بالرغم من أن النساء المصريات قد حصلن على حقوقهن السياسية عام 1956 وبالرغم من انهن شاركن فى العمل الانتاجى المدفوع الأجر بداية من العقد العشرينى من القرن الماضى وبالرغم من انهن التحقن بالجامعة عام 1930 إلا انه فى تقديري، آن الفترة التاريخية الحديثةوالأكثر ازدهارا وتسارعا فى تحقيق التقدم فى مسار النساء المصريات، كانت وربما تستمر لوقت قريب، هى فترة السنوات الفاصلة بين عام 1960 ونهاية عام 1973. لماذا؟. لأن هذه السنوات شهدت نموا فى القطاع العام الصناعى والتجارى وفى استيعاب النساء المصريات فى مختلف فروع العلم والتعليم ثم فى وظائف الإدارات الحكومية وخاصة فى المحليات بعد انشائها عام 1960.كما شهد هذا النمو وجودها الكثيف فى عدد من مجالات العمل وفنونه كانت بعيدة عنها بسبب عدم وجود هذه المجالات او وجودها الضعيف. والمهم فى هذا المجال ان هذا النمو حدث فى شكل تقسيم جغرافى متناغم بعض الشيء واكرر بعض الشيء. تواجدت النساء المصريات فى الصناعات الدوائية التى أنشئت وكذلك فى الصناعات الالكترونية وتضاعفت نسبتها فى الغزل والنسيج.وحيثما وجدت الادارة المحلية وحيثما نشطت وحدات القطاع التجارى ثم الصناعى العامين. حصلت المرأة على مواقع عمل لم تكن متاحة قبلا فاسهمت هذه الخطوات فى تمكينها اقتصاديا واجتماعيا. حدث هذا فى كافة المحافظات التى لحقت بها بعض المشاريع التنموية وخاصة فى الصعيد. ونحن هنا نتحدث عن الكم وليس الجودة أو الكيف. خلال هذه الفترة تمت عملية تمكين بعض النساء المصريات قبل ان نعرف العبارة ذاتها من ادبيات الأممالمتحدة لننقلها بعد ذلك. كما انه، حيثما بنيت مدرسة فى أى قرية، كلما لحقت بها الفتيات طلباللتعلم. فى البداية كانت بشكل اجبار لأن ولى الامر كان يدفع غرامة قدرها جنيه مصرى إن ما لم يلحق ابنته او ابنه بالمدرسة. وكانت حركة الجبرية هذه عاملا فى تفكيك الثقافة المعادية لتعليم المرأة، وخاصة فى الريف الأكثر حفاظا على كل ما هو قديم من العادات. كان منطق الدولة الرسمى الذى سمعناه من القادة السياسيين يصب فى مبدأ فتح فرصتى التعليم والعمل المنظم وترك التطور يأخذ مجراه مما سيؤدى بالضرورة إلى وصول المرأة إلى حقوقها، كافة الحقوق. كان ذلك هو منطق السياسة السائد. وهو منطق يصح جزئيا إذا استمرت خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى مسار متواصل ومتكامل. ولكن يتراجع ذات المنطق اذا ما انسحبت الدولة من التخطيط والتنمية المستوعبين للجميع وتركت ساحة الإنتاج، فإننا نلاحظ انسحاب جموع النساء من سوق العمل.لذا حدث، خلال الفترة 1960/1973 انتشار للنساء فى مواقع ادارية واجتماعية فى وحدات الصناعة والتجارة بعد ان كن يصلنها بأعداد اقل ليس فقط فى المجالين وانما فى اجهزة الدولة. خلال هذه الفترة استوعب القطاعان الحكومى والعام مئات القيادات الادارية الوسطى والعليا من النساء العاملات. وكانت القيادات الصناعية والتجارية الكبيرة تشهد صعودا للاسطوات ورئيسات الورديات. كما بدأت النقابات تستوعب قيادات نقابية عمالية ومهنية عديدة. والمدهش ان المرأة الريفية بدأت تغزو المواقع القيادية للتعاونيات الزراعية التى تنظم عمل ملكيات الاصلاح الزراعي، كعضوات مشتغلات فى الزراعة. وبالقطع بدأ دخول المرأة إلى المجلس النيابي، ليس بالتعيين وإن كان بترحيب من الدولة، دون اللجوء إلى تحديد كم مقاعد. فكان التطور طبيعيا مع خطوات التنمية. خطوات ملحوظة وإن كانت غير متسارعة. وظلت ملاحظة مهمة تم رصدها خلال تلك السنوات وهى عدم قبول النساء كعاملات، وكذلك إقبال النساء كعاملات فى مجالات عمل القطاع الخاص،وخاصة القطاع الخاص الصغير. وكان لذلك تفسيره الاجتماعى وهو أن القطاع الحكومي، فى كل المجتمعات، هو رب العمل المريح للنساء العاملات والصديق لها، حيث ينتظم العمل وتتحدد الاجازات والمواعيد والعلاوات والمعاشات. يحدث هذا على الأخص فى البلدان المحافظة حيث لا تأتمن الأسرة على بناتها إلا فى القطاعين الحكومى والعام، الذى هو ملك الدولة. كانت تلك التطورات مشجعة اجتماعيا واقتصاديا بالرغم من أنها لم تحقق قيمة انسانية مهمة، كنا ولا نزال، نريد تثبيتها فى حياة النساء المصريات. تلك القيمة هى أن يتحول عمل المرأة إلى عادة أصيلة فى حياتها وكيانها. بحيث لا يستمر العمل مجرد مصدر للرزق وزيادة لدخل الأسرة، إنما جزء من بنيانها القيمى الانساني، وهى خطوة قيمية مهمة فى تطور النساء فى كل مكان. كما كنا نريد أن يعيد المجتمع نظرته تجاه المرأة وعملها بحيث يعتبرها شريكة فى صياغة مستقبل البلاد الاقتصادى والسياسي. ولكن اكتشفنا أن ذلك يأخذ مساحة زمنية يمر بها جيل من النساء العاملات وراء جيل آخر ليتحقق التراكم القيمى المطلوب ،وتزداد قاعدة البنيان النسائى صلابة. هذه الإشارة ليست جديدة وإنما تم التلميح والكتابة والتنبيه إلى ادبيات هذا المؤتمر آلاف المرات منذ عام 1973 فى كتابات وأحاديث الكتاب والناشطين والناشطات اجتماعيا فى مصر وفى كل البلدان.ويمكن العودة إليها إذا ما عندنا إلى أدبيات المنظمة الدولية ووكالاتها المتخصصة. كما كانت أدبيات هذا المؤتمر مرجعا لكل اللقاءات المحلية والاقليمية والعالمية التى نظمت خلال عام المرأة 1975 وما تبعه من عقد زمنى كامل. كما توجد قضية أخرى ترتبط باستيعاب النساء فى سوق العمل وتحويلهن من مجرد مواطنات مستهلكات إلى جزء من القوى المنتجة المصرية. وهى قضية نسميها مشكلة أطفال الشوارع والتى يتفنن البعض منا بإعادة تسميتها وكأننا لا نعرفهم أو كأننا لا نعرف أن المشكلة ليست فى التسمية بقدر ما هى كامنة فى تلك الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التى هى فى الأساس جذور وأصل هذه المشكلة الانسانية. نعرف جميعا أن احد اسباب وجود ظاهرة أطفال الشوارع هو التفكك الأسرى الذى يقود إلى وجود ام وأطفال بلا دخل. فى حين أن وجود دخل للمرأة قد يساعدها على فرض حمايتها على أبنائها. ذلك لأن عمل المرأة يعطيها سندا ماديا فى حالة هجر زوجها او طلاقه الغيابى او الحضورى لها. فى النهاية إذا ما امتلكت دخلا ثابتا تستطيع حماية أطفالها من الشارع وأخطاره. منذ انسحاب الدولة من قيادة التنمية شاهدنا انسحابا تدريجيا للمرأة من سوق العمل وخاصة ذلك الجزء المكون للقاعدة الصلبة التى يستند عليها البنيان النسائي. وجدناها أول من يترك الصناعة والتجارة من خلال نظام المعاش المبكر، ثم تابعنا موقف القطاع الخاص الكبير والمتوسط من تشغيلها متحججا بتلك القوانين التى منحها المشرع لحماية الدور الانسانى للمرأة كالقوانين المعطاة لها فى حالات الحمل والوضع والرضاعةكما شاهدناها بعيدة عن تلك المشروعات الكبيرة التى تقيمها الدولة ومعها القطاع الخاص. الخلاصة وجدناها تعود مرة اخرى مستهلكة ومنجبه للأطفال وترتفع نسبة البطالة فى صفوفها إلى 24%. وذلك فى عام المرأة الثانى 2017. لمزيد من مقالات أمينة شفيق