قال الدكتور محمود أبوالعيون، محافظ البنك المركزى المصرى السابق، «إنه لابد للبنك المركزى أن يحمى أصحاب رغبات عدم التعامل مع البنوك التقليدية ويسمح لبنوك إسلامية بأن تعمل فى مصر وسوف تجذب هذه التراخيص أموالًا طائلة للاستثمار فى مصر، ولتنفتح عقولنا لاستيعاب ما نحن فيه وما فيه العالم حولنا لننتشل اقتصادنا مما هو فيه الآن ومما يتوقع أن يواجهه مستقبلاً». وأضاف «أبوالعيون»، فى حوار خاص مع «اليوم السابع»، إن تقوية البنوك والكيانات المصرفية خلال الفترة الماضية كانت ضرورة، لكن هذا لا يمنع أن تدخل السوق بنوك أخرى قوية وقادرة على العمل المصرفى كبير الحجم، كما هو الحال بمصر، والقانون 88 لسنة 2003 يسمح بدخول بنوك جديدة للسوق، وأن شرط الحاجة الاقتصادية ليس بشرط تعجيزى، لكن الأمر بيد مجلس إدارة البنك المركزى المصرى، وإلى نص الحوار... ما هى التأثيرات الإيجابية والسلبية لتجربة عمل البنوك العربية والأجنبية خلال السنوات الماضية فى الأسواق المصرية؟ - ظهرت عدة مشكلات بعد السماح للبنوك الأجنبية بالعمل فى مصر، يتمثل أهمها فى سحب عدد من العمالة المتمرسة من البنوك العامة للعمل فى البنوك الجديدة، مما فرغ البنوك العامة من العمالة الجيدة فى ذلك الوقت، وأيضا انكشفت القدرات المحدودة لبنوك القطاع العام سواء فى القدرة على تنويع المنتجات أو على المنافسة، وظلت نظمها وإجراءاتها تسير سير السلحفاة بالمقارنة بالقفزات التى قفزتها البنوك المشتركة والخاصة وبنوك الاستثمار والأعمال كما كانت تسمى فى ذلك الوقت، وظهر مع الوقت فوارق كبيرة فى الدخول بين موظفى القطاع الخاص وموظفى الأشكال الجديدة من البنوك. كيف كانت بدايات ونشأة تجربة البنوك الأجنبية فى مصر؟ - دخلت البنوك الأجنبية مصر فى النصف الثانى من السبعينيات سواء فى شكل بنوك مشتركة أو فروع لبنوك أجنبية فى وقت كان فيه الجهاز المصرفى المصرى يغط فى نوم عميق زادت مدته على 20 عامًا، منذ أن بدأ تمصير البنوك فى عام 1957 واستكمل بتأميم البنوك فى يوليو 1961، وهى الإجراءات التى حولت البنوك إلى شركات قطاع عام تعمل فى إطار مؤسسة عامة حكومية هى المؤسسة المصرية العامة للبنوك كمالك للبنوك العامة التى ألغيت فى إبريل 1964، وبعد حملة الدمج القسرى بين البنوك التى اتبعتها الدولة المصرية ذات التوجهات الاشتراكية فى ذلك الوقت وبقى فى مصر فى منتصف عام 1964 فرعان لبنكين تجاريين أجنبيين هما «البنك الأهلى اليونانى» و«البنك التجارى اليونانى» أيضا. وفى سبتمبر 1971 صدر قرار جمهورى بقصر عدد البنوك التجارية العامة فى 4 بنوك هى «الأهلى» و«مصر» و«القاهرة»و«الإسكندرية»، بالإضافة إلى البنكين العقاريين المصرى والعربى، بالإضافة إلى البنك الصناعى وبنك التسليف الزراعى، ولم يكن بمصر أى بنك مملوك ملكية خاصة. وبدأت الأمور تتحسن نسبيًا بعد بدء تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى بعد حرب أكتوبر سنة 1973 المجيدة بدخول عدد من البنوك الأجنبية إلى مصر فى شراكة مشتركة مع البنوك العامة، كان أهمها بنك «تشيز الأهلى» وفى شكل فروع لبنوك أجنبية كان أهمها «سيتى بنك»، وبدأ الرئيس الراحل، أنور السادات، فى إدخال بعض البنوك إلى مصر باتفاقيات خاصة مثل «المصرف العربى الدولى» و«بنك ناصر الاجتماعى»، وبدأ الاستثمار الأجنبى المشترك فى القطاع المصرفى الذى أدى إلى ظهور البنك العربى الأفريقى وبنك الشركة المصرفية العربية الدولية وغيرهما، وأدى دخول البنوك الأجنبية لمصر إلى ظهور مشاكل وإلى تغيير سياسات وإلى تحسين الأداء. هل تغيرت السياسات التى كانت متبعة بالبنوك المصرية بعد إجراءات تحديث دماء الجهاز المصرفى؟ - بالفعل، فقد تغير التخصص القطاعى لبنوك القطاع العام والذى أدخلته الدولة فى عام 1971، وأيضا تغير فى وقت تال نظم الأجور ببنوك القطاع العام، وسياسات التحديد القطعى لأسعار الفائدة بتحرير ارتباطها بالفائدة التى كان منصوصا عليها فى القانون المدنى، وتعدلت نظم الرقابة على البنوك بما زاد من قدرات العاملين بقطاع الرقابة على البنوك فى البنك المركزى، وتعدلت أيضا سياسات الترخيص للبنوك الجديدة وأصبح بالإمكان إنشاء بنوك خاصة لأول مرة فى مصر. وتحسنت نظم المحاسبة المالية التى كانت البنوك تطبقها وكذلك روجعت النظم الضريبية ونظم الإدارة المصرفية، وهذا قليل من كثير من السياسات التى أعيد النظر فيها للتأقلم مع وجود بنوك دولية تعمل جنبا إلى جنب للعمل مع بنوك القطاع العام، لتكون النسيج المصرفى المصرى. كيف انعكس تواجد البنوك الأجنبية على أداء البنوك المصرية؟ - انعكس ذلك على تحسن الأداء، فلولا وجود النظرة الانفتاحية التى طبقت بعد حرب 1973 لما كان الجهاز المصرفى المصرى قد وصل إلى ما هو عليه الآن، والمزايا لا يمكن حصرها لأن المودع أصبح لديه خيارات أكبر، والمقترض أصبح لديه آليات أكثر تنوعا سواء لتمويل المشروعات أو لتمويل الاستيراد أو لتمويل عمليات التجزئة المصرفية، وتنوعت الأدوات المصرفية ونظم توظيف وتشغيل أموال البنوك ونظم العمليات المصرفية الداخلية والخارجية، وأصبح لدينا بنوك بالمعنى الدولى المتعارف عليه، وما كان هذا بالأمر الممكن لو ظلت بنوك القطاع العام هى المسيطرة على القطاع المصرفى المصرى ولو ظل العاملون فى تلك البنوك العامة دون منافسة فى سوق العمل المصرفى. هل هناك حاجة لمزيد من البنوك للعمل فى مصر؟ - العبرة فى البنوك ليست بالعدد، ولكن فى القوة والقدرة، ولعلنى أعلن لأول مرة أن سياسات دمج وتصفية البنوك التى اتبعت كانت تتم تحت شعار أن «بمصر بنوك كثيرة وفروع قليلة» وهو ما كان يسوق لفكرة إصلاح الجهاز المصرفى، لكن خلفيات الإصلاح الحقيقية أنه كان لدينا بنوك ضعيفة، بنوك لا تصلح أبدًا ككيانات مصرفية أن تصنف فى عداد البنوك، فرؤوس أموالها ضعيفة، وقدراتها على جذب الودائع شبه منعدمة، وتعانى من ديون متعثرة، وإداراتها كانت غير متخصصة أو فى بعض الأحيان كانت تلعب أدوارًا سياسية أكثر منها أدوار اقتصادية. ومعنى ذلك أن تقوية البنوك كان ضرورة، لكن هذا لا يمنع أن تدخل السوق بنوكا أخرى قوية وقادرة على العمل المصرفى كبير الحجم، كما هو الحال بمصر، والقانون 88 لسنة 2003 يسمح بدخول بنوك جديدة للسوق، وأن شرط الحاجة الاقتصادية ليس بشرط تعجيزى، لكن الأمر بيد مجلس إدارة البنك المركزى المصرى. وماذا عن المنافسة فى السوق المحلية بين البنوك الأجنبية والمصرية فى تقديم منتجات وخدمات الصيرفة الإسلامية؟ - هناك نشاط يدعى القائمون على الجهاز المصرفى أنه موجود فى البنوك المصرية ألا وهو نشاط الصيرفة الإسلامية، وأقول ردًا على هؤلاء «كفانا تلاعبا بالألفاظ» فلا يوجد بنوك إسلامية بالمعنى الصحيح فى مصر سوى فى بنكين فقط، أما النوافذ والفروع الإسلامية التى تطبقها بعض البنوك ليست إسلامية إلا فى المسمى فقط، وجميع من عملوا فى البنوك يعلمون ذلك، بل يهاجمون فكرة البنوك غير الربوية أو الإسلامية دون حتى وعى منهم بكيفية عملها، ويسمحون بالفروع الإسلامية فى بنوكهم دون معرفة منهم بأن لا فصل بين الأنشطة ولا حتى لحماية الأموال، لذلك أرى لزاما على البنك المركزى أن يحمى أصحاب رغبات عدم التعامل مع البنوك التقليدية ويسمح لبنوك إسلامية بأن تعمل فى مصر وسوف تجذب هذه التراخيص أموالًا طائلة للاستثمار فى مصر، ولتنفتح عقولنا لاستيعاب ما نحن فيه وما فيه العالم حولنا لننتشل اقتصادنا مما هو فيه الآن ومما يتوقع أن يواجهه مستقبلا.