"طاقة النواب" توافق على منحة أمريكية لمبادرة تغير المناخ    احتفالا ببدء العام الدراسي.. طلاب «بني سويف الأهلية» ينظمون ممرا شرفيا لرئيس الجامعة    جويتريش يشيد بحكمة وسياسة مصر الرشيدة    مدبولى: نسعى للحفاظ على تماسك الدولة في ظل التحديات الحالية    نتنياهو.. ‬تحت ‬الأرض !!‬    4 شهداء فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي لمخيم النصيرات وسط غزة    الرئيس الكوري الجنوبي يأمر بإرسال طائرة عسكرية لإجلاء رعاياه في الشرق الأوسط    انفراجة في أزمة فتوح.. مفاجأة بشأن زيزو.. إعلان مواعيد السوبر | نشرة الرياضة ½ اليوم 2-10-2024    وزارة إنتاجية «2»    شوقي غريب يحضر مواجهة الإسماعيلي 2005 أمام سموحة    ضبط 65 طن لحوم فاسدة خلال شهر سبتمبر الماضي    «خلطبيطة باند» تشعل حفل «جيلنا»    قبل عرضه.. تفاصيل دور أحمد مالك في «مطعم الحبايب»    جلال يضع اللمسات الأخيرة قبل افتتاح «المهرجان الدولي للفنون الشعبية»    سامية أبو النصر: نقول للشباب أن استرداد الأرض لم يكن سهلا ولكن بالحرب ثم التفاوض    قريبا.. افتتاح قسم الطواريء بمجمع الأقصر الطبي الدولي    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    بوتين يوقع قانونا يسمح بتجنيد المشتبه بهم جنائيا وتجنيبهم الملاحقة القضائية    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    ظاهرة فلكية تُزين السماء 6 ساعات.. متى كسوف الشمس 2024؟    هل تنتقم فاتن من زوجها بعد الشروع فى قتلها فى مسلسل برغم القانون    نص خطبة الجمعة المقبلة.. «نعمة النصر والإستفادة بدروسها في الثبات»    جولة بحرية بقناة السويس للفرق المشاركة بمهرجان الإسماعيلية الدولى للفنون الشعبية    محافظ الغربية يناقش مستجدات الموقف التنفيذي لمشروعات «التنمية الحضرية»    محافظ مطروح يناقش خطة إطلاق ندوات توعوية للمجتمع المدني بالتعاون مع القومي للاتصالات    حبس المتهم الهارب في واقعة سحر مؤمن زكريا المفبرك    مشاركة ناجحة لدار الشروق بمعرض الرياض الدولي للكتاب والإصدارات الحديثة ضمن الأكثر مبيعا    شيخ الأزهر يكرم طلاب «طب أسنان الأزهر» الفائزين في مسابقة كلية الجراحين بإنجلترا    رئيس جامعة الأزهر: الإسلام دعا إلى إعمار الأرض والحفاظ على البيئة    مقتل وإصابة 7 جنود من الجيش العراقي في اشتباكات مع داعش بكركوك    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    وزير الشباب والرياضة يتابع مجموعة ملفات عمل تنمية الشباب    البورصة المصرية تتحول إلى تحقيق خسائر بعد اتجاهها الصاعد في الجلسات الأخيرة    الحوار الوطني.. ساحة مفتوحة لمناقشة قضايا الدعم النقدي واستيعاب كل المدارس الفكرية    حقوقيون خلال ندوة بالأمم المتحدة: استمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان يقوض السلم والأمن الدوليين    وزير الثقافة يلتقي أعضاء نقابة الفنانين التشكيليين (صور)    جوارديولا: جوندوجان لعب أسوأ مباراة له ضد نيوكاسل.. وفودين ليس في أفضل حالاته    جهود «أمن المنافذ» بوزارة الداخلية فى مواجهة جرائم التهريب    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    تفاصيل زيارة أحمد فتوح لأسرة المجنى عليه.. وعدوه بالعفو عنه دون مقابل    متفوقا علي مبابي وبيلينجهام .. هالاند ينفرد بصدارة ترتيب أغلى اللاعبين فى العالم ب200 مليون يورو    قافلة طبية في قرية الشيخ حسن بالمنيا ضمن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    منح الرخصة الذهبية للشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم «أميسال»    جامعة المنوفية: إحالة عضو هيئة التدريس صاحب فيديو «الألفاظ البذيئة» للتحقيق (بيان رسمي)    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    الجمعة المقبل غرة شهر ربيع الآخر فلكياً لسنة 1446 هجريا    الكيلو ب185 جنيها.. منفذ "حياة كريمة" يوفر اللحوم بأسعار مخفضة بالمرج.. صور    بالصور.. 3600 سائح في جولة بشوارع بورسعيد    «بونبوناية السينما المصرية».. ناقد: مديحة سالم تركت الجامعة من أجل الفن    رحيل لاعب جديد عن الأهلي بسبب مارسيل كولر    وزير الداخلية يصدر قرارًا برد الجنسية المصرية ل24 شخصًا    ما حكم كتابة حرف «ص» بعد اسم النبي؟ الإفتاء توضح    سقوط 6 تشكيلات عصابية وكشف غموض 45 جريمة سرقة | صور    "أبوالريش" تستضيف مؤتمرًا دوليًا لعلاج اضطرابات كهرباء قلب الأطفال    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    خبير عسكري: إسرائيل دخلت حربًا شاملة ولن يوقفها أحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخطوطات طه حسين الفرنسية
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 06 - 2014

هذه المخطوطات التى تكشف "الأهرام" النقاب عنها لأول مرة هى مسودات أملاها عميد الأدب العربى بالفرنسية قبل نشرها أو إصدارها فى صورتها النهائية، ولكن يبدو أنها لم تنشر، بل ظلت مطوية بين أوراق صاحب الأيام رغم ما تحمله من أفكار ملهمة، تكفى لتأليف مجلد آخر تحتاجه الثقافة العربية.
