الحديث عن الوظائف الجديدة أو أعداد العاطلين في مختلف الولاياتالأمريكية هو الهم الأكبر الذي يواجه الرئيس باراك أوباما في مسعاه لطمأنة الرأي العام بشأن الاقتصاد, لكن الواقع الصعب أقسي علي الأسر الأمريكية بما يكفي لتبديد أحلام الرئيس في التغيير إلي الأفضل علي طريقته.. جرعة.. بجرعة. أين الوظائف؟ أين الوظائف؟ سؤال يتردد في كل مكان, لكن لا أحد يملك إجابة محددة! البطالة كابوس بكل معني الكلمة لأي رئيس أو حكومة في بلد ديمقراطي, ولو فعل أوباما المستحيل فلن يستطيع الذهاب إلي صناديق الاقتراع في عام2012 بمعدل بطالة لا يسبب له المتاعب مع أنصاره, وليس هناك مؤشر أدل مما ذكره52% من الأمريكيين, في استطلاع أخير, من أن أوباما لا يستحق فترة ولاية ثانية. والمؤشرات الأخيرة للبيت الأبيض تقول إن معدل البطالة سيكون في حدود10% العام الحالي و9.2% العام المقبل ثم8.2% في2012, وجميعها معدلات لا ترقي لما أعلنه الرئيس من السيطرة علي معدل البطالة دون8% بعد الموافقة علي خطة تحفيز الاقتصاد الأمريكي العام الماضي. وما يزيد من سوء الوضع أن معدل البطالة في بعض الولايات يصل إلي25% ويري محللون أن وضع الوظائف سيستمر علي هذا المنوال لفترة غير معلومة مادام الركود الاقتصادي ظل علي حاله بتأثير عاملين مهمين, الأول أن الولاياتالمتحدة لم تعد تملك الإقتصاد غير القابل للمنافسة عالميا مثلما كان الحال في السبعينيات أو الثمانينيات, وكثير من الشركات الأمريكية تنقل أعمالها للدول الأقل تكلفة في الأجور والثاني أن التكنولوجيا الحديثة تتيح تشغيل عدد أقل من العمال, وفي وقت التعافي تتراجع المصانع والشركات عن توظيف المزيد من العمالة. كما لا يمكن إغفال أن قطاعين رئيسيين من قطاعات الاقتصاد الضخم وهما قطاع البناء وقطاع التمويل قد أضيرا بشدة في الأزمة المالية, وعمليات ضخ أموال خطة الإصلاح في قطاعات البناء والتشييد والطرق تسير ببطء لا يساعد علي إيجاد المزيد من الفرص. وفي ضوء ذلك, صارت دورة التعافي من البطالة المرتفعة أطول بكثير من الماضي. وتؤكد إحصائيات البيت الأبيض أن خطة الإنقاذ نجحت في توفير أو إبقاء مليوني وظيفة في العام الماضي, وسوف توفر مليونا ونصف المليون فرصة عمل بنهاية العام الحالي, وهو ما يراه المتخصصون نقطة في بحر البطالة. وكان8.4 مليون أمريكي قد فقدوا وظائفهم منذ ديسمبر عام2007. وتحت النقد العنيف من الجمهوريين, يعيد الديمقراطيون تقييم تصريحاتهم والمبالغة في الطموح والنزول إلي أرض الواقع, بعد أن تمكن خصومهم منهم علي خلفية مبالغات الحملة الدعائية الضخمة التي صاحبت خطة الحفز المالي البالغ حجمها حوالي800 مليار دولار في العام الماضي. واليوم, يمد أوباما الجسور مع الجمهوريين بعد خسارة الأغلبية المطلقة في مجلس الشيوخ, في إنتخابات مقعد ولاية ماساشوسيتس عشية مرور عام علي توليه السلطة في يناير, بغية تمرير مشروع قانون الرعاية الصحية وتشريع الوظائف, وهما التحديان الأكبر في مسيرته الداخلية. ويزيد من صعوبة مهمة أوباما أن الكونجرس أكثر انقساما من ذي قبل وأقل قابلية لقبول الحلول الوسط بعد التراشق الإعلامي الساخن بين الديمقراطيين والجمهوريين في الشهور الأخيرة, في الوقت الذي حانت فرصة تعطيل خطط أوباما بعد خسارة غير متوقعة في ولاية ديمقراطية تماما. ومن نتائج الانتخابات الأخيرة, تبدو الفجوة واضحة بين تصورات وتصريحات الإدارة الديمقراطية وطريقة تقبل أو اقتناع الرأي العام الأمريكي بتلك الأرقام والمقاربات, وهو ما يمكن أن يحل بكارثة انتخابية علي الديمقراطيين في انتخابات الكونجرس في نوفمبر المقبل كما يشكك خبراء في قدرة برامج التحفيز الخاصة بدعم الصناعات والمشروعات الصغيرة, عبر تقديم حزمة من الإعفاءات الضريبية, علي إحداث قفزة في الأداء الاقتصادي بالنظر إلي حجم الأزمة الهائل. وبعد عام من تمرير خطة الحفز, البيت الأبيض يؤكد أنها ساهمت في إيجاد مليوني فرصة عمل لكن السقف النهائي الذي يمكن للخطة الوصول إليه هو مليونان ونصف المليون فقط, وحيث مقياس توفير فرص العمل هو المؤشر الأكثر إيجابية في كل الاقتصاديات. وعلي صعيد آخر, ترتفع الدعوات من الخبراء في الأسواق المالية بضرورة إعادة الثقة في شرايين الاقتصاد من خلال توسيع دائرة الإصلاحات والرقابة لتشمل المؤسسات المالية إلي جوار إعادة هيكلة البنوك, لأن التأخير في الإصلاح يؤدي إلي حالة من التخبط وهو بدوره يدفع المؤسسات المالية إلي التراجع عن عمليات التمويل الكبيرة والمتوسطة الحجم والتي يحتاجها الاقتصاد لإيجاد وظائف جديدة ويتعافي من كبوته. وذهب الأمر بهنري بولسون, وزير الخزانة في عهد جورج بوش والذي حذر من خطر وقوع أزمة في أوائل2008, إلي المطالبة بتدخل الحكومة الأمريكية مباشرة لتصفية المؤسسات المتعثرة فورا حتي لا تؤذي عجلة الاقتصاد. وينظر السياسيون في واشنطن بحسرة إلي حال اقتصادهم.. ففي استطلاع أخير.. أشار واحد من كل أربعة إلي أن التاريخ سينظر إلي الأزمة المالية باعتبارها علامة نهاية الهيمنة الأمريكية علي الساحة العالمية, مع نسبة أعلي من التشاؤم بين الجمهوريين. وفي كل الاحوال, الليبراليون لا يحبون خطة تحفيز الاقتصاد لانهم كانوا يريدونها أوسع وأسرع في التنفيذ, والجمهوريون لا يريدونها لأنها جاءت من خصومهم الديمقراطيين.. وفي مقال أخير بمجلة' تايم' نقل أحد الكتاب عبارة موحية للرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت تعبر عن حال أوباما اليوم وتقول' إنه من المروع أن تنظر إلي من يقف بجوارك عندما تريد أن تقود, فلا تجد أحدا هناك'.