بعد نزول المجموع.. تنسيق الثانوية العامة 2024 بالجيزة والمحافظات    منصة «آي صاغة» توقف نشر أسعار الذهب لحين ضبط السوق    وزير الخارجية يؤكد موقف مصر الداعم لأمن واستقرار العراق    الاتحاد الدولي للخماسي الحديث يعقد مؤتمرًا صحفيًا قبل انطلاق المنافسات الأولمبية    للخلاف على منزل.. تجديد حبس المتهم بقتل ابن خاله بسبب الميراث 15 يوما بالقليوبية    محافظ الجيزة يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 86.74%    "تحيا مصر" يُنظم قافلة طبية مجانية لرعاية 4 آلاف مواطن في البحيرة    سامسونج تحدث انقلابًا في عالم السيارات الكهربائية ينهي مشكلتها الرئيسية    البورصة تقرر شطب شركة ثقة لإدارة الأعمال إجباريًّا    «فولكس فاجن» تستعد لإطلاق سيارتها الخدمية T7 الجديدة بحلول 2025    تفاصيل ترأس وزير التعليم العالي لمجلس المعاهد وتطوير المواقع البحثية    ب300 جنيه للمادة.. نشر خطوات التظلم على نتيجة الثانوية العامة 2024    الأونروا: أعطينا اللقاحات لنحو 80% من أطفال غزة منذ بدء الحرب    مديرية العمل بالإسكندرية تعلن عن 320 فرصة عمل للشباب (تفاصيل)    سيناريو يمنى عياد.. استبعاد لاعبة هندية من الأولمبياد بسبب الوزن    يونايتد يعرض راتبا مغريا على نجم بيرنلي    تعرف علي جهود التحالف الوطني لتنمية ثقافة التطوع عند الشباب المصري    المنيا: حملات مكثفة لرفع الإشغالات وتحرير 581 محضرا    "الأسفلت اتكسر".. الأمطار الغزيرة تغرق الطرق بشرق العوينات- صور    السادس "علمى رياضة" بالثانوية العامة: يجب تنظيم الوقت مع تحديد الأولويات    "ذهب ورحلة عمرة".. سيل من الهدايا للأولى على الثانوية العامة في المنوفية    بعد فيديو الغش الجماعي.. إعادة امتحان الكيمياء لطلاب مجمع مدارس بالدقهلية    23.8 مليون جنيه.. إيرادات شباك تذاكر أفلام السينما في أسبوع    دعم ذوي الهمم ومعرض فني للموهوبين ضمن الأنشطة الصيفية بثقافة الدقهلية    بسمة داود تتعرض لإصابة في العين بسبب مشهد في "الوصفة السحرية"    مشاركون ببطولة الكرة الشاطئية بمهرجان العلمين الجديدة: «متوقعناش الجمال ده»    "هحبسها".. هل ينهي حسام حبيب مسيرة شيرين عبدالوهاب الفنية ؟    رئيس جامعة أسيوط يترأس اجتماع اللجنة المختصة لاختيار عميد معهد جنوب مصر للأورام    "الدكتور قالي مش هتخلف".. الورداني يكشف عن أمراض لا يجوز إخفاؤها قبل الزواج    حكم ترك حضور صلاة الجمعة لموظف الأمن    5 توصيات لمبادرة "ابدأ" لدعم المصنعين والمستثمرين.. تعرف عليهم    الصحة تطمئن مرضى السكر: «جاري ضخ كميات كبيرة من الأنسولين في الصيدليات»    تضامن الفيوم تنظم قافلة طبية لغير القادرين في 4 قرى بمركزي الفيوم وسنورس    لترشيد الكهرباء.. تحرير 138 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    الحماية المدنية بالفيوم تنجح فى إنقاذ شخص احتجز داخل مصعد    محافظ الجيزة : تخفيض القبول بالثانوي العام إلى 220 درجة    الصحة: إصدار 1.8 مليون قرار علاج على نفقة بتكلفة 10 مليارات جنيه خلال 6 أشهر    «خسائر مالية».. توقعات برج الحوت غدًا الخميس 8 أغسطس 2024 (تفاصيل)    وزيرة العدل البريطانية تدعو إيلون ماسك للتصرف بمسؤولية.. ما القصة؟    محمد صبحي: قدمت شخصيات عديدة من الواقع ورفضت تكرارها وأتمنى تقديم أعمال لسعد الدين وهبه    توافق سياسي جديد.. نجاحات الحوار الوطني في معالجة الملفات الشائكة    وزير الإعلام اللبناني: اجتياح إسرائيل للبنان سيكلفها أكثر من حرب 2006    «مغارة علي بابا».. حسين لبيب يكافئ جماهير الزمالك ب «ميركاتو» تاريخي| أبرزهم بن شرقي    بركلات الترجيح.. ميلان يهزم برشلونة وديا    306 أيام من الحرب.. إسرائيل تواصل حشد قواتها وتوقعات برد إيراني    رئيس الأركان يتفقد إحدى وحدات التدريب الأساسى لإعداد وتأهيل المجندين    «تمنع تشكيل الحصوات».. ما تأثير تناول المانجو على مرضى الكلى؟    