فلاحة وأسد ونهضة «غائبة» فلاحة مصرية تمسك بطرف جلبابها وتستند إلي أسد يجلس وجهه يحمل وجه إنسان، وكلاهما يتوسط المشهد في شموخ غريب يأسر المارين، هو تمثال «نهضة مصر» بالجيزة والذي يقابل حديقة الحيوان وينتهي بشارع الجامعة «جامعة القاهرة» وهو قد يكون أشهر التماثيل في ميادين مصر، تلك التماثيل التي إن قدر لها الحديث قد تقول الكثير عما مضي ومن يدري قد تخبرنا أيضا عما هو قادم، قد يكون كثرة ما شاهدته علي مر العصور أو القرون قد أفرز لديها القدرة علي رؤية الغد وهي واقفة في نفس المكان لا تجتهد أكثر من أنها تراقب هؤلاء المصريين الذين يعبرون بجوارها بعضهم قد يملؤه الحماس ليصعد بالقرب منها ويشاركها هذه اللحظة بصورة تذكارية تعني له الكثير، والبعض الآخر يكتفي بنظرة خاطفة والبعض يتأملها محاولا فك رموزها. نهضة مصر ذلك التمثال الرائع الذي يوجد في أحد المواقع المهمة بالجيزة شهد أحداث قريبة حملت معها إحدي معادلات الفناء والبقاء بين تاريخ وحضارة شهد لها العالم بأسره وهي حضارة المصريين وبين تصرفات لجنس من البشر شاءت الظروف تواجد بعض الشباب حاول تسلق التمثال عندما قام أحمد الشحات بتسلق السفارة الإسرائيلية لإنزال العلم ورفع العلم المصري وآخرون حاولوا أن يساعدهم - نهضة مصر - في استشراف ما يحدث عبر عشرين طابقا، ولأننا مؤمنون بمعادلات حياتية خاصة جدا تحمل في طياتها علاقات غير معقولة بين البشر وكل عناصر الحياة تخيلنا إحساس تمثال نهضة مصر بالأحداث رسمنا في خيالنا الفلاحة المصرية المستندة إلي الأسد «المصري» وهي تبتسم تارة لحظة إنزال العلم الإسرائيلي وهي تبكي تارة أخري مع أول تأوه لمصاب مصري أمام السفارة. تمثال نهضة مصر هو للفنان محمود مختار المثال المصري المميز أحد الفنانين الرواد القلائل في فن النحت ولد مختار في 10 مايو1891 وتوفي في 27 مارس 1934، والده الشيخ إبراهيم العيسوي عمدة قرية طنبارة بالمحلة الكبري. درس بكلية الفنون الجميلة عندما افتتحت تحت اسم «مدرسة الفنون الجميلة» عام 1908 بدت موهبته واضحة لمعلميه الأجانب مما حدي بهم لتخصيص «مرسم خاص» له ضمن مبني المدرسة لإعداد منحوتاته من التماثيل، صاحب ملامح الفلاح والفلاحة المصرية فكانت رفيق دربه، أرسله راعي المدرسة في ذلك الوقت الأمير يوسف كمال ليدرس بباريس وهناك عرض لأول مرة تمثاله الشهير «نهضة مصر» بمعرض الفنانين الفرنسيين عام 1920 ونال عليه شهادة الشرف من القائمين علي المعرض وهو التشريف الذي أثار حماسة البعض من المفكرين البارزين لإقامة التمثال بأحد ميادين القاهرة الكبري وحدث «اكتتاب شعبي» لإقامة التمثال وساهمت فيه الحكومة لتحقيق الحلم ويكشف الستار عن التمثال في 1928، إذن مر علي وجوده ثلاثة وثمانون عاما وهو أفضل شاهد علي العصر. تري هل كان تمثال «نهضة مصر» مقدرا له هذا المكان تحديدا، وهل الزمان كان يدري بما سيأتي فاختاره تحديدا ليبقي هنا وكأنه يفتح لنا لحظة دخول الجامعة بابا مقصودا للنهضة، بذراع الفلاحة المصرية المستندة بطمأنينة شديدة علي كتف «الأسد» الذي يحمل وجه رجل فرعوني. هل قصد وقتها محمود مختار في إرسال رسالة ما؟، وهل تتعلق بالمرأة أم الرجل أم الفراعنة؟ جميعها تساؤلات تفضي بنا إلي نتيجة واحدة ألا وهي أن «نهضة مصر» داخل هذا النموذج الصامد والصامت وليس لنا إلا «التأمل».