يبدو أن قدر الإسكندرية أن تظل طيلة حياتها تدفع ثمن كونها كانت الي وقت قريب مدينة " كوزموبوليتانية " متعددة الثقافات والأعراق، تعايش فيها الفرنسي والإيطالي والشامي واليوناني واليهودي والأرمني والمصري في تناغم واضح ، مدينة كانت تشع حياة وثقافة وبهجة وفنا وأدبا وحضارة لم يبق منهم سوي ذكريات و بنايات وقصور شاهدة علي عز الماضي وثقافته وحضارته. حتي هذا التراث الحجري لم يسلم من الهجمة الشرسة للمادة وطغيان رأس المال وأصبح قدر المدينة أن تستيقظ كل يوم علي كارثة جديدة لمبني تراثي ينهار ليحل محله ناطحة سحاب أسمنتيه بلا روح ولا ذكريات ، وما تعيشه المدينة الناعمة هذه الأيام ما هو إلا حلقة جديدة من مسلسل "الراية البيضا" وفضة المعداوي التي تحاول هذه المرة الإستيلاء علي أحد رموز المدينة “ الأتيليه “ بيت الفنانين أو أحد ملحقاته ولكن المثقفين والفنانين يقفون لها بالمرصاد. والحكاية من البداية كما يرويها فتحي بركات أمين صندوق الأتيليه “ أن حارس الأتيليه فوجئ صباح أحد الأيام بوجود بعض الأشخاص بالمبنى الملحق والحديقة ومعهم كلاب ضخمة لتهديد من يقترب منهم مدعين ملكيتهم له بحجة أنه مبني مجاور للأتيليه وليس تابعًا له، على الرغم من أنهما يجمعهما سور واحد وتُسدد عنهما قيمة الإيجارية بشكل منتظم في المحكمة منذ سنوات ، كما قاموا بكسر الباب الحديدي وتحطيم السور والبرجولات الخشبية وإقتحام ” مرسم العمري” وهو أحد المباني الملحقة بالأتيليه مستغلين العطلة الأسبوعية وقاموا بتخريب عدد من اللوحات والقطع الفنية فألقوا باللوحات أرضًا فتهشمت بعضها وهي للفنان هاني السيد، وحطموا فرن خزف إنجليزيا للفنان أحمد حافظ في الحديقة وهشموا الباب الخلفي والنوافذ والأبواب والأقفال . بينما نفى مالكو العقار في بيان صدر لهم ما نسب إليهم من اتهامات بشأن محاولة استخدامهم بلطجية لهدم المبنى مؤكدين أنهم يقدرون الفن ويريدون له الرقي، وأن ما أثير حول نيتهم هدم المبنى كان لتحقيق بعض الأغراض الشخصية إستغلالا لإسم الفن . وأوضح البيان أنه لم يتم التهجم على المبنى ولكن تم تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة من الحي ضد جماعة الفنانين والكتاب لإزالة الإشغالات الموضوعة في فناء العقار دون وجه حق لمنع الملاك من الدخول، لافتين إلى وجود جميع المستندات المؤكدة لملكيتهم للحديقة وأكدوا أن الأتيليه خاضع لرقابة هيئة الآثار وأنه لا يمكن لأحد أيا كان أن يهدم المبنى . ويقول الدكتور محمد رفيق خليل رئيس مجلس إدارة الأتيليه أن مبني الأتيلية هو مبني ذو طراز معماري فريد بناه تاجر حلويات يوناني سكندري شهير هو “ تمفاكو “ عام 1893 ثم باعه بعد ذلك إلى تاجر أخشاب يهودي يدعى” يوسف كرم” الذي باعه بعدها للبنك الإيطالي الذي قام بتأجيره للأتيليه عام 1957 أي منذ 58 عاماً وكانت قيمة الإيجار في البداية تتناسب مع ذلك العصر تضاعفت بعد رفع قانون الإيجارات للعقارات الأثرية ثم باعه البنك أثناء فترة التأميم حتي وصل الي الملاك الحاليين وهم الجيل السابع للملاك … ولندرة وجمال طرازه المعماري فقد تم ضمه للأثار عام 2006 وتم تسجيل المبني وحديقته وملحقاته كأثر يجب الحفاظ عليه وأضاف خليل أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن القصر له ثلاثة أبواب علي ثلاثة شوارع هم فيكتور باسيلي وهو المدخل الرئيسي وباب علي شارع الفراعنة مغلق والثالث علي شركة مصر مغلق أيضاً وهو ما يستغله الملاك للتحايل علي القانون فمالك العقار يحتفظ بحجرة أعلى مرسم العمري إدعي أن بابها علي شارع شركة مصر وهو الباب الحديدي الذي كسره ودخل منه .. كما تمكن الملاك خلال هذا الأسبوع من أستصدار ورقة مشكوك فيها من حي وسط تثبت ملكيتهم للباب وتقول بالنص “ رجاء التكرم باستدعاء الملاك والمستأجرين لإزالة الطوب الموجود بالباب الحديد المطل على شارع شركة مصر وإزالة الباب الحديد الموجود بالدور الأرضي “ وهو ما أستغله الملاك فقاموا بالتنفيذ بأنفسهم وأحضروا عمال هدم وكسروا الباب . الغريب في الأمر أن سعاد حلمي رئيس حي وسط زارت الأتيليه وأكدت أنها لم تصدر أي قرار خاص بهذا العقار وأن الورقة التي خرجت من الحي لا تعرف مصدرها مما يشير الي كارثة جديدة داخل الأحياء ، فمن أين حصل الملاك علي هذه الورقة ؟ وهو ما يفتح باباً جديداً للتحقيق في فساد الأحياء . ويبدو أن هذه ليست الواقعة الأولي فقد تعرض الأتيليه منذ 6 أشهر لواقعة مشابهة، فقد حرر مالكوا العقار محضر ضد الجمعية تم حفظه ولكن الوضع هذه المرة خطير فقد إستنفر غضب المثقفين والفنانين لحماية بيتهم الفني كما قالوا ، فإعتصم بعضهم بالمكان خشية أن ينتهز الملاك فرصة الأجازات ويقوموا بتخريب المبني ونظموا مؤتمراً صحفياً حضره عدد كبير من الفنانين والمهتمين بالثقافة أكدوا فيه أن ما يحدث هو هجمة شرسة على الرموز الثقافية والفنية لمصر، وأنه لن يُهدم رمز علي يد الفكر المتخلف ودعوا كل المبدعين أن يتكاتفوا للحفاظ على هذا الرمز بإصدار بيان يوضح الشر الذى يحاك للحركة الثقافية فى مصر، وأطلقوا دعوة لنزع ملكية القصر ونقل تبعيته للدولة و بحث هذا الموضوع بشكل قانونى . أما حلمي النمنم وزير الثقافة فقد وعد بالضغط علي أعلي المستويات من أجل وقف تلك التعديات وإنقاذ هذا الصرح الثقافي العظيم من طغيان المادة والقبح . وقد قام هاني المسيري محافظ الإسكندرية بزيارة الأتيلية بصحبة قوة من الشرطة قامت بالقبض علي شخصين كسرا الباب وقاما بالتعدى علي المبني بدون سند قانوني .