الضحية هذه المرة, تمثال المخرج محمد كريم بمعهد السينما بأكاديمية الفنون بالهرم, طلب نائب برلماني ينتمي للحرية والعدالة إخفاء التمثال عن عيون المارة, لأنه يثير الاستفزاز, ولأنه حرام شرعا, رغم وجود التمثال منذ سنوات, ولم يغر أحدا بالسجود له, فالدين راسخ في قلوب المصريين, لكنه الإصرار علي جرجرتنا إلي العصور الظلامية. تطل علينا هذه الأفكار من وقت لآخر لتفتش في صدورنا, وهناك حادثة شهيرة, بخلاف دعوة السلفيين بتغطية التماثيل بالشمع, وقعت عام 2004, عندما قرر رئيس مدينة الشيخ زايد إزالة تمثالين, وهما من الأعمال التجريدية للفنان الأمريكي جون هدسون, استيقظ الناس علي حطام التمثالين علي جانبي الطريق, وبرر ذلك بانهما يشبهان الأصنام, كما أن ازالتهما ستسهم في توسيع مدخل المدينة, وتصدي له عدد من مؤسسات المجتمع المدني والكتاب والمثقفين. لم تصنع التماثيل للعبادة, فنحن لسنا في عصر اللات والعزي ومناة, وانما صنعت لتحفظ وتسجل وتخلد وتنقل لنا حضارة عظيمة, نقشت ونحتت علي أشكال تماثيل ومعابد وجداريات, وتجلي وعي الإنسان المصري مع إقامة تمثال نهضة مصر للفنان محمود مختار, كرمز للنهضة المصرية واحساس المصريين بقوميتهم وتاريخهم وعزتهم بعد ثورة 1919, وتشارك المصريون في (اكتتاب عام) لتنفيذه وكذلك الهيئات ودور العبادة بما فيها المساجد التي لم تنظر للتمثال نظرة تحريم. بعد نحو مائة عام من تقديم هذه الصورة المشرقة, يغزونا هذا الفكر الرافض لحركات التنوير, والمأساة الكبري التي ترتكب حاليا من المعادين للحضارة والتحضر, والرافضين لتعلم اللغات الأجنبية, والمنشغلين بالمواقع الاباحية أكثر من اهتمامهم بالعدالة الاجتماعية, هم أنفسهم الذين يصرون علي صياغة المستقبل, بمحاولاتهم المستميتة للاستئثار بكتابة الدستور وفقا لرؤاهم, والتي لن يقبلها أبدا المصريون, بعد أن كسروا شوكة القهر والتخلف. المزيد من أعمدة سمير شحاته