يلاحظ المتابع للشأن العام في مصر من خلال وسائل الإعلام القومية والحزبية والخاصة وجود مشكلة حقيقية في الترويج لانجازات الدولة التي تتحقق علي أرض الواقع للرأي العام، وتوازي مع ذلك كثافة تقديم حجم هائل من الموضوعات والقضايا التي تتسم بالإثارة والسلبية في الإعلام الخاص والحزبي، وهو ما ساهم في تنمية الاحساس باليأس والاكتئاب لدي فئات عريضة من الرأي العام ازاء المستقبل. وأصبحت الحكومة مطالبة طوال الوقت بالدفاع عن إنجازاتها التي تحققت علي أرض الواقع في مواجهة هجوم إعلامي مستمر من جانب بعض الصحف والبرامج الحوارية علي اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية، مبررة هجومها بأن المواطن لا يلمس هذه الانجازات علي أرض الواقع، وبين هؤلاء وأولئك يقف المواطن تائها لا يستطيع أن يكون رأيا واعيا بشأن تطورات الاحداث في وطنه، ويحدث ما يعرف علميا بتشويش الرأي العام، حيث يصعب علي الجماهير تكوين رأي واضح بشأن قضاياهم ومشكلاتهم الحياتية المختلفة في ظل هذا التناقض الواضح في توجهات الإعلام، وزاد من مشكلة التشويش في تشكيل اتجاهات الرأي العام وجود عدد من البرامج الحوارية (التوك شو) ذات نسب مشاهدة مرتفعة، خاصة مع تركيزها في معظم ما يقدم علي موضوعات وقضايا تتسم بالاثارة والسلبية. والتساؤل المهم الذي يطرح نفسه في هذا المقال: هل اختارت الدولة اللغة المناسبة في مخاطبة الرأي العام والمتمثلة في لغة الارقام والاحصائيات؟.. ام أن الحاجة ماسة لاختيار لغة اخري أكثر ملاءمة لمخاطبة الرأي العام المصري؟ يبدو من المهم علميا الاشارة الي ان لغة الارقام والاحصائيات المجردة تلائم النخبة ولا تلائم بالضرورة مخاطبة كافة فئات الرأي العام، كما تبدو الاشارة الي أهمية الصورة التليفزيونية في تشكيل اتجاهات الرأي العام نحو قضاياه ومشكلاته اليومية، ويحضرني في ذلك مثل صيني مفاده »إن الصورة خير من ألف كلمة«. ويغيب توظيف الصورة التليفزيونية في الترويج لانجازات الحكومة امام الرأي العام، رغم أهميتها في تقديم صورة الواقع إلي المشاهدين، خاصة ونحن نعيش عصر الصورة التليفزيونية والمنافسة الإعلامية المحمومة. فبدلاً من التصريحات المتتالية عن انجازات ترتبط برصف طرق تمتد لآلاف الكيلو مترات، أو بناء جسور وكباري في جميع انحاء مصر، يكفي فيلم تسجيلي من 5 دقائق يسجل بالصوت والصورة انجازات الطرق والكباري، وابراز عوائدها الاقتصادية، ودورها في تيسير حركة المرور، وخدمتها لملايين المواطنين، وآثارها الايجابية علي البيئة وتوفيرها للوقت والجهد والطاقة. ويمكن تطبيق هذا المدخل لتسجيل جميع ما يتحقق علي أرض مصر علي مستوي الزراعة والصناعة والتجارة وحركة البناء والتعمير، باعتباره المدخل الأكثر مصداقية في التعامل مع الرأي العام. يتصل أيضا بما سبق ضرورة تغيير السياسات الإعلامية التي تتبعها الوزارات المختلفة، والتي تركز بشكل اساسي علي فاكس الاخبار اليومية للجرائد والمجلات ، الي دعوة البرامج الحوارية ذات الشعبية الي القيام بزيارات ميدانية لمعاينة الواقع الميداني الذي شهد التغيير الملحوظ في حياة الافراد ونقل التجارب الناجحة الي الرأي العام. ومن المهم اشراك الجمهور في الرسالة الإعلامية التي تقدم للرأي العام في البرامج الحوارية ذات التأثير في الرأي العام، وذلك من خلال رصد آرائه وتعليقاته وردود فعله حول الانجازات التي تحققت علي أرض الواقع وحجم استفادته الشخصية وكذلك اسرته وأهل مدينته أو قريته من ذلك، وانعكاسات ذلك علي حياته اليومية. كما أن المجتمع المدني هو الآخر مدعو الي تقديم انجازاته الحقيقية علي أرض الواقع من خلال تقارير لبرامج تليفزيونية ترصد التغيير الملموس الذي ساهم في تحقيقه، ويهدف ذلك الي تقديم النماذج الايجابية للمنظمات غير الحكومية، حتي تخلق الرغبة من جانب المجتمع لتشجيع الجهود التطوعية في خدمة المجتمع. إن توظيف الصورة التليفزيونية بديلاً عن الأرقام بشأن انجازات الدولة، وإعداد التقارير التليفزيونية الميدانية من أرض الواقع حول التجارب والانجازات الحقيقية، وتقديم تقارير الإنجازات السنوية بأسلوب جديد يلائم الرأي العام وعرض هذه التقارير والأفلام من خلال البرامج ذات الشعبية سوف يسهم في نقل صورة أكثر موضوعية حول ما تشهده الحياة في مصر من تغيير علي أرض الواقع، ليفتح ذلك باب الأمل أمام الجمهور بوجه عام والشباب المصري بوجه خاص نحو الغد، بدلاً من دعاوي التيئيس والتشاؤم التي لا يمكن أن تساعد اي مجتمع علي اقتحام مشكلات الحاضر والتقدم نحو المستقبل.