وزيرة التضامن تلتقي ممثل «يونيسف» في مصر لبحث سبل التعاون المشترك    بلومبرج: المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس الأمريكي تربطه صلات قوية بالصين    الصين تحذر من انهيارات طينية وفيضانات محتملة بسبب الأمطار الغزيرة    العثور على جثث 20 قياديا في حزب الشيخة حسينة ببنجلاديش    السجن المشدد 5 سنوات للأقارب الأربعة بتهمة الشروع في قتل شخص بالقليوبية    طارق سليمان: كل لاعبي المنتخب جاهزون لمواجهة المغرب باستثناء واحد    منافسات منتظرة    موعد مباراة منتخب مصر وإسبانيا في كرة اليد بربع نهائي أولمبياد باريس والقنوات الناقلة    أسامة قابيل: الاستعراض بالممتلكات على السوشيال يضيع النعمة    هل يجوز ضرب الأبناء للمواظبة على الصلاة؟ أمين الفتوى يجيب    للسيدات.. هل يجوز المسح على الأكمام عند الوضوء خارج المنزل؟ الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقترحات لصياغة مشروع وطني

في غياب مشروع وطني لا يمكن أن نتوقع حلولا لمشاكلنا العويصة والمتراكمة‏,‏ ولايمكن أن نتوقع بناء نظام جديد علي النحو المأمول‏,‏ ولايمكن تحقيق أهداف الثورة ولا مطالب الجماهير‏,‏ ولا إنجاز النهضة أو التنمية المنشودة‏.‏ أعني بذلك أن المشروع الوطني هو المفتاح, وهو المنطلق, وهو الضابط لحركة قوي المجتمع والدولة ووضعها علي الطريق الصحيح وتعظيم جدواها وثمارها والمشروع الوطني ليس مجرد شعارات براقة أو عبارات إنشائية بليغة, وإنما هو رؤية متكاملة قابلة للتطبيق; ومن ثم فهو الرؤية الاستراتيجية التي أشار إليها أستاذنا السيد يس في عديد من مقالاته, وهو الخطوط العريضة والمبادئ العامة التي تحدد الغايات الكبري للمجتمع والمصالح العليا للوطن وكيفية تحقيقها, وهو التوجهات الأساسية التي ترسم لنا طريق النهضة.
المشروع الوطني بهذا المعني هو المشترك الجامع الذي يمثل الحد الأدني من الاتفاق العام بين كل شرائح الأمة وأطيافها, والذي يجب أن نلتف حوله جميعا ونتوحد. وفي الوقت نفسه يجب أن نختلف حول وسائل تحقيقه, وأدوات حمايته, وكيفية المضي به قدما, وهنا تتسع المساحة للتعددية السياسية والفكرية بكل أطيافها, لكن في إطار من الوحدة, ولعل هذا المسلك هو حجر الزاوية في بناء هذا البلد, وفي ضوء هذا الطرح أظن أن المشروع الوطني المطلوب هو قضية منهج بالضرورة وليس قضية موضوع كما يظنه كثيرون, وأظنه كذلك استلهاما لتاريخنا والجغرافيا, ودرسا مستفادا من أخطاء الماضي, كما أظنه تعبيرا عن روح مصر وتجسيدا لخصوصيتها المعهودة, ثم إنني أظنه ترجمة صادقة لشعارات ثورتنا المجيدة ومطالبها. لتكن بداية الفكرة أن المشروع الوطني هو الترشيد من أجل تحقيق النهضة أو سمه ما شئت. لكن المهم هو أن الترشيد يعني أفضل استغلال للموارد, وأفضل توزيع لها, هنا قد يري البعض أن كلمة أفضل تنطوي علي أحكام قيمية غير قابلة للتطبيق, لكنني سوف أضع لها معايير قابلة للقياس. وبالمثل قد يري البعض الآخر أن الموارد مقصورة علي مجالي المال والاقتصاد فقط, وليس بمقدوري في هذا المقال أن أقدم حصرا لكل الموارد, ولكنني سوف أضرب مجرد أمثلة توضيحية يمكن القياس عليها, وبقليل من التفصيل أقول إن الموارد تشمل كل الإمكانات المادية والمعنوية; فإلي جانب الموارد الاقتصادية المعروفة, هناك موارد سياسية, فالدولة القوية مورد, وقدرتها علي التغلغل مورد, وكذلك سيادتها وأمنها القومي ومكانتها الدولية, أيضا نعتبر الديمقراطية والحريات العامة موارد سياسية. وهناك موارد بشرية ليس فقط نوعيات البشر وقدراتهم وصحتهم وتعليمهم وأمنهم ودخولهم ومستويات معيشتهم وإنتاجهم واستهلاكهم, وإنما أيضا حتي توزيعهم علي الرقعة الموجودة.
هناك موارد اجتماعية كالقوي والتنظيمات والتكوينات الاجتماعية, والتماسك الاجتماعي, والنظام العام والآداب, والأخلاق العامة, والقيم الدينية, وهناك موارد ثقافية كتراث مصر الحضاري وسجلها التاريخي... ليس فقط آثارها ومعالمها التاريخية الفرعونية والرومانية والإسلامية, ولكن أيضا سجلها في المحافل الدولية وفي الإعلام, ومدارسها الوطنية في الدبلوماسية وفي الري وفي الإدارة والفن وفي الفكر وفي العلم والثقافة. وعلي نفس القياس هناك موارد تشريعية وأخري إدارية, والبيئة مورد وموقع مصر مورد.. إلي آخره. مرة أخري لن أستطيع حصر الموارد المقصودة, لكنني في انتظار من يقول لي إن هناك قيمة أو خدمة أو نشاطا أو نظاما أو قطاعا أو مشكلة أو قضية أو مطلبا يمكن اعتباره خارج دائرة الموارد بمعناها الذي قصدت.
أفضل استغلال يعني أمورا محددة; فهو يعني أولا: تسخير هذه الموارد فيما خصصت له, سواء كان هذا التخصيص بحكم القانون, أو بحتمية طبيعة هذه الموارد, ويعني ثانيا: كفاءة الاستخدام أي أن تعطي أكبر عائد بأقل تكلفة, ويعني ثالثا: صيانتها من التلف أو النفاد أو الإهدار أو تغيير طبيعتها. أيضا قد يري البعض أن هذه المؤشرات قد لاتنطبق علي كل الموارد خصوصا الشق المعنوي منها, والحقيقة أنها تنطبق: خذ مثلا قيمة التجانس الثقافي أو التماسك الاجتماعي أو منظومة القيم أو الذوق العام أو تاريخ مصر وعد إلي معاني الاستغلال الأفضل تجد أنها بحاجة إليها, بحاجة إلي استخدامها فيما خصصت له وكفاءة استثمارها بحيث تعطي أكبر عائد بأقل تكلفة, وبحاجة إلي صيانتها من العبث بها أو تغيير طبيعتها.
أما أفضل توزيع فيشير في كلمة واحدة إلي عدالة التوزيع, عدالة التوزيع بين الأقاليم المختلفة, ثم بين القطاعات والأنشطة المختلفة, ثم بين الأفراد علي جميع المستويات. وللعدالة ضوابط ومقاييس أو مؤشرات أولها: أن يحصل كل شخص علي ما يستحق قدر جهده النوعي وقدر مساهمته في الصالح العام, وثانيها: ضمان حد أدني من الكفاف للجميع. وثالثها: أن تتقارب قدرات الفقراء والأغنياء علي الكسب ولعل الوجه الآخر لهذا المؤشر الثالث هو ألا تتاح الفرصة للمال أو النفوذ في تحقيق مكاسب كبيرة مقارنة بمن يقدم جهدا, ورابعها: ألا يحصل أحد علي عائد دون جهد, وألا يحرم مجتهد من ثمرة عمله. ما أريد توصيله للقارئ- هنا- هو أن العدالة تستلزم نظاما اقتصاديا معينا وبنية تشريعية محددة; فالنظام الاقتصادي الذي يسكب الربح علي من يملكون المال( الفلوس تجيب فلوس) أو النفوذ أو من يتلاعبون بالأذواق أو من يصنعون الطلب هو نظام فاشل أو علي الأقل لايناسبنا, ولنتذكر في هذا المقام أن كل قرار يصدر من مسئول هو في النهاية قرار توزيعي بحكم منطق الأمور, فهو بمثابة إعادة توزيع للفرص والسلع والخدمات والقيم, ولا ننسي أن القوانين والتشريعات تدخل ضمن دائرة القرار في معناه العلمي الصارم.
هذا الطرح يعود بنا إلي أصول علمي الاقتصاد والسياسة; فالاقتصاد معني بأفضل استغلال للموارد, والسياسة معنية بأفضل توزيع لها. وهو يجسد أيضا أهداف الثورة, فالعيش والحرية نجدهما في الشق المتعلق بأفضل استغلال للموارد, والكرامة والعدالة الاجتماعية نجدهما في الشق المرتبط بأفضل توزيع لها, وهذا الطرح يستفيد من خبرة الماضي البائس, ويستوعب مفهوم الأمن القومي, كما يسمح باختلاف القوي السياسية وتنافسها في كيفية التطبيق. وأخيرا فإن هذا الطرح ليس إلا مجرد مقدمة لفتح باب الحوار حول هذا الموضوع المهم.
أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة
المزيد من مقالات د.صلاح سالم زرنوقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.