الحوار الوطني يناقش التحول من الدعم العيني إلى النقدي اليوم    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 30 سبتمبر في سوق العبور للجملة    أسعار الفاكهة في سوق العبور اليوم 30 سبتمبر    حريق ضخم في مختبر كيميائي بولاية جورجيا.. إخلاء المنطقة وإغلاق الطرق    موقف الزمالك من تجديد عقد جوميز.. وسبب غضبه قبل مباراة السوبر الإفريقي    حالة الطقس اليوم.. سقوط أمطار ليلا وانخفاض في درجات الحرارة    اصطدام «توكتوك» بتريلا ومصرع سائقه في المنوفية    ملخص مسلسل برغم القانون الحلقة 12.. زوج إيمان العاصي يحاول إنهاء حياته    اغتيال أحد قادة حماس وعائلته في غارة إسرائيلية بجنوب لبنان    4 شهداء وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على دير البلح بقطاع غزة    زيادة قيمة الدعم النقدي في مصر.. ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية    القبض على أربعة متهمين بتلفيق سحر للاعب مؤمن زكريا: الحقيقة الكاملة وردود الفعل القانونية والدينية    موعد مباراة النصر السعودي ضد الريان اليوم في دوري أبطال آسيا والقنوات الناقلة    ضربات سريعة في القلب.. القصة الكاملة لدخول وخروج محمود كهربا من المستشفى اليوم    «هيئة الدواء» : شراكة استراتيجية مع«الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 30 سبتمبر    أوصى ببناء مقام.. سيدتان تدفنان دجالًا أسفل سريره تبركًا به في الفيوم    من مدرسة البوليس بثكنات عابدين إلى «جامعة عصرية متكاملة».. «أكاديمية الشرطة» صرح علمى أمنى شامخ    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    «معلومات الوزراء» يستعرض التجربة الهندية فى صناعة الأدوية    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    مصرع 4 أشخاص جراء مشاجرة على قطعة أرض بأسيوط    على عاطف يكتب: سياسة واشنطن إزاء إيران حال فوز ترامب أو هاريس    موظف أمام «الأسرة»: «مراتى عايزة 4 آلاف جنيه شهريًا للكوافير»    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    السعودية تعرب عن قلقها البالغ من تطور الأحداث في لبنان    الأهلي يلجأ للطب النفسي بعد خسارة السوبر الأفريقي (تفاصيل)    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    دونجا يتحدى بعد الفوز بالسوبر الأفريقي: الدوري بتاعنا    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين قنابل ولكمات وخدش للحياء وحيرة حول هوية المشاركين فى «مأتم» محمد محمود.. «انقسام الأصابع»
نشر في الأهرام العربي يوم 25 - 11 - 2013


أمل سرور
«خلطبيطة» باللخابيط .. بالتلاخبيط .. بالخلابيط .. وأيضا بالبالاخبيط ..
كلمات بسيطة ملخبطة هى الأخرى ولكنى أظن أنها الأقرب والأصدق للتعبير عما رأته عيناى وسمعته أذناى فى ميدان «التلخلخابيط «–التحرير – سابقا وتحديدا شارع «عيون الحرية» –محمد محمود سابقا- .
يوم مشحون بالأحداث ملئ بالتنبؤات والاستنتاجات الدامية وكيف؟ وهو ذاك اليوم الذى نشتم فيه رائحة دماء شهدائنا الزكية التى راحت هباء على ذاك الأسفلت معلنة عن لهو خفى وطرف ثالث قد تكون الأيام الحالية كشفت عن وجهه الأسود .
يوم انتظرته مصر كثيرا، لعل منتخبها يستطيع أن يرسم البسمة على تلك الوجوه المتصارعة والقلوب المنقسمة ما بين مؤيد ومعارض، لعله يفلح بالخمسة المنتظرة أن يفعلها لنغنى ونحتفل ونحن نزف الشهداء مرددين «والله وعملوها الرجالة» وسقفة مليونية مع هتاف واحد قائل: «مصر «.
ترقب وتوجس وربما خوف وقلق سيطر على الجميع يوم ذكرى محمد محمود الثالثة وسؤال يهاجم كل البيوت .. ترى أى أم ستبيت ثكلى على ولدها واى زوجة ستحمل لقب أرملة وأى أب سينفطر قلبه هذا اليوم؟ أم أنها المعجزة ستتحقق ويمضى اليوم على خير دون إصابات وجروح ودماء على أسفلت الميدان؟
هكذا كانت حالتى وأنا أدخل ميدان التحرير الذى بات هادئا فى لحظات النهار الأولى من يوم تدشين ذكرى شهداء «محمد محمود» .
ها هى أعلام مصر ترفرف فى كل مكان من حولك وها هو النصب التذكارى يتوسط حديقة الميدان، وقد بات مهدما لم يتبق منه سوى أشلاء بعد أن تم كسره وهدمه عقب مغادرة «الببلاوى « رئيس وزراء مصر الميدان وها هو الجو الكرنفالى الذى تعودنا عليه من 25 يناير وحتى 30 يونيو يسيطر على الأجواء وها هم الباعة الجائلون يبحثون عن رزقهم بالبطاطا والذرة والسميط.
كل شئ يذكرنى بأجواء الثورة ولكن عبوس الوجوه وصوت المناقشات المحتدمة والشرر الذى يتطاير من العيون حتما يجعلك تشعر بأنك فى أجواء حرب أو ربما عواصف ورياح على وشك أن تهب لتطيح بالأخضر واليابس ..
شتائم وسباب علنى يليها على الفور كلمة «السيسى» وأصوات تتوعد وتهدد وتلعن كل من يدوس «للسيسى» على طرف .
«قالوا على رابعة رمز الصمود أصلهم .. ماشافوش محمد محمود»..
شعار وهتاف رفعه العشرات من المتظاهرين .. تأملته كثيرا فلم أجده يبشر بالخير، بل ويبدو أنه دعوة لحرب معايرة بين طرفين من الأقوى ومن نزف دم أكثر وكان طرفا ليس مصريا منهما .. ما علينا أهم ما يلفت نظرك هو حالة الانقسام الحاد التى تستطيع أن تلمحها وتراها عينى عينك والتى تنحصر فى الإشارات وعدد الأصابع ..عندك مثلا يا سيدى من يرفع إصبعين أى علامة النصر، فهو من مؤيدى السيسى، ومن يرفع ثلاثة أصابع فهم من الكتل الثورية التى تنادى بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أما من يرفع الأربعة فطبعا معروف وهو من رااااااابعة..
جرى ولهاث وشباب وعيال بيرمحوا وبيجروا جرى الوحوش وراء اتنين جريت لاهثة لأعرف ما الحكاية، هل هما لصان مثلا؟ والحقيقة أن الإجابة مفزعة «دول رافعين الصوباعين.. يعنى من مؤيدى السيسى» .
خناقة
أمام متحف التحرير سلك شائك وراءه تقف مدرعتان للجيش وبعض من سيارات الشرطة للتأمين .. وعدد لا بأس به من الشباب يقفون مهللين بأفظع الشتائم التى يمكن أن تتصورها والتى لا يستطيع لسانك أن يذكرها موجهة لرجال الجيش والشرطة فى محاولة لاستفزازهم وبعض من شباب يحاول أن يتدخل للتهدئة تحسبا لوقوع ما لا يحمد عقباه .. هنا تدخلت مع الشاب «أحمد» هكذا عرف نفسه قلت له: ليه الشتيمة؟
قال بلهجة عصبية: أنا نازل علشان حق الشهداء والبلد دى مش هتيجى غير بالدم وأنا عاوزهم بقى يحتكوا بينا ويضربوا طلقة واحدة بس ده هو الحل..
قاطعته : الحل لإيه؟
قال: العسكر لازم يرحلوا ويمشوا دى ثورتنا وما حدش هيخطفها منا تانى هم قتلوا إخواتنا والسيسى عاوز مصلحته، عاوز ياخد البلد علشان يرجعنا للنظام القديم ده تربية طنطاوى وعنان ..