وهى الى جانب ذلك تساعد الباحثين على دراسة طريقة طه حسين فى التأليف ، هى مخطوطات متنوعة ما بين دراسات وخطب وتقارير تكشف عن جوانب غير معروفة من تفكير صاحب حديث الأربعاء، وعن رجل يعرف قدر وطنه ودينه وقضايا أمته، ستقرأ عن مواقف اتخذها منذ ستين عاما وستكتشف أنها ما زالت حية ومهمة وتخاطب الجمهور المعاصر، ويسعد "الأهرام" أن تهدى قراءها نماذج من هذه المخطوطات مترجمة فى سلسلة من أربع حلقات ستنشر أسبوعيا بدءا من اليوم، ويسعد الأهرام أيضا أن مترجم هذه النصوص ومقدمها الدكتور عبد الرشيد محمودى يكمل بها مشروعا بدأه فى ثمانينيات القرن الماضى عندما جمع وترجم مجموعة من كتابات طه حسين الفرنسية فى كتاب عنوانه " طه حسين، من الشاطئ الآخر"، كما نشر عدة مؤلفات عن العميد، اهمها كتاب تتبع فيه سيرته التعليمية والفكرية عنوانه" طه حسين من الأزهر الى السربون"(المجلس الأعلى للثقافة 2003)، والدكتور عبد الرشيد شاعر وروائى فاز هذا العام بجائزة الشيخ زايد فى الأدب عن روايته الجميلة "بعد القهوة"

مصر تحت حكم الأتراك العثمانيين
ترجمة وتقديم: د. عبد الرشيد محمودى
مخطوطات طه حسين الفرنسية هى نصوص أملاها طه حسين على من كتبها على الآلة الكاتبة أو بخط اليد قبل نشرها مطبوعة أو إلقائها أو توجيهها كرسائل إلى شخص أو جهة ما فى صورة نهائية. وهى إذن لم تنشر ولم تذع بحكم كونها مسودات أو مشروعات. بل ويبدو أن صورها النهائية لم تنشر ولم تذع بقدر ما نعلم. وإذا صح ذلك كان معناه أنها مجهولة تماما. وهى تختلف إذن عن كتابات أخرى ألفها طه حسين بالفرنسية وسبق أن ترجمتها وجمعتها فى كتاب عنوانه "طه حسين: من الشاطئ الآخر، كتابات طه حسين الفرنسية" (الطبعة الأولى، بيروت 1990). فهذه الكتابات الأخيرة نشرت بلغتها الأصلية فى صورتها النهائية، ومن الممكن الرجوع إليها فى مصادر معروفة أحلت إليها فى حواشى ذلك الكتاب. ومخطوطات طه حسين الفرنسية نصوص ترى النور الآن لأول مرة مترجمة بالعربية فى "الأهرام".
وللنشر فى "الأهرام" ملابسات ومبررات أود أن أوضحها. فأذكر أننى نشرت نماذج متفرقة من كتابات طه حسين الفرنسية فى الصحافة قبل جمعها فى كتاب "من الشاطئ الآخر". وكانت "الأهرام" هى الصحيفة التى اخترتها لنشر أول ترجمة لمقالة من تلك الكتابات، وكان عنوانها "هبة المحادثة والصداقة" (انظر "الأهرام"، 25/5/1985)؛ وهى مقالة كتبها طه حسين لتأبين صديقه الكاتب الفرنسى الكبير أندريه جيد. ثم نشرتُ نماذج أخرى فى "المصور". وعندئذ بلغنى عن طريق صديقى المرحوم سامى خشبة عتاب من الفقيد سلامة أحمد سلامة. قال سلامة لسامى: "لماذا نشر صديقك هذه الكتابات فى "المصور"؟ كان ينبغى أن يأتى بها إلى "الأهرام". كنا سنرحب بها". وعندما التقيت بسلامة بعد ذلك وسعدت بالتعرف عليه، لم يشر من قريب أو بعيد إلى ما حدث فى سنة 1985 وما تلاها. ولكن عتابه ظل عالقا بذهنى حتى اليوم. وأنا إذ أعود الآن إلى "الأهرام" لنشر مخطوطات طه حسين الفرنسية مترجمة إلى العربية أنتهز الفرصة لكى أعرب عن أسفى لغياب سامى وسلامة.
