يلاحظ المعني بالشأن العام في مصر وجود مشكلة حقيقية تواجه الدولة في التسويق الإعلامي لإنجازاتها المختلفة, وأفصحت الحكومة علي لسان السيد رئيس مجلس الوزراء وبعض السادة الوزراء في أكثر من مناسبة عن وجود مشكلة تواجه الحكومة في التسويق لإنجازاتها, تلك المشكلة التي أوجدت مناخا من ضعف ثقة الرأي العام في أداء الحكومة, حيث لا يلمس ما حققته الحكومة من إنجازات علي أرض الواقع. وتقتضي النظرة الموضوعية القول بأن الاعتراف بوجود مشكلة هو البداية المنطقية لحلها, خاصة أنها تمس استقرار الوطن, وتؤثر بشكل مباشر علي المزاج العام للمواطنين, ودرجة أقبالهم علي الحياة, وحدود الأمل في مستقبل أفضل من الواقع. ويعزي ضعف التسويق الإعلامي لإنجازات الدولة لعدد من الأسباب, يأتي في مقدمتها التركيز علي الخطاب الصحفي الذي يستهدف النخبة المثقفة علي حساب الاهتمام بالتليفزيون الذي يخاطب شرائح واسعة من الرأي العام علي اختلاف مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, حيث يقتصر تقديم إنجازات الحكومة عبر التليفزيون علي البرامج والمواد الإخبارية, وهي مضامين لا تحظي بالضرورة باهتمام كل فئات المجتمع. ويلاحظ تغليب لغة الأرقام في سرد إنجازات الدولة علي حساب الاهتمام بلغة الصورة التليفزيونية التي تتسم بالواقعية والمصداقية والقدرة علي إقناع الرأي العام, وإن كانت لغة الأرقام والإحصائيات تلائم النخبة, فإن لغة الصورة قادرة علي مخاطبة جميع شرائح المجتمع بما فيها النخبة, وأكثر قدرة علي تصوير الإنجازات التي يشهدها المجتمع دون مبالغة. ويعتمد تقديم إنجازات الدولة بشكل أساسي علي وسائل الإعلام القومية مقابل ضعف الاعتماد علي وسائل الإعلام الخاصة, رغم تنامي الدور الذي يلعبه الإعلام الخاص في مصر علي مستوي الصحف والتليفزيون, حيث أصبح الإعلام الخاص في مصر واقعا ملموسا يمارس تأثيرا ملحوظا ومتزايدا في تشكيل الرأي العام نحو مختلف القضايا. وبرغم التقدم الملحوظ الذي حققته الدولة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلا أنها لا تستخدم بالشكل الملائم لمخاطبة فئات عريضة من الشباب القادر علي استخدام شبكة الانترنت للتعرف علي إنجازات الوطن في جميع مجالات الحياة, حيث تعاظم دور الصحافة الإلكترونية في إمداد الشباب بالمعلومات. وينبغي أن يدمج ضمن ميزانية المشروعات إنتاج تقارير مصورة تقدم ملامح المشروعات علي مستوي الخدمة التي تقدمها للمواطنين وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الإيجابية, مع الحرص علي تكرار تقديمها في القنوات والبرامج التليفزيونية ذات المشاهدة المرتفعة, والاستفادة من هذه الأفلام في تقديم التقارير المصورة السنوية لتقديم إنجازات الدولة بالصورة التي تحقق المصداقية لدي الرأي العام. ويفضل استخدام النماذج الواقعية في القري والأحياء التي شهدت تنمية شاملة علي مستوي بناء المدارس والمستشفيات والطرق والصرف الصحي والتليفونات كشواهد علي حركة التحديث التي يشهدها المجتمع, وذلك باستخدام أسلوب يحترم عقلية المشاهد والقارئ. ومن المهم التخلي عن لغة الخطاب الإعلامي الذي يري أن جميع الأمور علي ما يرام, واستبداله بخطاب اعلامي أكثر واقعية في مخاطبة الرأي العام, يتبني الاعتراف بوجود مشكلات, مع وجود خطط تنفيذية جادة بجداول زمنية محددة وفق أولويات الدولة للتصدي لهذه المشكلات. وتبدو المقارنة في الخطاب الإعلامي بين أوضاع كانت وأوضاع أصبحت مدخلا مهما في إقناع الجمهور بالتقدم الذي شهدته بعض المجالات.. فمثلا كيف كانت التليفونات وكيف أصبحت, وكيف كانت الطرق.. وكيف أصبحت, وكيف كانت البنوك.. وكيف أصبحت؟ ومن المهم أن ترتبط تصريحات المسئولين بمشروعات تنفيذية تمت بالفعل علي أرض الواقع أكثر مما ترتبط بوعود مستقبلية, لتحقيق المصداقية فيما يقدم للإعلام من تصريحات, ويفضل أن تكون هذه التصريحات مصحوبة بتقارير مصورة تقدم المشروعات التنفيذية. وعلي الوزارات المختلفة أن تدير حوارا مستمرا مع كتاب الأعمال الدرامية بهدف إحاطتهم علما بتفاصيل المشكلات المختلفة التي يواجهها المجتمع وحدود تأثيرها علي مستقبله, بحيث تسهم الدراما في تغيير ثقافة الجمهور وترشيد سلوكه في التعامل مع الحياة. وتعد الحملات الإعلامية مطلبا ملحا ينبغي أن يركز عليه الإعلام المصري للمساعدة في تنمية الوعي الصحي والبيئي والمروري والسكاني من خلال تبني التليفزيون العرض المجاني لجميع الحملات القومية التي تقوم بها الوزارات المختلفة بهدف تطوير ثقافة المجتمع. كما أن التفاعل والتواصل الفوري مع الرأي العام حول ما يثار في وسائل الإعلام يعد ضرورة حتمية خاصة مع وجود خروج علي المسئولية المهنية والأخلاقية في بعض الممارسات الإعلامية والتي تتسبب في تشويش الرأي العام, وإضعاف قدرته علي الحكم الصائب والموضوعي علي تطورات الأوضاع في وطنه. وختاما, فإن التنفيذ الناجح لجميع الأفكار المطروحة للتسويق الإعلامي الناجح لإنجازات الدولة رهن بتحديث شكل الرسالة الإعلامية, فالتطور المعاصر للإخراج الفني يجعل من الجرافيكس واستطلاعات الرأي العام والمشاهد الدرامية والتقارير المصورة عناصر أساسية في بناء البرامج التليفزيونية بديلا عن الأنماط التقليدية التي تتسبب في ابتعاد الجمهور عن متابعة هذه البرامج. كلية الإعلام جامعة القاهرة