صوت أحد الشباب يعلو مقاطعا «أحمد» هى المشكلة بقت فى السيسى، الله مش هو ده اللى خلصنا من الإخوان ونظامهم المستبد كفاية اللى شفناه وبعدين الجيش المصرى ماقتلش حد، دى كانت مؤامرة معمولة علشان يوقعوا بينا وبين جيشنا. الإخوان هم الطرف الثالث اللى قتل إخواتنا فى محمد محمود، وولعوا فى المجمع العلمى، وهم اللى فتحوا السجون يوم 28 يناير وولعوا فى الأقسام وهم أساسا أصحاب شعار «يسقط حكم العسكر» ..
يا إخوانا أنا نفسى أسالكم سؤال- هكذا قطع الحديث صوت ذاك الشاب – ال 40 مليون اللى نزلوا يوم 30 يونيو يطالبون برحيل مرسى وعشيرته لو كان الجيش ما اتدخلش كان فى حاجة هتحصل ولا تتغير كان زمانا واقفين لغاية دلوقتى ولا حتى بقينا سوريا تانية طيب بعد ماسقط الإخوان كان مين هيحكم؟
يعنى الجيش هيسلمها لمين؟ اللى حصل إنه مشى القانون وخلى رئيس المحكمة الدستورية هو اللى يحكم حتى الانتخابات ..
هنا تتعالى الأصوات وتندد قائلة: إنت من بتوع السيسى طيب إيه رأيك يسقط .. يسقط حكم العسكر..
تنتهى المناقشة بتبادل التهم.. أصوات تتهم الآخرين بأنهم إخوان وأخرى تتهم الواقفين بأنهم تبع السيسى وتبدأ اللكمات والألفاظ البذيئة والشتائم النابية .
انسحبت بهدوء وأشرد مع نفسى لأحدثها قليلا. هكذا أصبحت بلدنا مع السيسى ولا ضده؟ هكذا تحولت الثورة هكذا أصبحت أقصى أمانينا أن نتبادل الاتهامات.. هكذا تلخص اسم المؤسسة العسكرية والجهات السيادية فى مصر، هكذا تم اختزال جيشنا المصرى فى وزير دفاعه الذى بالطبع لم يأخذ قرار عزل مرسى بمفرده ومن دماغه .. ماذا يحدث؟ ومن هؤلاء؟ هل هم الثوار الذين صمدوا 18 يوما فى 25 يناير ووقفوا بالملايين فى 30 يونيو مناشدين الجيش، مهللين له مطالبينه بالإنقاذ والمساعدة؟
من مع من ومن ضد من .. من أنتم؟
«البنا ماسونى»
سرعان ما أفقت من شرودى وحالتى بصوت رخيم وبيد حنون تربت على كتفى لتنقذنى من حالة التفكير التى بأعترف أنها كادت أن تمتد لليأس – إنت صحفية- عرفته بنفسى، ذاك الرجل الذى لم يترك الشيب شعرة واحدة من رأسه – «أنا نبيل كمال» مستشار اقتصادى سابق، هكذا عرف الرجل نفسه وبادرنى بالحديث دون أن أوجه إليه أى سؤال .. إن كان أحد صنع تاريخ هذا البلد فلابد أن نذكر «محمد على «، هذا الرجل الذى كان لديه مشروع وتلاه جمال عبد الناصر الذى بحكم طبعه العسكرى مال إلى الحزم وكان الهدف ضربه عسكريا واقتصاديا ثم السادات بخبرته الثعلبية، أما مبارك فلقد كان موظفا ولم يستطع أبدا أن يصبح رجل دولة وفشل فشلا ذريعا فى تربية كوادر من الصف والتانى والثالث، أما عن الإخوان فاسمحى لى أن أقول لك إن اسم البنا ليس اسمه، لكنه اسم الشهرة،ويعنى هذا الاسم فى القاموس الإنجليزى الماسونى واعتبرى هذه جملة اعتراضية .. أما عن الرجل الذى حمل رقبته على يده وكان يمكن أن يعدم هو ورفاقه وهو الفريق السيسى فأنا أعتبره رمزا للمؤسسة العسكرية، وشئنا أم أبينا فلقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه أيضا والمشهد الذى ترينه الآن من انقسام فى الميدان علينا أن نفهمه جيدا، لأن مصر تمر الآن بجيل ما يسمى بجيل الحروب والدولة الرخوة التى تحمل لنا رئيسا للوزراء نايم فى المكاتب طوال الوقت حكومة كانت لديها فرصة أن تكون حكومة ثورة حقيقية لكنها أهدرت تلك الفرصة يتكلمون عن المصالحة وهنا أتساءل: المصالحة مع من؟ هؤلاء ارتكبوا جرائم جنائية يحاسب عليها القانون .. هذه الجماعة عندما نذكر اسمها حتى فى الإعلام يجب أن نقول إنها محظورة، وهذا وفقا للقوانين والأحكام القضائية .. الحكومة المتراخية هى المسئولة عن حالة الانفلات الأمنى التى تريها الآن الحرية لا تعنى أبدا أن أسب وأشتم الجيش ووزير الدفاع والشرطة فى أى بلد تحترم نفسها وتحترم جيشها تفعل مثل هذا .. الحكومة المتراخية هى السبب فى حمل الإخوان للسلاح بجميع أنواعه فى مظاهراتهم التى يقولون عنها سلمية.
قاطعته بالسؤال: إنت ليه نازل النهاردة؟
حزين جدا .. أنا أسكن فى مدينة نصر وأتحمل بشكل شبه يومى مظاهرات الإخوان وسبهم للجيش، لكننى نزلت اليوم عندما رأيت على الشاشات فى الصباح شباباً زى الورد يسبون فى جيشهم ويهتفون بنفس هتاف الإخوان « يسقط حكم العسكر» نزلت لعلى أناقشهم وأصل معهم إلى حلول لكى أنير الظلام الذى دخل متسللا إلى عقولهم.
قطع حديثنا أصوات خرطوش صاخبة وشباب يجرى هنا وهناك وحالة من الذعر والفوضى تسيطر لم أملك سوى أن آخذ الرجل من يديه لنعبر الضفة الأخرى من الميدان التى قد تكون أكثر أمنا، عبرت به بخطواته المتثاقلة من جراء السن ولم أهدأ إلا بعد أن اطمأنيت أنه سيذهب إلى منزله لأن الميدان يبدو أنه فى حالة لخابيط لن يستطع تحملها مع كبر سنه.
«عواجيز الحكومة»
ودعت الرجل وتذكرت والدى الذى يقترب من الثمانين فى العمر والمواظب الدائم على نزول الميدان باللافتات التى كان يكتبها بنفسه والشعارات التى يسهر عليها الليالى المناهضة لمبارك والرافضة للإخوان من أول يوم تولى فيه مرسى والمطالبة للجيش بالنزول فى يوم 30 يونيو وكان من أول من خضعوا لطلب السيسى، بل اعتبره أمرا على الجميع أن يلبيه تذكرت أنه كان ينوى النزول وتذكرت أنه تعنت برفضه لدعواتى بالبقاء، فلم أملك سوى أن أحدثه على المحمول لألتقيه فى الميدان الذى بدأ يحتدم بالمناقشات التى سرعان ما تتحول إلى لكمات باليد وبعض من خراطيش متناثرة هنا، وهناك فوجئت بصوته يأتينى حزيناً قائلا: أنا مروح فى المترو يا أمل .. سألته ليه؟