وقد ظلت هذه المخطوطات الفرنسية مطوية لسنوات طويلة بين الأوراق التى خلفها طه حسين، ونجت لحسن الحظ سليمة أو تكاد مما أصاب أوراقا أخرى فقدت فيما يبدو إلى الأبد. ويعنى ظهور هذه المخطوطات فى الوقت الحاضر فتح ملف خيل إلى أنه أغلق وأردت له أن يطوى. وذلك أننى ظننت أن كتاب "من الشاطئ الآخر" يضم معظم الكتابات الفرنسية لطه حسين، وأنه لم يبق منها إلا قليلا قد تتكشف عنه الأيام، وعندئذ يضاف إلى الكتاب فى طبعة مزيدة ومنقحة. وهو ما حدث بالفعل فى الطبعة الثالثة من الكتاب (المجلس القومى للترجمة، 2008). وكنت قد نشرت فيما بين الطبعة الأولى والطبعة الثالثة عددا من الكتب عن طه حسين، ورأيت أننى أديت الواجب نحوه، وأن الأوان قد آن لكى أنصرف إلى أعمال أخرى.
ومن الواضح الآن أننى كنت واهما، وأن طه حسين لا يريد لملفه أن يطوى لا فى حياتى ولا فى حياة الغير. فها هى مخطوطاته الفرنسية تخرج من زوايا النسيان وتطالبنى بأن أعنى بها. وها هو المارد يخرج من القمقم.
طه حسين لا يفتأ يفاجئونا ويدهشنا. المخطوطات التى أقدمها الآن لقراء "الأهرام" مهمة من حيث الكم. فلسنا هنا بصدد ورقة أو أوراق نادرة كانت شاردة هنا أو هناك، بل نحن نواجه مجموعة يعتد بها من النصوص التى لا يجوز أن تضاف إلى كتاب آخر، بل ينبغى أن تجمع فى كتاب قائم بذاته، وأرجو أن يصدر قريبا. زد على ذلك أن هذه المخطوطات مهمة من حيث الكيف وبفضل قيمتها الذاتية. أولا لأنها تدلنا لأول مرة وعلى وجه أقرب إلى اليقين على طريقة طه حسين فى التأليف. نحن نعلم أنه كان يملى ولا يكتب؛ وقد صرح بذلك فى إحدى كتاباته الفرنسية (انظر مقالة "أنا لا أكتب وإنما أملى"ِ، كتاب "من الشاطئ الآخر"). ولكننا نعلم أيضا أنه كان يرتجل أحيانا من وحى المناسبة وفى مواجهة الجمهور. ولكن أين ينتهى دور الإملاء ويبدأ دور الارتجال فى مؤلفات طه حسين؟ نستطيع أن نقطع بأنه كان يعتمد على الإملاء فى كل ما نشره بالعربية من كتب أو مقالات سواء جمعت فى كتب أو نشرت متفرقة. وفى مثل هذه الحالات كانت النصوص المملاة يدفع بها إلى المطبعة لكى تنشر فى صورتها النهائية، وعندئذ ينتهى دور المخطوطات وتختفى فى المطبعة. ومن أمثلة ذلك محاضرات طه حسين التى ألقاها على طلاب الجامعة المصرية عن الشعر الجاهلى (1925) أو مقالاته التى نشرت متفرقة ثم جمعت فى "حديث الأربعاء" أو فى "على هامش السيرة". فلم يبق من هذه الكتابات مخطوطات بعد طبعها: كان طه حسين يسلمها إلى المطبعة ولا يحتفظ لنفسه بنسخ منها.
ولكن ماذا نقول عن محاضرات طه حسين ومقالاته وخطبه وتصريحاته التى ألفها بالفرنسية؟ بعض هذه الكتابات ينطبق عليها ما قلت عن الكتابات العربية؛ فقد بقى لدينا منها نص مطبوع واختفت مخطوطاتها فى معظم الحالات. ومن هذه الكتابات على سبيل المثال دراسة كتبها طه حسين ونشرت تحت عنوان "البيان العربى من الجاحظ إلى عبد القاهر"، وترجمها محمد عبد الله عنان. وهناك نص مطبوع من النص الفرنسى ونص آخر مطبوع من الترجمة العربية. ولا يوجد نص مخطوط. أما إذا صرفنا النظر عن هذه الحالات، فقد يخيل إلينا أن طه حسين كان يرتجل ولا يملى. فهو يلقى الدراسة أو المقالة أو يدلى بالتصريح، وقد يشاء الحظ أن يسجل النص أو يلخص أو يضيع "فى الهواء". ذلك ما يبدو لأول وهلة ولكنه غير صحيح. فهذه المخطوطات التى ظهرت أخيرا تدل على أن طه حسين كان فى معظم الحالات يملى مؤلفاته الفرنسية. كان يملى على من يكتب ما يقول على الآلة الكاتبة أو بخط اليد، وكان يحفظ هذه النصوص عن ظهر قلب أثناء إملائها أو عند تلاوتها عليه بعد تسجيلها وتنقيحها فى بعض الأحيان.
ومعنى ذلك أن حظ الارتجال هنا قليل جدا. فقد كان لدى طه فى معظم الحالات نص يمليه ويحفظه فى ذاكرته قبل أن يواجه الجمهور فيسترجعه أمام السامعين كلمة بكلمة إلا أن يتصرف هنا أو هناك إذا لم تسعفه الذاكرة. كان يحفظ النص أثناء الإملاء أو عندما يتلى عليه بعد التدوين أو عند تنقيحه – وهو ما كان يحدث أحيانا. ويفسر لنا حفظ النص على هذا النحو تأنى طه حسين فى الإلقاء، وإتقانه حسن النطق (مخارج الحروف) والإعراب، وتفننه فى توقيع الكلام. فكأنه ممثل يحسن الأداء بعد أن تلقن الدور وأحسن الحفظ بفضل "البروفات"، وأصبح بمقدوره عندئذ أن ينغمه أو يلونه كما يشاء. وتدلنا هذه المخطوطات بالتالى على أن طه حسين إن كان قليل الارتجال، فقد كان صاحب ذاكرة خارقة، وبخاصة إذا تذكرنا أن بعض هذه النصوص طويل، وصعب من الناحية الفنية، وكثير التفاصيل، ويتضمن أحيانا استشهادات شعرية كثيرة الأبيات.
وبعض هذه المخطوطات يحمل تصويبات (ما بين إضافة وشطب) كتبت بخط اليد. وهو ما يدل على أن طه حسين كان يعنى بتنقيح هذه النصوص قبل نشرها أو إلقائها. فكيف كانت طبيعة دوره فى هذا التنقيح؟ لا نستطيع أن نحدد صاحب القلم الذى كتبت به هذه التصويبات؛ فهناك عدة احتمالات. من المؤكد أن سوزان طه حسين كانت تتدخل أحيانا فتدخل تعديلات تشمل تصحيح أخطاء النحو والهجاء وقد تشمل تحسين العبارة. ولكن كان هناك أيضا آخرون من المحتمل أنهم كانوا يؤدون مهمة مشابهة مثل أمينة طه حسين أو مؤنس طه حسين، أو أى شخص - مثل سكرتيره - يكون متاحا فى الوقت المناسب حتى ولو لم يكن من أفراد الأسرة. ولكن لنا أن نفترض أن التصحيحات – أيا من كان المصحح – كانت تعرض على المؤلف وتجرى بموافقته.
أما فيما يتعلق بقيمة هذه الكتابات المخطوطة من حيث محتواها، فلا بد أن نؤكد أنها بالغة الأهمية. وذلك أنها تكشف عن جوانب نجهلها بدرجة أو بأخرى من فكر طه حسين وتثير الدهشة والتعجب والإعجاب فى بعض الحالات. بعض هذه الكتابات يفاجؤنا اليوم لأنه ما زال حيا أو "راهنيا" كما يقال. ومثال ذلك رسالة يقدم فيها كاتبها شرحا واضحا وحكما قاطعا فيما يتعلق بفترة الحكم العثمانى فى مصر؛ ومقالة أخرى عنوانها "مشكلة الشرق"، وهو يشرح فيها المشكلات التى تعترض طريق التفاهم والسلام بين الشرق والغرب، مركزا على قضيتين - قضية شمال إفريقيا (المغرب العربى) وقضية فلسطين - ويدلى فيهما برأى حاسم ينهى الجدل لدى العقلاء حول موقفه من موضوع الجزائر ("الفرنسية")، وحول اتهامه بالتقصير فى حق القضية الفلسطينية. فطه حسين لا يتهاون ولا يهادن فى الحالتين، بل يرسم بوضوح حدود العالم العربى من ناحية الغرب وحدود فلسطين العربية مجردة من دعاوى الصهيونية وأطماعها.
