هذه هي المرة الأولي التي يطرح فيها الرأسماليون المصريون من خلال واحد من أهم قياداتهم مبادرة جديرة بالتشجيع والاحتفاء. فقد وجه محمد فريد خميس رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين رسالة مفتوحة باسم زملائه من كبار رجال الصناعة المصريين إلي الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء المكلف يدعو فيها إلي اتخاذ إجراءات عاجلة تحمل في طياتها اتجاها معاكسا لما كانت تدعو إليه الرأسمالية المصرية منذ تدشين سياسة الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي, فقد تعودنا من كبار الرأسماليين المصريين الضغط علي الحكومات المتتالية من أجل إلغاء أي قيود أو ضوابط علي التجارة الداخلية والخارجية والمطالبة بفتح الباب واسعا أمام الاستيراد والإسراع ببيع شركات القطاع العام, وعدم فرض أي ضرائب جديدة أو زيادة الضرائب الحالية, والتصدي لأي محاولة لإصدار قوانين تحمي العمال من الاستغلال الرأسمالي, أو تحقق زيادة في الأجور, فضلا عن المطالبة بتعديل قانون العمل بما يسمح لهم بالتوسع في الاستغناء عن العمال وهو ما تحقق فعلا في قانون العمل الجديد الصادر عام2002, لم يكن هناك ما يشير إلي إدراك الرأسماليين المصريين لمسئوليتهم الاجتماعية ودورهم في تحقيق التوازن بين مصالحهم ومصالح العمال, وعلي العكس من هذا فإننا نري في المبادرة المطروحة رؤية جديدة يؤكدون من خلالها كرجال صناعة وكمستثمرين( أنه لا توجد لدينا أي مطالب فئوية, لأننا نعي دورنا في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ وطننا وسنؤدي واجبنا الوطني من خلال إيجاد فرص عمل جديدة بإقامة المزيد من المصانع والتوسعات والاستثمارات وتحسين دخول وزيادة الإنتاج لرفع معدلات التصدير). تدعو المبادرة إلي مواجهة تحديات تزايد العجز في الموازنة العامة للدولة بعدة إجراءات تتحمل من خلالها الرأسمالية المصرية نصيبها في سد هذ العجز الذي يتزايد بينما هناك إنفاق متزايد لتلبية مطالب المصريين من خلال حد أدني للأجور يؤيدونه ويوافقون عليه, وتوفير الإسكان المناسب وضمان جودة العلاج والتعليم, تتطلب المبادرة في هذه الدعوة من فكرة رئيسية كانت دائما موضوع إنكار قيادات الحكم السابق وحلفائه من كبار الرأسماليين المصريين دعاة الليبرالية الجديدة التي تدعو إلي حرية السوق دون أي اعتبار للأوضاع الاجتماعية, هذه الفكرة التي كانت موضوع إنكار في السابق وتنطلق منها المبادرة الآن هي( أن العدالة الاجتماعية هي حجر الزاوية لأهداف ثورة52 يناير لأنه لا كرامة تصان ولا حرية يتيسر تحقيقها دون عدالة تسهم في إعادة توزيع الفرص وضمان حد أدني من مستوي المعيشة يحفظ للمواطن المصري كرامته ويصون قدرته علي العطاء), هذا الربط بين الحرية والكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية أمر جيد في تفكير الرأسمالية المصرية ينبغي أن نقدره لأصحاب المبادرة ونرجو أن يتسع المؤيدون له في صفوف الرأسمالية المصرية وأن ينعكس عمليا علي مواقفها وسلوكها في الفترة القادمة, لأنه يمكن أن يكون حجر الزاوية في صياغة السياسات العامة للحكم مستقبلا. أما الإجراءات التي تطالب المبادرة باتخاذها فإنها تعتبر مفاجأة حقيقية لأنها تعني قبول الرأسمالية المصرية تحمل نصيبها في سد العجز في الموازنة العامة, وتقدر المبادرة أن هذه الإجراءات كفيلة بسد هذا العجز الذي يصل إلي مائة مليار جنيه, وتشمل هذه الإجراءات: أولا: زيادة ضرائب الدخل والأخذ بنظام الضريبة التصاعدية لتصل إلي03% وفقا لشرائح الدخل الصافي(02% حتي01 ملايين جنيه تزداد بمعدل5% حتي05 مليون جنيه, ثم تصبح الزيادة01% لمن زاد علي05 مليون جنيه). ثانيا: دراسة زيادة رسوم التنمية عند استيراد السلع الكمالية مثل السيارات الفارهة والتبغ والخمور. ثالثا: إعادة النظر في دعم الطاقة, خاصة تلك الكيانات كثيفة الاستخدام, وكذلك ترشيد الدعم عموما بأن يصل الدعم لمستحقيه فقط دون انتقاص. رابعا: زيادة الرسوم الجمركية علي السلع من مواد خام حتي تامة الصنع بمعدل من5% إلي01% مع الحفاظ علي نسبة ال03% كحد أقصي طبقا لتعهدات مصر مع المنظمات الدولية. ونحن نضيف بدورنا إلي هذه الإجراءات ما يساعد علي زيادة الموارد مثل: فرض ضريبة علي الأرباح المتحققة من التعاملات في البورصة. فرض ضريبة علي الأرباح الرأسمالية في الاستثمار العقاري التي تتحقق من المتاجرة في أراضي البناء أو العقارات بسبب الاحتفاظ بها فترة من الزمن دون أي تغيير فيها. وبالنسبة لتحقيق التنمية الصناعية لإيجاد فرص عمل جديدة وتحسين الدخول وزيادة الناتج المحلي تشير المبادرة إلي أن توقف0051 مصنع في المدن الصناعية الجديدة يتطلب عدة إجراءات لتشجيع الرأسمالية الصناعية المصرية مثل: وضع الصناع المصريين علي قدم المساواة مع منافسيهم الأجانب. حماية الصناعات المصرية من المنافسة الأجنبية بما في ذلك فرض رسوم إغراق منع مزيد من التدهور للصناعات التي تأثرت بالمنافسة الأجنبية مثل صناعة الغزل والنسيج والبتروكيماويات. مراجعة الإجراءات المعقدة والمكلفة من رسوم وخطابات الضمان لخفض تكلفة الاستثمار. اتباع سياسة حازمة ورادعة لمكافحة التهريب الذي يؤثر علي الإنتاج المصري ويضعف من قدرته التنافسية. حظر الاستيراد من الخارج للجهاز الحكومي والاعتماد علي الإنتاج المحلي وإلزام المقاولين والموردين الأجانب بنسبة تصنيع محلي لا تقل عن06% من مبلغ العطاء. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. هذه الإجراءات المقترحة تصب بالفعل في مصلحة الاقتصاد المصري وتساعد الرأسمالية المصرية علي مواجهة المنافسة الأجنبية وهي تمثل اتجاها جديدا في موقف الرأسمالية المصرية. هل يمكن القول أن ثورة52 يناير قد تعود بالرأسمالية المصرية إلي الوعي بمصالحها المتعارضة مع الاندماج في السوق الرأسمالية العالمية والمرتبطة أساسا بالمصالح الأساسية للشعب المصري, إن المبادرة المطروحة تشير إلي إمكانية تحقق هذا ولكنها تحتاج إلي مزيد من المساندة وحشد التأييد لها من جانب المستثمرين ورجال الأعمال ومزيد من التشجيع من جانب كل القوي السياسية. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر