في دراسة للبنك الدولي حملت عنوان "تقييم النوع الاجتماعي في مصر" ظهر بوضوح الميل العام لتكدس النساء في أقل القطاعات حظا ودخلا وحقوقا، فبالرغم من ارتفاع نسبة مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل، إلا أنها تستمر ضعيفة بالمقارنة بالعدد الكلي للإناث المصريات في الاحصاء العام، كما تستمر غير متوازنة في توزيعها بين الريف والحضر، وكذلك بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالتالي تستمر المرأة المصرية تحصل علي النصيب الأصغر من الأجور والدخول التي تسمح لها بمواجهة أعبائها الأسرية المتزايدة. كما توضح المؤشرات أن المرحلة القادمة لا تمثل فترة وردية أو مزدهرة بالنسبة لنساء مصر الساعيات إلي العمل، ويظهر ذلك بسبب تراجع النشاط الاستثماري للدولة والذي كان يتم في القطاع العام القديم وهو القطاع الذي فتح قديما أبوابه واسعة للمرأة وجعلها تنخرط وتعمل في فروع وفنون الصناعة المختلفة وهو القطاع الذي بات الآن في مراحل تصفيته النهائية حتي انخفضت نسبة النساء المشتغلات فيه إلي 8.2% واذا أضفنا إلي ذلك أن القطاع الحكومي يحد من تعييناته بحيث أصبح هو الآخر محدود الفاعلية أمام عمل المرأة، فيمكن القول إن المرأة المصرية تفقد مجالين مهمين من مجالات التوظيف والعمل. والمعروف أن كلا من القطاع الحكومي والقطاع العام هما أكثر القطاعات دنوا من طبيعة وواقع النساء لأنهما عادة ما يكونان أكثر قبولا اجتماعيا لما يوفرانه من حماية ورعاية وحقوق للمرأة العاملة خاصة في البلدان النامية وكذلك في المناطق غير الحضرية تفضل أسر الطبقة الوسطي الصغيرة أن تعمل بناتها لدي رب عمل عام بلا من رب عمل خاص غير مضمون، بالإضافة إلي أن القطاعين معا الحكومي والعام هما أكثر القطاعات الاقتصادية التي تسمح بالنمو وبالترقي المهني والادبي للنساء العاملات، كجموع عاملة، وبالتالي فهي أنشط القطاعات في إتاحة فرص بناء الكوادر والقيادات النسائية في المجتمع، كما أنهما أنشط القطاعات في تحقيق الاستمرارية في هذا البناء بحيث تتواصل أجيال العاملين فيهما بانتقال الخبرات من جيل سابق إلي آخر لاحق له، وقد اتضح ذلك بشكل واضح في الانتخابات النقابية العمالية الأخيرة عندما تراجع عدد العاملات المنتخبات في مجالس النقابات العمالية وخاصة في وحدات القطاع الخاص. وعندما نشير إلي الصعوبات التي تواجه عمل المرأة الآن التي سوف تواجهها في المستقبل القريب فإننا نسجل ما ورد في التقرير حول علاقة القطاع الخاص بعمل المرأة، يشير تقرير البنك الدولي إلي أن القطاع الخاص كقطاع واسع التركيب، يضم نسبة 5.56% من مجمل عدد العاملات في مصر ولكن الخطورة أن 62% من هذه النسبة تعمل في القطاع الخاص غير الرسمي أي القطاع الخاص العامل خارج الإطار القانوني أو المؤسسي، أي القطاع الذي لا يقدم للمرأة الحقوق المكفولة لها في قوانين العمل المختلفة بدءا من الاجر والاجازات وساعات العمل إلي عضوية النقابات إلي الحقوق التأمينية المتعارف عليها والأكثر خطورة أن التوزيع الجغرافي للنساء العاملات في القطاع غير الرسمي يميل بكل الثقل نحو الريف والمناطق الزراعية، فإذا كان المعدل القومي لنسبة النساء المصريات العاملات في القطاع غير الرسمي يصل كما ذكرنا إلي 5.56% من مجمل عددهن العامل فإن 8.74% من هذه النسبة القومية تعمل في المناطق الريفية حيث تتعاظم الأمية وتتجسد المشكلات الاجتماعية الأخري. ويكشف التقرير بكل صراحة عن أن القطاع الخاص الرسمي والذي هو في حالة نمو ونشاط في مصر يقف من عمل المرأة موقفا سلبيا حيث إن نسبتها فيه لا تزيد سنويا إلا بمعدل 6.1% بالإضافة إلي أنها تتراجع فيه عن مواقعها الصناعية والفنية القديمة التي كانت تحتلها في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات لتتمركز مرة أخري في الخدمات والتجارة.