ولا يفوتنى أن أشير هنا إلى تقييم دور طه حسين كوسيط بين الثقافتين: الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية. فطه حسين عندما يتكلم الفرنسية ويوجه بها الخطاب إلى الفرنسيين والعالم الغربى بصفة عامة لا يسعى إلى إيجاد حل وسط أيا ما كان. صحيح أنه يحاول مد الجسور بين شاطئي البحر المتوسط؛ وصحيح أنه يرى ضرورة التعلم من الغرب ونقل علومه وفنونه وأساليب حضارته، ولكنه يعرف أين ينبغى أن توضع الحدود. فهو يحرص فى هذه المخطوطات على تمجيد الثقافة العربية اِلإسلامية وعلى نقل وجهة نظر العرب والمسلمين صريحة قاطعة إلى الغرب ويواجه هذا الطرف الأخير ويصادمه بحقائق الجغرافيا والتاريخ والعدل. وهو رغم هيامه بفرنسا يقرر أن شمال أفريقيا (بما فى ذلك الجزائر بطبيعة الحال) عربى حتى المحيط الأطلسى؛ وهو رغم عدائه للنازية يقرر أن أرض فلسطين التاريخية فلسطينية وستبقى كذلك. وبهذا المعنى ليس لدى طه حسين حلول وسط.
والصورة المألوفة عن طه حسين هى أنه "أديب". فهكذا وصف نفسه، وبهذه الصفة أراد أن يعرف. ولكن كثيرا من قراء طه حسين يأخذون هذا الوصف على علاته ويغترون بالحديث العذب والكلام المنمق، وينسون أن الأديب فى عرف طه حسين هو كما قال القدماء من يأخذ من كل شيء بطرف. والكتابات المخطوطة التى نحن بصددها تذكرنا باطراف من اهتمامات طه حسين قد يحلو لنا أن نغفلها لأنها صعبة وشائكة وتخرج عن نطاق الأدب بالمعنى الضيق. وهناك إذن مقالة عن إصلاح النحو تذكرنا بطه حسين عالم النحو؛ ودراسة أخرى يقارن فيها بين علماء الكلام المسلمين وبين الفيلسوف الألمانى ليبنتز، وتذكرنا باهتمامات طه حسين الفلسفية و"اللاهوتية". وذلك أن طه لم ينس قط الدروس التى تلقاها فى الأزهر فى علم التوحيد. كلا ولم ينس قط الصدمة التى تلقاها عندما درس أبا العلاء وما تركت فى نفسه من هزات فكرية بعيدة المدى.
ولقد قلت غير مرة إن طه حسين أقرب أدباء القرن العشرين إلى الفلاسفة. فلو لم يكن أديبا، لكان فيلسوفا. وهنا أشير بصفة خاصة إلى مقالة فريدة فى أصالتها وعمقها. وأعنى بذلك مقالة يشرح فيها بلاغة القرآن الكريم لغير المسلمين. وهى مثار للتعجب والإعجاب لأنه يشرح فيها "إعجاز" القرآن من الناحية الأدبية لمن يجهل العربية أو ينكر على القرآن امتيازه وسموه. وتلك مهمة صعبة، ولكن الصعوبة لا تثنى المؤلف المقدام عن التصدى لها. وهو يلزم نفسه فى هذا السباق بما لا يلزم فيتطرق بحديثه إلى الموسيقى التى يعرفها عن طريق السمع وإلى الفنون التشكيلية البصرية التى يجهلها. وطه حسين يؤدى فى هذه الدراسة المستفيضة دور الفيلسوف لأنه يتناول جماليات النص القرآنى وطابعه "التشكيلى".
وللاهتمام بالجوانب الفلسفية من تفكير طه حسين أهمية أساسية فى فهم كتاباته المطولة فى تاريخ الأدب والنقد، وقضية المنهج، والشك، والعلاقة بين العلم والدين. فهى كتابات تتحرك رغم الحديث الهادئ الرائق فوق تيار عميق من المسائل الأساسية، وقلق لا يتوقف بشأنها، وأجوبة متقلبة لا تستقر.

