تقترب مصر من الخطوة الأخيرة فى خارطة المستقبل التى تم الإعلان عنها فى يوليو 2013، وذلك عبر انتخابات مجلس النواب التى تُمثل الاستحقاق الانتخابى الثامن منذ ثورة يناير 2011، والتى بدأ على إثرها الحراك فى مسار التحول الديمقراطى فى مصر والمتأرجح حتى الآن بين أنماط الديمقراطية التى يمكن تفسيرها فى إطار تعريفات مفكرى العلوم السياسية جيف هاينز وغابريل ألموند ولارى دياموند، والتى تبدأ بشكل مبسط بديمقراطية شكلية تمر بديمقراطية انتخابية لتصل نهاية إلى ديمقراطية حقيقية كاملة. لقد مرت مصر ولا تزال بالنمطين الأول والثاني، فعبر عُقود عاشت مصر مرحلة الديمقراطية الشكلية التى اعتمدت على مظاهر الديمقراطية باستخدام بعض وسائلها التى تم تحويلها إلى غايات وأهداف، مثل عقد انتخابات تُفرز برلماناً منتخباً شكلاً، واتباع مظاهر لحرية الصحافة والإعلام وتحقيق بعض الحريات والحقوق المدنية والسياسية، وتَبنى سياسات اقتصادية ليبرالية من شأنها تحقيق معدلات نمو مقبولة، بل والنزول على رغبة الرأى العام فى بعض الأوقات. وفى حقيقة الأمر يُمكن القول بأنها كانت ديمقراطية شكلية جاءت عبر انتخابات عكست ضعف المشاركة وأفرزت برلمانات عبّرت عن إرادة قلة من الناخبين وسيطر عليها فئة واحدة شاركها اسمياً معارضة هشة، ووسائل إعلام عمل غالبيتها كبوق للنظام، وحريات وحقوق مدنية انحسرت بين طيات المواد الدستورية والنصوص القانونية، وعوائد نمو اقتصادى تمتع بها فئة واحدة ولم تصل ثماره إلى الفئة الدُنيا، ونزولاً على رغبة الرأى العام تحقيقاً لمصالح النظام ذاته ومغازلةً للخارج بالتأكيد على وجود نظام ديمقراطى يُحقق مصالح الغرب مع التلويح أحياناً بأن البديل؛ وإن ثبت صحته فى تجربة الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى 2011 - 2012، هو نظام إرهابى متطرف. لقد عبرت مصر عبر الحراك الثورى فى ثورتى يناير ويونيو، مرحلة الديمقراطية الشكلية إلى مرحلة الديمقراطية الانتخابية، التى تُمثل مرحلة أكثر تقدماً من سابقتها، حيث جرى سبع استحقاقات انتخابية ما بين استفتاءات وانتخابات برلمانية ورئاسية، والتى جاءت فى إطار دستورى وقانوني، واتسمت بالشفافية والنزاهة وفقاً للآراء والدراسات المحلية والدولية، وأفرزت نتائج جديدة وفاعلين جُدد، إلا أن محاولات البعض لاختزال وسائل التحول الديمقراطى فى أداة الانتخابات دون غيرها، قد يُحولها إلى غاية، وهى فى الأصل وسيلة ضمن وسائل عدة، قد تتم فى إطار القانون إلا أن نتائجها يجب أن تأتى بمنطق جديد مع وجود اتفاق أو إجماع عام بين الفاعلين فى الحياة السياسية. إن الواقع الحالى يتضمن آراءً وأصواتاً تعلو بالمديح فى الانتخابات ونزاهتها ونتائجها، مع وجود انفتاح فى الحريات والحقوق المدنية والسياسية، ونصوص دستورية وقانونية تأتى فى مضمونها بنتائج محققة للديمقراطية الكاملة، إلا أن هناك أصواتاً أخرى ترتفع لتُعبر عن مؤشرات بتقييد للحريات وانتهاكات لحقوق الإنسان بالرغم من صعود وجوه جديدة للحياة السياسية، متذرعة فى ذلك بعودة بعض الوجوه التقليدية أو سعيها للعودة لاستعادة امتيازاتها ومواقعها داخل النظام، ومن ثم الارتداد إلى الحالة القديمة من الديمقراطية الشكلية. إن مصر فى حاجة الآن إلى تحقيق اتفاق عام بين الفاعلين فى الحياة السياسية وصولاً لتحقيق قدر من التماسك الديمقراطى كى لا تعلو أصوات الحديث عن انخداع بين شعارات ومفردات فى إطار خطاب سياسى دون وجود ممارسات وأفعال على أرض الواقع، فناقوس الخطر بدأ فى الاهتزاز منبهاً بأهمية التحرك نحو الديمقراطية الكاملة فى ظل مخاوف التعثر فى منطقة الديمقراطية الانتخابية أو العودة للوراء؛ إما للديمقراطية الشكلية أو الوقوف فى منطقة رمادية بين نمطى الديمقراطيتين الشكلية والانتخابية، الأمر الذى يتطلب المُضى قُدماً فى البحث عن مزيد من أدوات ووسائل لتحقيق الديمقراطية الكاملة. إن هناك العديد من الأدوات التى يُمكن استخدامها وصولاً للديمقراطية الكاملة، حيث لا يجب التركيز فقط على الانتخابات رغم أهمية إجرائها بنزاهة وشفافية وبمشاركة مقبولة تعكس آراء جموع الناخبين بمصداقية لينتج عنها برلمان مستقل لا يُهيمن عليه تيار واحد بل تيارات عدة تسعى للمصلحة الوطنية، كما لا يجب الانحسار بين إجراءات التطوير المؤسسى أو تحديث التشريعات القانونية شكلاً، بل يجب أن يتم العمل على تطوير المؤسسات وتحديث التشريعات لتتواكب مع نصوص دستور مصر 2014، والمُضى قُدماً فى تحقيق خطة شاملة لنهضة اقتصادية تنعكس عوائدها على الفئة الدُنيا، ثم النظر بأهمية إلى التحدى القادم فى وجود فاعلية واستقلالية لأجهزة الإدارة المحلية المنصوص عليها فى إطار الدستور. ويزيد أهمية على ما سبق، ضرورة تعريف المواطنين مسبقاً بالبرامج والخطط والطموحات المستقبلية متضمنة أهدافها وسبل تحقيقها ضمن مجموعة واضحة من العناصر والمكونات، وتحديد فترة زمنية محددة لتنفيذها، ليتم على إثرها الإعلان عن سجل حسابى يتضمن نتائج هذه البرامج والخطط خلال تلك الفترة الزمنية. إن إعلام المواطنين ومشاركتهم بالبرامج والخطط والطموحات المستقبلية يؤتى ثماره بخلق سياق عام سياسى واقتصادى واجتماعى ملائم لعملية التحول للديمقراطية الكاملة، وهو ما يتحقق من خلاله حالة التوافق العام التى ستعكس علاقة تفاعلية إيجابية بين قيادات النظام والرأى العام وصولاً لتحقيق التماسك الديمقراطى المنشود، وعدم الوقوع فى فخ العودة إلى الديمقراطية الشكلية، أو التوقف عند مستوى الديمقراطية الانتخابية. لمزيد من مقالات أيمن ولاش