مع إعلان نتائج الاستفتاء علي الدستور, من المفترض أن يتحول الاهتمام إلي الوضع الاقتصادي الذي يكاد تجمع كل التيارات علي صعوبته. ولكن الشواهد لا تبشر بالخير في هذا الاتجاه ومن الدلائل علي ذلك تصريحات قادة المعارضة بأن معركة إسقاط الدستور قد بدأت وانه إذا لم يتحقق ذلك في مصر فسيلجأون إلي الخارج. كما أن معتصمي التحرير والاتحادية ما زالوا مستمرين في اعتصامهم مع استمرار غلق الشوارع والميدان, وازدادت سخونة معركة القضاء مع السلطة من خلال رفض استمرار النائب العام وما حدث من التعدي علي رئيس نادي القضاة والذي سيستخدمه البعض في تصعيد الصراع وتحويل البعض إلي زعامات, كما سيبدأ الإعداد لانتخابات مجلس النواب الجديد وما يصاحب ذلك من معارك وهجوم كل طرف علي الآخر من أجل التأثير علي رصيده الشعبي, كما سيتم وفقا للدستور الجديد وضع قانون للانتخابات والذي سيؤدي إلي منازعات وخاصة مع محاولة تيار الإسلام السياسي أن يكون قانون الانتخابات لصالحهم بتمريره من مجلس الشوري الذي يحظون فيه بالأغلبية وهو ما سيزيد من حدة المعارك التي من المؤكد أن تنعكس علي الشارع بالخروج في مسيرات واعتصامات والتي أصبح من المعتاد أن تتحول إلي اشتباكات ليخرج البعض محذرا من الانجرار إلي حرب أهلية وهكذا سيستمر الصراع وحرب تكسير العظام ولا أحد يهتم بتردي الاقتصاد ووصوله إلي حافية الهاوية, بل سيحاول كل طرف استغلال الوضع الاقتصادي لصالحه, حيث ستركز المعارضة علي فشل الإخوان في علاج المشاكل الاقتصادية وإثبات ذلك من خلال تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار ورفض كل مقترحات الحكومة لمواجهة المشاكل وهو ما رأيناه عند الإعلان عن التعديلات في الضرائب وهو ما جعل الرئاسة تتراجع فورا عن القرار وتعلن تجميده رغم أن هذه التعديلات ما هي إلا جزء من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لإقرار قرض4.8 مليار دولار. كما أن الحكومة ومن ورائها حزب الإخوان لن تقدم علي قرارات يحتاجها الاقتصاد خوفا من تأثير ذلك علي شعبيتها, وهو ما اتضح من تراجعها عن تنفيذ تحرير سعر الدقيق ونظام كوبونات البوتاجاز ورفض الضرائب التصاعدية والتراجع عن قرار زيادة سعر المازوت لشركات الأسمنت, بل إن قرار زيادة بنزين95 لم يؤد الغرض منه حيث تحول غالبية مستهلكيه لاستهلاك بنزين92 وهو ما أدي لزيادة الطلب عليه وذلك نتيجة المعالجة الجزئية التي تضر ولا تنفع, ولم تفعل الحكومة شيئا في مواجهة الخلل في نظام الأجور وهو من أكثر المشاكل التي تثير المظاهرات والاعتصامات, ورغم أن الاقتصاد يحتاج إلي قرارات جريئة لعلاج الخلل في هيكله إلا أن الحكومة وحزب الإخوان لن يقدموا علي اتخاذ أية قرارات خوفا علي شعبيتهم وبالتالي فالأولوية لديهم ليست لإنقاذ الاقتصاد بل إنقاذ فرصتهم في السيطرة علي الحكم وسيستمر كل طرف في التغني بضرورة مراعاة الفقراء وهو نفس ما كان يفعله مبارك. ولأنه كلما تأخرنا في علاج الأزمات الاقتصادية سيكون العلاج أكثر قسوة فلماذا لا تتفق كل القوي السياسية علي فصل الاقتصاد عن معاركهم السياسية وان يتركوا الاقتصاد للاقتصاديين وليس للمشايخ ومنظري السياسة وان تدعو الحكومة بعضا من الاقتصاديين من مختلف المدارس لوضع روشتة عاجلة لعلاج الاقتصاد المريض والذي علي وشك الانهيار, وان يتم تنفيذ هذه الخطة دون مزايدات من أية أطراف, اعتقد أن هذا هو النداء الأخير للإنقاذ قبل أن ينهار الاقتصاد, ولا يجد الساسة ما يتعاركون للحصول عليه. المزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل