الأديب محسن يونس في "سيرة جزيرة تدعي ديامو " و التي صنفها الكاتب بوصفها "موجات قصصية " حاول فيها أن يصنع عبر "52" نصا عالما قريبا من الرواية ، و ليس من جنسها ، و قريبا من القصة القصيرة و لا يخضع لشروطها فقد انفصل الكاتب بجزيرته و صنع عالما موازيا لعله أمثولة، حتي لا يستطيع القارئ أن يتيقن هل الجزيرة موجودة فعلا في واقعنا أم مجرد خيال، حتي أن الشخصيات بدت جزرا لكل كائن فيها جزيرته ، للبهلوان جزيرته ، و للعجوز جزيرته ، و للعروس التي تغادر بيوت أزواجها الخمسة جزيرتها . يقول الكاتب في إحدي موجاته : " يا أهل ديامو ! تعالوا للجد الحكاية السابقة _ و المجد للحكاية- عن أوراق الشجر ، أوراق البنكنوت ، حكاية متخيلة ، فأنتم تعرفون الشجر حقيقة ، كما تعرفون أنفسكم و جزيرتكم ،تحبون الخيال ،أعطيناكم منه و زدنا حبتين ، فهل اعتبرتم بها ؟!!. و هو ما يدفعنا للقول بأن موجات محسن يونس القصصية تعني أول ما تعني بالتركيز علي المعني ،من خلال ذاكرة تفترض الأشياء و الوقائع و الأحداث و الشخصيات التي قد تتشابه مع واقع لكنها تعيد تشكيله من منظور مختلف و منطق فني مغاير يحيله إلي عالم الأمثولة و ذلك لمعالجة أسئلة الحياة و الموت و الحق و الباطل و الغرائز الإنسانية بخيرها و شرها . و قد حاول الكاتب باقتدار أن ينتمي الي قارئه محتملا لهذا الواقع المتخيل و الخيال الواقعي ، أن يجد فيه القارئ شيئا مستعادا من حياته ، كما حاول الكاتب في جل نصوصه أن يقدم لنا الأحداث هامشية ، تتري الواحدة فيها تلو الأخري أو تتراكم بعضها فوق بعض حتي لتبدو في النهاية كالجبل الراسخ فوق الصدور ، و المتأمل جيدا في الموجات سيلاحظ أن أول جملة في أول موجة قصصية و المعنونة ب " كل ساقط صاعد و العكس " تقول : ( تطايرت صرخات أم ديامو العجوز ) لها ارتباط وثيق بأول جملة في آخر موجة قصصية ( كانت أم ديامو العجوز تتلوي ) ثم آخر جملة في الموجة الأولي علي لسان العجوز أم ديامو ( كنت أضرب مثلا يا بهاليل كل ساقط صاعد لو تعلمون يا حمقي ) مع آخر جملة في الموجة الأخيرة علي لسان العجوز أيضا : ( في كل مناماتي كان يقيني أنني لن أغرق ) . و هكذا نري أن الكاتب يقلبنا مع الموجات التي تتوالي و لا تكتمل موجتها الأخيرة إلا باصطدامها عند الشاطئ الأخير ، و لعلي أري أن النماذج البشرية التي صورها الكاتب نماذجا انعكاسية ، أي التي انعكست في مرآة الكاتب أو في ذاته فأحالها إلي شئ آخر. يتزوج أبوعرام _ ذلك الأرمل - بفتاة غريبة جاء بها الي الجزيرة ، فأعادته الي شبابه و عندما تتمرد عليه ، و لا يستطيع كبح جماحها يتزوج بأخري ، ثم ثالثة و في النهاية كان أبوعرام ما زال يبحث عن شئ لا ندركه . إلي غير ذلك من نماذج و موجات يمثل فيها ضمير الغائب حضورا طاغيا ، و الكاتب يقوم بتحضير الأحداث و الوقائع و الشخصيات من ذاته ثم يلبسها الأقنعة فلا نستطيع أن ننسبها إلي الواقع و لا نعتقد أنها من الخيال ، فكما أن اللغة في الفن منحرفة عن اللغة في الحياة فكذلك الأحداث و الوقائع و الشخصيات منحرفة و مختلفة عن الواقع و ليست أيضا من الخيال لأنها دخلت عقل الكاتب الذي فيه كل هذه الأشياء و لكنه حال إخراجها استوت أمامنا شيئا آخر فيه كل هذا و لكنه ليس أيا منها . * محمد الدسوقي : قاص وناقد من جنوبسيناء .