يجد القارئ فيما يلى نص رسالتين كتبتا بالفرنسية أولاهما كانت موجهة إلى طه حسين من وزير تركى لا نستطيع تبين اسمه من توقيعه؛ وتتعلق بآراء نشرها طه حسين فى تلك الفترة (سنة 1945) عن حكم الأتراك العثمانيين لمصر. والرسالة الثانية تتضمن رد طه حسين على الوزير التركى؛ وقد كتبت بخط اليد وتحمل كثيرا من التصويبات. ومن الواضح أن آراء طه حسين عن الحكم العثمانى فى مصر لم ترق للمسئول التركى وحاول تفنيدها فى رسالته، وإن حرص فى ذلك على الالتزام باللياقة الدبلوماسية والأدب الجم. فهو يغلف انتقاداته لآراء طه حسين بغلالة من التقدير والاحترام. ومن الملاحظ أيضا أن كاتب الرسالة بالإضافة إلى حصافته يدعم آراءه بمعلومات تاريخية واسعة النطاق لأنه يعلم أنه يناقش طه حسين المؤرخ. ولكن هذا الأخير لا تنطلى عليه تلك الحيل ولا يشتت انتباهه توسيع نطاق النقاش وتعدد الأمثلة، بل يعيد تركيز الحديث على المحور المحدد الذى يعنيه، وهو فترة الحكم العثمانى لمصر. وهو فى هذا النطاق يضع تفرقة حاسمة بين نوعين من الحكم شهدتهما مصر عبر التاريخ: حكم تتمتع فى ظله بالاستقلال والازدهار حتى ولو كان الحاكم فى الأصل أجنبيا مثل البطالمة والفاطميين وسلاطين المماليك ومحمد على (الألبانى)؛
وحكم تفقد مصر فى ظله استقلالها ولا تتتج شيئا ذا بال لأنها تستنفد طاقتها فى مقاومة الحكم الذى لا يمثلها، حتى ولو كان حكما إسلاميا مثل خلافة بغداد أو حكم بنى عثمان. ومعيار التفرقة فى نظر طه حسين هو إلى أى حد يحرص الحكم المعنى على استقلال مصر ويسهر على مصالحها ويحمى أمنها القومى ويبسط نفوذها فى العالم. ومن الجدير بالنظر فى هذا السياق تمجيد طه حسين السلاطين المماليك وازدهار مصر فى ظل حكمهم. والمماليك الذين يعنيهم هم المماليك الأول مثل قنصوة الغورى والظاهر بيبرس والملك الأشرف قلاوون، وليسوا المماليك المتأخرين الذين أخضعتهم الخلافة العثمانية وجعلتهم ولاة على مصر وأشركتهم فى استنفاد مواردها إلى أن قضى عليهم محمد على. يقول طه حسين فى إحدى كتاباته الفرنسية عن تدهور المماليك وانحطاطهم فى ظل الحكم التركى: "وخلال ثلاثة قرون خضعت مصر لطغيان السلاطين الترك ولطغيان الولاة المماليك على حد سواء؛ وذلك أن المماليك – وقد عز عليهم أن يتقبلوا فقدان ملكهم – كانوا يقاومون [الأتراك] بقدر استطاعتهم وأصبحوا بمرور الزمن لا يمثلون إلا الفوضى. وكان المهم بالنسبة لهم أن يقاوموا الأتراك وأن يوقعوا الضرر بهم وأن يحولوا بينهم وبين الحكم الهادئ الذى كانوا يحلمون به. بيد أن المماليك قد انتهوا بفضل المقاومة على هذا النحو الفوضوى إلى إسخاط الأتراك والمصريين المساكين فى آن واحد. وفى تلك الفترة انقطعت كل العلاقات الخصيبة بين مصر والعالم الخارجى، وفرضت العزلة على مصر، وسقطت فى وهدة الجهل الأعظم..."

رسالة الوزير التركى إلى طه حسين
الوفد التركى القاهرة ، الخامس من مايو 1945
يا صاحب السعادة
نشرت جريدة La Bourse Egyptienne فى 3 مايو مقتطفات من تصريحات أدليتم بها إلى مراسل لمجلة صدرت مؤخرا. وهى تتسم كما هى العادة دائما بسمو الفكر وعمق النظر اللذين يميزان جميع تصريحاتكم. ولن أخاطر بالإعراب عن وجهة نظرى في موضوع يتجاوز كفاءتي، ولكنى أود أن تتكرم سعادتكم بتوضيح لغز يشغل فكرى.
تقولون سعادتكم "إن مصر بقيت مستقلة، وإنها أقامت مع العالم الخارجى صلات مزدهرة إلى أن أنهى الأتراك العثمانيون استقلالها فحصروها فى نطاق العزلة القاتلة." وهو ما يعنى يقينا باللغة العادية أن مصر ألقى بها فى عزلة أفضت إلى انحطاط روحى وخلقى بسبب الغزو التركى الذى قضى على كل مظاهر الفكر وعلى مسيرة التقدم المادى.