جاءتنى إجابته لا ليس هذا هو الميدان الذى أعرفه وليس هؤلاء هم الشباب الذين تحدثت معهم وأكلت معهم عيش وملح وسميط فى 30 يونيو .. عارفة - والكلام على لسان ثروت سرور والدى ومعلمى- حسيت إنى غريب وسطهم حسيت بمدى الجهل اللى فيه بلدنا إيه كم الخناقات والشتائم اللى أنا سمعتها دى الناس بتضرب بعض ومش عارفين حتى يختلفوا، أنا مابقتش مشكلتى مع الإخوان، بل هى مع الحكومة المترددة التى لم تستطع أن تجعل مرسى يرتدى البدلة البيضاء فى السجن وأعطته الفرصة كاملة فى أن يهين المحمكة والقانون، مأساة 25 يناير إنها كانت بلا قيادة، ولهذا كان من السهل على العصابة الفاشية المنظمة التى لا علاقة لها بالثورة أن تسرقها وعندما تم استرداد 25 يناير بثورة 30 يونيو كانت أيضا بلا قيادة وفجأة وجدنا شيوخا لا يملكون سوى عجز وخوف العواجيز من أمريكا ومن الإخوان ومن العالم المتصهين .. وفجأة أنزل إلى الميدان لأشارك مع الشباب فى ذكرى محمد محمود التى كان وراءها الإخوان الذين انكشف أمرهم بأنهم الطرف الثالث فلا أجد سوى روح من السب والقذف والخناق على «السيسى « وكأنه هو الجيش، بل هو رمز حمى ثورتنا ومقدراتنا بمؤسسة عسكرية مخلصة .. أزمة أنابيب وراءها إخوان هم محتكرو المستودعات وبلد اقتصادها ينهار وعمليات اغتيال بدءا من وزير الداخلية وحتى الضابط مبروك الذى يملك كل أسرار تخابر مرسى وشركائه هذه الحكومة فاشلة نحن فى أمس الحاجة إلى حكومة حرب طالما الإخوان جعلوها حربا بدءا مما يحدث فى سيناء مرورا بالقاهرة وحتى الكنائس التى يدمرونها بجهلهم وعقولهم المتخلفة .. أنا محبط ومكتئب وبصراحة دموعى هتنزل وأنا فى المترو كفاية كده.. هكذا أغلق الوالد السماعة فى وجهى وجعلنى فى حالة لا أفق منها سوى وأنا أتابع لحظات الماتش العصيبة بين مصر وغانا .
«يارب .. خمسة»
تلك هى الكورة فى بلدنا.. تجمع الشعب كله .. أنظر إلى المقهى فأجد كل الحركات والتيارات والوجوه التى سرعان ما عرفتها الإخوان على السلفيين أصحاب الذقون بجانب المسيحيين و6 إبريل وتحالف الثورة والاشتراكيين الثوريين .. كل اللخبطيطة» دى بتقول يارب بتقول الله حى التانى جاى يارب والنبى كاس عالم حاجة تفرح قلوبنا المغمومة حاجة تصلح الانقسام اللى قصم ظهورنا .. ولكن عملوها الرجالة لعبوا حلو وجميل وصح لكن قدر الله وما شاء فعل خرجنا من كاس العالم على يد غانا .
«باظت خالص»
إحباط ويأس واكتئاب وسرعان ما طلع الهم وطفح الكيل واشتغلت الخناقات .. وفى غمرة الأحاديث عن الجيش والإخوان جاءنى صوت ريفى قائلا: إحنا من وزارة التعليم وماقبضناش من 1 سبتمبر، أنا من الغربية مركز بسيون وزميلى من المنوفية إحنا شغالين فى إدارة عابدين التعليمية بعقود مؤقتة وماحدش بيبص لنا ولا حد حاسس بينا وكل يوم مظاهرات وخناقات وإحنا مش فاهمين حاجة إحنا عاوزين نلاقى أكل عيشنا عيالنا ماتت من الجوع .. سألتهم انتم نازلين ليه النهاردة؟
-علشان نقابل حد يسمع صوتنا ولا يحل لنا مشاكلنا إحنا تعبنا أوى هى البلد دى مش هيبان لها ريس ولا قومة والناس دى معترضة ليه على السيسى على حد علمنا الراجل مانزلش انتخابات ولا عمل حاجة فى إيه والإخوان كانوا ماصين دمنا زيهم زى مبارك ماشفناش منهم حاجة عدلة والله إحنا مايهمنا مين يحمكنا، المهم يتقى ربنا فينا وفى عيالنا ويحكم بالعدل ويضبط البلد شوية لحسن دى باظت خااالص.
