حصل اليوم السابع على التقرير السنوى الخامس، الذى يصدره المجلس القومى لحقوق الإنسان، والذى تناول حالة حقوق الإنسان فى 5 أبواب، فالباب الأول جاء تحت عنوان "حالة حقوق الإنسان فى مصر عام 2008"، رصد خلاله الحقوق المدنية والسياسية، كما تناول أيضا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. حمل الباب الثانى عنوان "نشاط وجهود مكتب الشكاوى" وتضمن هذا الباب تصنيف الشكاوى التى تلقاها المجلس وتحليلها والأنشطة التى تم إنجازها، فى حين خصص التقرير الباب الثالث لدور المجلس فى نشر مبادئ حقوق الإنسان، متضمناً المشروع القومى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، ومتابعة تعديل المناهج الدراسية بما يتفق وحقوق الإنسان وندوات المجلس. أما الباب الرابع، فكان من نصيب الأنشطة التى قام بها المجلس بالتعاون مع المنظمات الوطنية والدولية وقسم هذا الباب إلى التعاون مع منظمات المجتمع المدنى، بالإضافة إلى التعاون مع المؤسسات الوطنية، كذلك التعاون مع الهيئات الدولية ثم التعاون الثنائى مع الدول، وأخيراً التعاون مع المنظمات الدولية غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية. أما الباب الخامس والأخير، فقد تم تخصيصه لإلقاء الضوء على الخطة الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان عبر محورين، هما التنسيق مع الوزارات وأجهزة الدولة، والثانى التعاون مع منظمات المجتمع المدنى. كشف التقرير، أن عام 2008 لم يخل من المنجزات والتجاوزات، وربما المفارقات فى مسيرة دقيقة ومعقدة لحقوق الإنسان فى المجتمع المصرى، فثمة حراك سياسى إيجابى وملحوظ، لكن حالة الطوارئ مازالت معلنة وأحكام قانون الطوارئ مطبقة. وأكد التقرير على وجود تنامٍ لمساحة حرية الرأى والتعبير فى المجتمع، لكن الأمر لا يخلو من ضيق السلطة ببعض ممارسات هذا الحق الأصيل من حقوق الإنسان، كذلك رفض قيام أحزاب سياسية قدمت طلبات تأسيس منذ فترة طويلة دون جدوى، وأكد التقرير أن الجمعيات الأهلية والنقابات المهنية مازالت تعترضها قيود تشريعية وإجراءات تنظيمية تحد من حركتها وتحول دون انطلاقها، وتناول التقرير الملاحقات التى تعرض لها المدونون المصريين واستمرار الملاحقة والتضييق عليهم بما يخالف موجبات حقوق الإنسان، كما يحد من انطلاق تيارات الوعى التى يحتاجها المجتمع المصرى، كما أن مسيرة الإصلاح السياسى على المستويين التشريعى والمؤسسى لم تبلغ بعد الحد المأمول، الذى يتطلع له المجتمع المصرى، والذى مازال يعانى من تدنى مستوى مشاركته السياسية، وهذا ما أكدته نسبة الإقبال فى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية. وأكد التقرير، أن المعاناة الاقتصادية والاجتماعية كانت سبباً فى كثرة الشكاوى التى تلقاها المجلس، والتى تجاوزت نسبتها 70% من مجموع الشكاوى فى حين لم تزد الشكاوى الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية عن 9.1 %، وهو الأمر الذى يكشف عن تعقيد حالة حقوق الإنسان فى مصر، والذى يؤكد أن الهموم المعيشية فى ظل الأزمات المالية والاقتصادية لا تقل وطأة عن مخالفات وانتهاكات حقوقه المدنية والسياسية. لم يكن المشهد الحقوقى فى المجتمع المصرى خلال نفس الفترة بعيداً عن مشهد آخر شهدته المنطقة، بل والعالم اتسم بتراجع وانتكاس ملحوظين لحالة حقوق الإنسان فى مناطق الصراع والاحتلال فى فلسطين والعراق وانعكس فى بعض جوانبه على مصر. ورصد التقرير دعاوى تحقير ديانات وثقافات الغير والإساءة إليها، فيما يمثل مخالفة لقيم الاحترام الإنسانى وقبول الآخر وكفالة التنوع الثقافى، الذى نصت عليه كل المواثيق والصكوك الدولية، وأكد التقرير انه صدم الكثيرون لما طال اسر بهائية فى صعيد مصر من أذى ومكروه بحرق ديارهم ثم طردهم من قريتهم بحماية أمنية فى إشارة إلى أحداث قرية الشورانية بسوهاج، واصفين هذا الأمر بأنه يجسد تنامى نزعات التعصب ورفضاً