أرجو أن تكونوا على ثقة من أنه ليس فى نواياى على الإطلاق أن أناقش هذا القول الذى أصبح شعارا منتشرا في جميع البلدان التى كونت فيما مضى جماع الإِمبراطورية العثمانية. فتركيا هى التى يقول المفكرون الشرقيون المتشبعون بالروح المشرقية إنها عرقلت بإدارتها السيئة وعيوبها الأخرى خطى الحضارة في هذه الدول، وحالت دون ازدهار الفكر، مصدر كل نشاط بشرى. وأنتم سعادتكم تسمعون هذا الترجيع فى اليونان كما تسمعونه فى بلغاريا ورومانيا ويوغوسلافيا، بل وفى المجر حيث لا يجد أساتذة الفكر أى سبب آخر لتفسير الضعف الظاهر في المجال الروحى والأخلاقى الذى يلاحظونه في بلد كل منهم.
والعزلة القاتلة فى حالة البلدان الإسلامية التى تتحدثون عنها سعادتكم ينبغى ألا تعزى إلى القرن السادس عشر. فقد بلغت هذه العزلة أوجها بداية من القرن الثالث عشر عقب الحروب الصليبية، وغزوات المغول، والاضطرابات الداخلية التى دمرت الشرق الأوسط. وقد وقع العالم العربى فى وهدة العزلة القاتلة إذن بسبب عوامل أخرى لا بسبب الأتراك العثمانيين كما يحلو لسعادتكم أن تقولوا. ومن المؤكد أنه ليس بوسع أحد أن يجهل ما قدمه العرب والشعوب المعربة من مساهمة رائعة في حضارة تلك الفترة البطولية. ولكن من شأِن التدهور أن يعقب الذروة – وإلا لما كان ذلك عملية عادية – وقد بدأ هذا الانحطاط يتجلى لا فى المجال الحربى فقط ولكن فى مجال الفنون والفكر أيضا. ولذلك فبينما أدى تجدد آداب القدماء ومعارفهم المعمقة فى الغرب فى القرن الخامس عشر إلى حركة النهضة، فإن الشرق الأوسط كان يوجد فى تلك الفترة فى غمرة الفوضى الكاملة من الناحية الحربية والروحية. وكانت العزلة القاتلة كاملة قبل ِأن تبسط تركيا غزوها على البلدان العربية. وحتى إذا سلمنا [على سبيل الجدل] بأن تركيا قمعت فى مصر كل مظاهر الفكر، فكيف يمكن عندئذ تفسير التدهور الفكرى الذى أصاب بلدانا إسلامية أخرى مثل إيران، وأفغانستان، وجزر الهند الشرقية المسلمة، وتونس، والجزائر،
وهى بلدان لم تطأ أرضها قط قدما جندى أو موظف تركى [؟] وإذا كان الأتراك اضطهدوا التعليم والتربية، فلماذا لم يزدهر الفن والعلم والمعرفة في بقية العالم اِلإسلامى [؟] وماذا عسى أن يقال عن المغرب الذى لم يكتشف الفرنسيون فيه فى سنة 1912 سوى كائنات بدائية جاهلة وشبه متوحشة، هذه الكائنات التى حكم أجدادها القدماء شبه الجزيرة الآيبيرية على نحو باهر لعدة قرون[؟] فلم تكن الإدارة التركية يا صاحب السعادة هي التى أوقعت هذه البلاد فى حالة البؤس والجهل والخراب التى نعرفها. وأعتقد أن السير البطيء الذى نلاحظه فى الشرق وفي العالم الإسلامى بصفة عامة يجب أن يفسر بظاهرة ذات طابع عام. وإن عقلا مرموقا مثل عقلكم لقادر على اكتشاف العلة والتعبير عنها بكل صراحة.
ولقد سمحت لنفسى بأن أوجه إليكم هذه السطور لكى أؤكد لكم أولا احترامى العميق الذى أشعر به نحو شخصكم، ولأخبر سعادتكم ثانيا أننى أود أن أرى فى حججكم النقدية ورسائلكم الفلسفية حقائق ترتفع عن المستوى العادى وتظل خالية من كل تعصب بال عتيق.
وأرجو يا صاحب السعادة أن تتقبلوا فائق احترامى وخالص مودتى.

التوقيع [غير واضح]
رد العميد عليها
السيد الوزير،
تلقيت منذ بضعة أيام الخطاب الذى تفضلت سعادتكم بكتابته لى فيما يتعلق بتصريح كنت قد أدليت به لمجلة جديدة وترجمته [جريدة] La Bourse.
اسمحوا لى أولا بأن أشكر سعادتكم بكل إخلاص على الكلمات الطيبة التى توجهونها إلى وعلى حسن رأيكم في.
ولتطمئن سعادتكم: فإنى عندما أدليت بتصريحي لم أرد التقليل من شأن أحد أو أن أجامل أحدا. ولم يدفعنى إلى قول ما قلت إلا الحرص على الحقيقة التاريخية.
