحملت ما لا يتحمله الرجال. وتحكى سارة معانتها مع التدريبات، حيث لم تكن قريتها الصغيرة بها ملعب للتدريب، فكانت تضطر للسفر إلى الزقازيق، وتقطع مسافة 18 كيلو مترا للتدريب فى ملعب المدينة، ورغم المسافة الطويلة، فإن البديل كان أصعب، حيث كانت تضطر لممارسة الجرى فى قريتها ليلًا، فى صحبة والدها الذى كان يسير خلفها على دراجة خوفًا عليها من التعرض لأى أذى. دائما ما تتهم المرأة بأن العواطف تتحكم فى قراراتها، وأنها غير قادرة على القيادة، خصوصا فى مهنة مثل التحكيم، لذلك عانت سارة من مواقف كثيرة تعرضت لها، حيث إن رئيس أحد أندية الدرجة الثانية بمجرد أن علم أن من سيدير مباراة فريقه امرأة، رفض تماما، وطالب لجنة الحكم استبدالها بحكم رجل، لكن اللجنة رفضت وأدارت سارة اللقاء بنجاح، وبعد انتهاء المباراة قدم لها رئيس النادي الشكر على الأداء الراقى واعتذر لها. فى موقف آخر، وحينما توجهت سارة إلى الملعب لإدارة مباراة فى القسم الثانى، استوقفها رئيس النادى قائلا: «رايحه فين يا مدام»، فابتسمت سارة وأخبرته أنها حكم اللقاء، وقبل أن يكمل فى لهجته الساخرة، ردت عليه بحزم قائلة: «بينى وبينك الملعب». فرضت سارة احترامها على الجميع بأدائها الفنى الراقى، وقوة شخصيتها، وبخلاف حلمها بخوض تجربة إدارة مباريات فى كأس العالم، مرات أخرى، فإنها تحلم بإدارة لقاء يثير القلق فى نفوس الحكام المصريين، فهى تتمنى أن تدير إحدى مباريات القمة بين الأهلى والزمالك على ستاد القاهرة، مؤكدة قدرتها على ذلك، وأنها شخصية جريئة داخل الملعب لا تخاف من أحد سواء من الجهاز الفني أو اللاعبين، بل هم من يخشونها لأنها تلتزم بالقواعد والقوانين. أما مثلها الأعلى عالميا، هو الحكم الإيطالي الشهير بييرلويجي كولينا، وعلى المستوى المحلي الحكم السابق جمال الغندور والدولى عصام عبد الفتاح رئيس لجنة الحكام الحالى.