للآخر وضرب مبدأ المواطنة فى الصميم الذى كفله الدستور ويحميه. وفى مجال الحقوق الأساسية لاحظ التقرير استمرار غلبة الهاجس الأمنى على الجانب الحقوقى مما ساهم فى عرقلة جهود الإصلاح السياسى، الأمر الذى حال معه إلغاء حالة الطوارئ وتزايد ضحايا التعذيب وسوء المعاملة والتعسف فى استخدام السلطة على نحو غير مسبوق أفضى فى كثير من الأحيان إلى اضطرابات وتظاهرات احتجاجية، كما تزايدت حالات الاعتقال على خلفية نشاط سياسى غير المرخص به أو المشاركة فى التظاهرات العديدة التى جرت فى البلاد فى سياق احتجاجات اجتماعية للتضامن مع الشعب الفلسطينى. كما أكد التقرير على استمرار المحاكمات ذات الطابع الاستثنائى بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو فى سياق قانون الطوارئ التى تفتقد لشروط العدالة وفق المعايير العالمية، كذلك استمرار احتجاز مئات من المواطنين طبقاً لقانون الطوارئ لدواع أمنية، كما استمرت الممارسات غير القانونية فى اخذ رهائن من اسر المطلوبين لإجبارهم على تسليم أنفسهم وتم احتجاز مشتبه فيهم فى أماكن غير معلومة دون إخطار ذويهم أو محاميهم وظهرت حالات اختفاء لمحتجزين. وفى مجال الحريات العامة توقف التقرير أمام ما سماها الحريات الإعلامية، والتى تحققت عبر الصحافة المستقلة والحزبية وبرامج الفضائيات الحوارية "التوك شو"، والتى تناولت كل سياسات الحكومة بالنقد، ورغم ذلك ظلت قوانين العقوبات عائقاً دون تنفيذ وعد رئيس الجمهورية بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر، بالإضافة إلى بروز دعاوى الحسبة السياسية. وذكر التقرير استمرار لجنة شئون الأحزاب فى الاعتراض على نشوء أحزاب جديدة وعدم إسباغ الشرعية للأحزاب التى تقدمت بضعة مرات لعدم قدرتها على الوفاء بالشروط القانونية الجديدة التى طبقت بأثر رجعى، وتوقف المجلس فى تقريره أمام قضيتين بارزتين هما الاحتقان الطائفى بين المسلمين والأقباط، والتى أكد المجلس دوما الحل الوحيد هو تأكيد حقوق المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص. أما القضية الثانية هى ظاهرة التوترات الأمنية التى تشهدها سيناء منذ تفجيرات طابا وشرم الشيخ الإرهابية عام 2005 على وجه الخصوص وما تبعها من إجراءات أمنية مشددة تجاه المواطنين فى سيناء. وعلى صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لاحظ المجلس تأثر جهود الدولة فى تلبية هذه الحقوق تحت وطأة سلسة الأزمات، التى شهده العالم بدءاً من أزمة الغذاء العالمى مروراً بالأزمة المالية العالمية وانتهاءً بأزمة الاقتصاد العالمى وانعكاساتها على الواقع الاقتصادى والاجتماعى للبلاد، وقدر المجلس جهود الحكومة فى تخطى بعض الأزمات مثل رغيف الخبز التى أحدثت قلقاً عميقاً فى المجتمع ومواجهة الاحتكارات فى إنتاج وتوزيع بعض مواد البناء، والتى كانت قد أدت إلى قفزات غير مسبوقة فى أسعار الأسمنت والحديد. وأبدى المجلس إلى حد بعيد استشراء الفساد، والذى هبط بمكانة مصر فى مؤشرات الشفافية العالمية من المرتبة السبعين فى ترتيب هذا المؤشر فى عام 2006 إلى المرتبة 107 فى العام 2008 والارتفاع الشديد فى أسعار السلع الضرورية، الذى التهم العلاوة الاجتماعية التى قررها رئيس الجمهورية للتخفيف عن محدودى الدخل. وتوقف التقرير عند ظاهرة الهجرة غير النظامية، وأكد أن الحل فى القضاء على تلك الظاهرة ليس أمنياً فقط، بل أيضا تنموياً. وفى سياق تفاعل المجلس مع شكاوى المواطنين، فقد أدخل المجلس القومى لحقوق الإنسان تطويراً شاملاً فى نظم وطرق العمل فى مكتب الشكاوى خلال عام 2008 بإدخال آليات جديدة تمثلت فى الانتقال للمواطنين فى المحافظات عبر المكاتب المتنقلة وافتتاح مكاتب للشكاوى فى محافظة سوهاج وإنشاء خط ساخن لتلقى شكاوى المواطنين بالمجان، ولقد أثمر هذا التطوير عن تزايد أعداد الشكاوى لتصل إلى 140672 شكوى أى بنسبة تزيد عن ضعف العام الماضى.