انفض المولد.. وذهب كل واحد الي حال سبيله..! برلمان جديد.. يجمع أعضاء من كل لون.. ومن كل اتجاه. وحكومة علي وشك التشكيل من وزراء يقال ان اكثرهم من الوجوه الجديدة التي تتقلد المنصب لأول مرة.. ومحافظين أيضا من نوع جديد.. الخلاصة نحن أمام حياة يبدو انها جديدة!! البعض يعلن عن الموقف قائلين افضل للبلاد ان تكون بلا حكومة من ان تكون بها حكومة تتفرج علي المشكلات مرددة عبارة: "لا حول ولا قوة إلا بالله" اي انها تترك حل المشكلات للظروف اي ان مصر لديها حكومة في واد والشعب في واد آخر ذلك انه بالقدر الذي يتنامي فيه الوعي الشعبي بمفهوم المواطنة الحقيقية من خلال تجربة كل اشكال الاحتجاج عبر مختلف المسيرات التي تتسلح بمطالب اجتماعية مثل قضايا الاسكان وتوفير المياه النقية للشرب والكهرباء واصلاح الجهاز الاداري للدولة نجد في مواجهة كل ذلك حكومة عاجزة عن تلبية تلك المطالب والاستجابة لها.. الي درجة انها لم تكلف نفسها عناء عقد جلسة لمجلس الوزراء لدراسة هذه القضايا وتطمين المواطنين الي ان مشاكلهم مأخوذة في الاعتبار مما يؤكد وجود قطيعة او شبه قطيعة بين الحكومة والشعب! ولعل سبب المأزق الاجتماعي والسياسي الذي نعيشه هو ان الحكومة تعتبر نفسها في "حل" من مشكلات الشعب فما دامت قد اعدت الميزانية العامة للدولة ووضعت آليات تنفيذها فلا يهم إن حققت نجاحا او فشلا! فهي لا تنشغل أبدا بهموم المواطنين. ذلك علي لسان حالها يقول انه ليس في الامكان ابدع مما كان.. مع ان العمل الحكومي اصلا ليس وظيفة ادارية ولكنه التزام سياسي في طبيعته وجوهره وبالتالي ليس من حق الحكومة.. اي حكومة ان تغلق اذانها امام تزايد المطالب وتنامي ظاهرة الاحتجاج بدعوي انها بصدد دراسة المشكلات وانها جادة في البحث عن الموارد وتهتم بالتنمية التي ترفع وتيرة الانتاج فثمة مشكلات لا تنتظر وتندرج في صلب العمل السياسي للحكومة بما يتطلب اتخاذ الاجراءات العاجلة والتدابير اللازمة لمواجهة حالات "الانفلات" الاجتماعي الي درجة اصبح من المستحيل السكوت عليها! ان تزايد الاحتجاجات في الشارع تدل علي وجود هامش من الديمقراطية ذلك ان الاحتجاجات كانت في السابق تواجه بالقمع والاضطهاد أو خطف الناس الآن لم يعد من الممكن التستر علي تلك التصرفات وبالتالي فالافصاح عن المشكلات كما تبدو الآن في الساحة انما يعني ان عمل الحكومة اقل كثيرا من تطلعات الشعب وان التهرب من تحمل المسئولية لا يساعد في ترسيخ الثقة المطلوبة ففي الدول التي تحترم مواطنيها لا يمكن ان تحدث مسيرات للتعبير عن بعض مظاهر "التململ" الاجتماعي دون ان تكلف الحكومة نفسها عناء عقد اجتماعات طارئة لمواجهة الموقف بل ان الحكومات التي تحترم نفسها والتزاماتها قد تعبر عن عجزها بطرق ووسائل ديمقراطية.. لان ازمات الحكومات لا تتوقف عند الحصول علي الثقة او سحبها.. وانما تظل بالدرجة الاولي قدرتها علي الاستماع الي نبض الشارع ومواجهة المشكلات غير انه بسبب انعدام التوازن بين الاغلبية والمعارضة يسود العمل الحكومي نوع من الارتياح الذاتي طالما انها تتوافر علي اغلبية مريحة وطالما ان المعارضة لا وجود لها او تنعدم فعاليتها غير ان هذا التبرير السياسي لا يصمد امام وجود ازمات حقيقية يتم التعبير عنها بالاحتجاج مما يعني ان هناك خللا ما في المعادلة السياسية والاقرب الي ذلك ان الحكومة تتصرف مثل شركة لها مجلس ادارة ومديرو عموم ورؤساء قطاعات علما بان العمل السياسي يختلف كليا عن العمل في شركات "البيزنس" والمقاولات! المهم ان مشكلات الشعب الحقيقية غائبة عن اهتمام الحكومة ومع ان الاصل في المشكلات ذات الطابع العام في البلد -اي بلد- او في المحافظات -اي محافظات- ان تحل في عين المكان خصوصا ولدينا محافظون ورؤساء مدن ورؤساء احياء وضروري احياء مفهوم اللامركزية للننجح في حل مثل هذه المشكلات.. ومع ذلك لا يمكن ان نعفي الحكومة من ان تؤكد انها حاضرة وانها تنصت الي المشكلات وانها قريبة الي الناس فثمة اشياء يمكن معالجتها بقدر من الجرأة ولا يتعين والحالة هذه تجزئة هذه المشكلات بين ما هو مندرج في اختصاص هذه الوزارة او تلك وانما يجب ان ينظر الي الحلول والمبادرات بشكل شمولي لان العمل الحكومي كل لا يتجزأ وعلي رئيس الوزارة ان يتحمل مسئولياته كاملة في هذا النطاق ولا أحد سيطلب اليه الاستمرار ان هو اقر بعجزه كما ان لا أحد سيأسف لذهاب حكومة اكتفت الي الآن بأخذ مواقع المتفرجين علي مشكلات الشعب!