«الغضروف»
لفتت نظرى تلك السيدة العجوز التى ترتمى بثقلها على عصا وترتكز بيدها الأخرى على سيدة مسنة استوقفتهما لأسألهما عن سبب وجودها .
ردت الحاجة نادية محمود 62 عاماً: أنا عاملة عملية الغضروف ولسه بتعالج لكنى نزلت علشان بلدى ووطنى وجيشى .. نزلت علشان أقول للشهداء إحنا عرفنا مين اللى قتلكم أنا ساكنة فى المطرية وقاطعة المشوار ده كله علشان أقول حسبى الله ونعم الوكيل فى كل اللى يشتم الجيش المصرى .
«الشرعية الثورية»
«اشهد يا ميدان التحرير إحنا اللى صنعنا التغيير « ولا «داخلية ولا حربية إحنا الشرعية الثورية «، هكذا علت الهتافات آتية من محمد محمود متجهة ناحية كوبرى قصر النيل، حيث تقف مدرعات الجيش والشرطة المشهد لم يكن مطمئنا على الإطلاق، سرت وراء تلك الجموع ولكن استوقفنى مشهد فى قلب حديقة الميدان بجانب النصب المهدم شاب «مبطوح « فى رأسه وآخر يجرى وخلفه العشرات، سألت فعرفت أنهما من مؤيدى السيسى ورفعا إشارة النصر فكان الضرب من نصيبهما.
«نايمين على ودانا»
«عليه العوض ومنه العوض» خرقت أذنى عبارة ذاك الشاب فاقتربت منه لأسمعه حدثنى وهو يذرف الدموع من عينيه قائلا: أنا رامى صنايعى أحذية ودبلوم تجارة ماشفتش حد اتكلم عن الصنعة دى من 25 يناير إلى الآن، بالأمس عرفت أنهم لغوا نسبة العمال والفلاحين من البرلمان، هو مش برضه إحنا عمال .. إيه اللى حصل حتى يارب الكورة اللى بنفس فيها عن نفسنا بقت بتحزنا .. الناس بتضرب بعض، إحنا هنموت ولا حاجة لمصلحة مين اللى الواحد شايفه ده، أنا حزين أوى على مصر رغم إنى شقيان وتعبان ومش لاقى أتجوز، وبصرف على أمى وإخواتى البنات بعد ما مات أبويا إلا إنى بحب بلدى أوى ومش مستحمل أشوفها كده تخيلى المنظر لو مصر كسبت يااااااااه كانت هتبقى فرحة كبيرة أوى وكانت الناس اللى بتضرب بعض دلوقتى كان زمانها بتحضن بعض .. عاوزين نفوق يا إخوانا أنا متفاجئ بحكاية الطابور الخامس دى، الممثلين إخوان والفنانين إخوان واللعيبة بتوع الكورة إخوان، إيه ده البلد كلها إخوان، وإحنا نايمين على وداننا الحكومة دى لازم تتغير وتيجى غيرها مش جبانة والشباب دول مش فاهمين ولا فى إيه .. ما السيسى ده اللى كانوا بيقولوا له انزل وماكانش عاجبهم إنه سايب مرسى وعشيرته يطيح فينا..
لم يقطع كلام رامى سوى صوت عربات الإسعاف المسرعة التى كانت تنقل المصابين من جراء الاشتباكات التى وقعت ما بين الشباب والأمن .. ومع صوت القنابل المسيلة للدموع بدأت أغادر الميدان متوجهة لمكتبى لكتابة تلك السطور التى كما قلت لا تحمل سوى حالة من حالات الرصد لما رأيته وسمعته من لخابيط .. من مع من .. ومن ضد من .. ومن هؤلاء .. ومن نحن ومن أنتم والبلد رايحة على فين ؟
أترككم مثلى فى حالة اللخابيط والتلاخبيط ويا عالم هتتعدل إمتى وإزاى؟ لكنها فى النهاية لازم تتعدل، هو خيار لا نملك رفاهية اختياره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.