الإمام الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر كان صوفيا زاهدا ثائرا غيورا على أزهره ودينه وعروبته، فمنذ توليه هذا المنصب اخذ على عاتقه النهوض بالأزهر ومحاولة إصلاح ما أجهضته القوانين الجائرة وإعادة مكانته وهيبته فتوسع فى إنشاء المعاهد الأزهرية فى كل ربوع مصر، وأعاد جماعة كبار العلماء من خلال مجمع البحوث الإسلامية ليكون بديلا عنها وأقام له مبنى كبيرا فى مدينة نصر وضم أعضاءه من خيرة رجال الأزهر وعقد المؤتمرات العالمية لنقل رسالة الأزهر وتعاليم الدين الاسلامى السمحة إلى كل شعوب العالم، وتوسع فى مكتبة الأزهر وانشأ لها مبنى ضخما بجوار الأزهر . قدم استقالته بعد صدور قرار لرئيس الجمهورية رأى فيه انه ينتقض من الأزهر ويقلص شيخ الأزهر من اختصاصاته ويمنحها لوزير الأوقاف مما يعوق الشيخ عن أداء رسالته الروحية مما اضطر وقتها الرئيس السادات إلى إعادة النظر فى القرار و بالفعل أصدر السادات قرارا بإعادة الأمر إلى نصابه . بل منحه ميزات أكبر وتصدى لقانون الأحوال الشخصية التى أصدرته الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشئون الاجتماعية آنذاك و حاولت تمريره فى مجلس الشعب دون الرجوع إلى الأزهر، ورأى الشيخ أن هذا القانون تضمن قيودا على الزوج بخلاف ما قررته الشريعة الإسلامية و نجح الإمام فى وأد هذا القانون فى مهده . هذا الشيخ الإمام الذى أنجبته محافظة الشرقية مركز بلبيس فى 12 مايو 1910 م، حفظ القرآن الكريم و هو صغير والتحق بالأزهر وتدرج فى المراحل التعليمية حتى حصل على العالمية، ثم سافر بعدها الى فرنسا على نفقته الخاصة ليعود إلى مصر بعد أن حصل على الدكتوراه فى الفلسفة الإسلامية، عمل بعدها مدرسا بكليات الأزهر ثم عميدا لكلية أصول الدين ، فأمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية، فوكيلا للأزهر فوزيرا للأوقاف. وفى أثنائها ضم إلى الأوقاف العديد من المساجد الأهلية، ثم شيخا للأزهر وجهاده لم ينقطع و إحساسه بالمسئولية الملقاة على عاتقه، فلم يركن إلى اللقب أو المنصب فتحرك فى كل مكان لخدمة الإسلام والمسلمين. وأحس الناس بقوة إيمانه و صدق النفس فكانوا يستقبلونه استقبالا شعبيا و رسميا فى كل بلد يذهب إليه، وبعد عودته من الأراضى الحجازية شعر الشيخ بآلام شديدة فى جسده دخل على أثرها المستشفى لإجراء جراحة عاجلة وفى صبيحة يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 1978 م لقى الإمام ربه تاركا خلفه ذكرى طيبة، وعلما ينتفع به، ونموذجا يحتذى به كل داع إلى الله على بصيرة.