وليس لدى ما يكفى من الكفاءة ما يؤهلنى لمناقشة وضع البلدان التي تذكرونها سعادتكم في آسيا وفى أفريقيا وفي أوروبا، ولكنى أعلم أننى فيما يتعلق بمصر قلت الحقيقة الصادقة. فقبل الغزو العثماني كان بلدنا يتمتع باستقلال تام سمح له بإقامة علاقات دبلوماسية، واقتصادية، بل وعلمية مع أوروبا المتوسطية. وكانت حضارة بلدنا مزدهرة، وتولت القاهرة في العالم الإسلامي دور الاسكندرية في العالم الهلنستى، وكانت جامعة الأزهر لدينا والمدارس التى أنشأها السلاطين المماليك في كل مكان تقريبا تلعب دورا يشبه إلى حد كبير دور متحف البطالمة. والغريب فى الأمر أن نهضة علمية وأدبية وفنية فى مصر خلال القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر كانت موافقة للنهضة الأوروبية الأولى. وكان من المحتمل تماما أن تتمكن مصر لولا الغزو العثمانى من أن تشارك في النهضة الأوروبية الثانية في العصر الحديث.
وإذا طلبتم سعادتكم إلى تقديم أدلة على ذلك، فإنى أرجوكم أن تنظروا إلى آثار القاهرة لتلك الفترة وأن تروا أن مصر في تلك الفترة على وجه التحديد أعطت العالم اِلإسلامى مصنفاتها الإنسكليوبيدية الرائعة التى استطاعت، بجمعها حصيلة المعرفة الإِنسانية فى هذا الفرع أو ذاك من فروع الحياة الفكرية، أن تصون تراث الحضارة العربية.
ويكفينى أن أذكر القلقشندى والنويرى والعمرى والمقريزى لكى أثبت أن مصر فى ظل السلاطين المماليك صانت ونقلت إلى أجيال المسلمين خلاصة ما أنتجه العقل اِلإسلامى خلال سبعة أو ثمانية قرون من التاريخ.
يضاف إلى ذلك أن هناك ظاهرة ثابتة في تاريخ مصر، وهى أن من المستحيل بالنسبة لها أن تنتج شيئا مهما في حياة العقل إذا لم تتمتع باستقلال فعلى بدرجة أو بأخرى.
وهى عندما تخضع لسيطرة أجنبية تصاب بالإنهاك فى كفاحها من أجل الحرية. وهو كفاح يستنفد طاقتها بصفة تامة تقريبا.
فهى فى ظل السيطرة الفارسية وفى ظل السيطرة الرومانية لم تعط أى شيء مهم تقريبا. أما عصر البطالمة فكان فترة من الخصوبة المثيرة للدهشة. فمصر تحت حكم البطالمة كانت حرة، كان لديها ملوكها، وعاصمتها، وجيوشها البرية والبحرية. وتوجد نفس الظاهرة في العصر الإسلامى؛ ففى ظل خلافة المدينة ودمشق وبغداد كانت الحياة الفكرية المصرية متدنية تقريبا، ولكنها ما إن استعادت قدرا من استقلالها مع مجيء الطولونيين والإخشيديين حتى بدأت تصبح عاملا أساسيا في حياة العقل الإسلامى. وأخذت مصر مع وصول الفاطميين والأيوبيين والمماليك تستعيد استقلالها الكامل وتبسط سيطرتها خارج حدودها، وأصبحت القاهرة على الفور منافسا شديد الخطر لبغداد فى الشرق وقرطبة فى الغرب. وعندما وقعت بغداد تحت ضربات المغول ووقعت قرطبة تحت ضربات مسيحيى إسبانيا، بقيت القاهرة وحدها هى العاصمة الفكرية للعالم الإسلامى.
ثم يصل الأتراك العثمانيون فتنحدر مصر إلى مرتبة إقليم فى اِلإمبراطورية التركية كما كانت إقليما في الإمبراطورية البيزنطية والإِمبراطورية الرومانية. وترتد من ثم إلى حالة التدنى.
ومع مجيء القرن التاسع عشر تستعيد مصر استقلابها شيئا فشيئا وتسترجع فى نفس الوقت شيئا فشيئا حياة عقلية نشطة.
وهكذا ترون سعادتكم أننى عندما أدليت بتصريحى لم أفعل شيئا سوى أننى لاحظت ظاهرة ثابتة فى تاريخ أمتنا، ولا شيء غير ذلك.
وعلاوة على ذلك ألا تعتقدون سعادتكم أن من المستحسن دراسة التاريخ بروح موضوعية بقدر اِلإمكان؟
فذلك مما يرضى العقل والقلب فى آن واحد، إذ يعطى أحدهما متعة تأمل الحقيقة ويخلص الآخر من كثير من الآفكار المسبقة التى تصيب بني الإنسان بالشر أكثر مما تقدم لهم من الخير.
وأنا إذ أكرر شكرى أرجوكم أن تتقبلوا... فائق احترامى.
طه حسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.