ومن ثم صرف الأستاذ البنا والأستاذ بحيرى النظر تماماً عن أبواب طوال بفقهنا، قامت جميعاً لتضع حلولاً لمسائل ومشاكل فى النسب وفى الميراث وفى مدة العدة وفى المهر، كان سببها الزواج بالصغيرة أو بالأحرى بالرضيعة. ولنبدأ بمشكلة يمكن أن تفسد الزواج أو النسب تترتب على زواج الرضيعة، يقول ابن قدامة فى المغنى كتاب الرضاع حول الزوجة الرضيعة إذا احتاجت للرضاعة، "فإن أرضعتها أمة (أم الزوج) صارت أخته وإن أرضعتها جدته صارت خالته أو عمته، وإن أرضعتها بنته صارت بنت بنته وإن أرضعتها أخته صارت بنت أخته" وهكذا تم حصار الرضيعة المتزوجة فى مقومات حياتها ولم يعد لها غير بصيص أمل فيما قاله بن قدامة: "وإن أرضعتها من لا تحرم بنتها كعمته وخالته لم تحرم عليه". ويقول الشافعى فى الأم ج 5: "وإذا أرضعت أجنبية امرأته الصغيرة لم يفسد نكاح امرأته، وتحرم عليه الأجنبية وأما بعد انقضاء الحولين فلا تسمى الرضاعة رضاعاً ولا يؤخذ بأحكام الرضاع، وقال المزنى فى مختصره بشرح الشافعى ص 164 مبيناً شروط صحة الزواج: "ولى، وشهود، وإقرار المنكوحة الثيب، وصمت البكر، والشهود العدل . .، ولو كانت صغيرة ثيب أصيبت بنكاح فلا تزوج إلا بإذنها . . ولا يزوج الصغيرة إلا أبوها أوجدها بعد موت أبيها". وهنا حديث واضح عن صغيرة أصبحت ثيباً نتيجة الوطأ، ويتحدثون عن زوجها التالى وهل تزوج بإذنها كالثيب الكبيرة من عدمه. ومشكلة أخرى حول صحة الزواج المنعقد من عدمه يترتب على زواج الرضيعة وحول الحقوق المالية لأطراف الزواج، يحلها ابن قدامة فى المغنى كتاب الرضاع: "لو تزوج كبيرة وصغيرة، فلم يدخل بالكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة فى الحولين (عمر سنتين)، حُرمت عليه الكبيرة (ويجب طلاقها)، وثبت نكاح الصغيرة، ولو كان قد دخل بالكبيرة، حرمنا عليه جميعاً، ويرجع بنصف مهر الصغيرة على الكبيرة"، وعليه يتم تغريم الزوجة الكبيرة نصف مهر الصغيرة وإعادته إلى الزوج، لأنها أفسدت عليه زواجه. ثم يترتب على زواج الرضيعة مشاكل أخرى تتعلق بالطهارة والغسل بعد الجماع، حلها الرافعى فى فتح العزيز / ج 3 ص 116 بقوله: "موضع الختان قُبُل المرأة (تطلق العرب على الفرج الختان، وختان المرأة هو قُبلها أى فرجها)، وكما يجب الغسل بالإيلاج فيه، يجب الغسل فى غيره، كالإتيان فى غير المأتى وهوالدُبر، يجب الغسل به على الفاعل والمفعول، وكذا فرج بهيمة، خلافاً لأبى حنيفة لنا أنه جماع فى الفرج مأشبه فرج الآدمى، بل إيجاب الغسل ها هنا أولى لأنه أحق بالتغليظ، ولا فرق بين الإيلاج فى فرج الميت والإيلاج فى فرج الحى، وخالف أبو حنيفة فى فرج الميت، وكذا قال فى الصغيرة التى لا تشتهى"، وظاهر المخالفة هنا فى قول أبى حنيفة، إن الجماع بفرج ميت أو ميتة أو الصغيرة التى لا تشتهى لا يوجب الغسل فكلهن بلا شهوة ولا إحساس، كلهن مجرد أداة لتفريغ غلمة الذكر فى مجتمع بدائى الأخلاق إلى حد لا يفترق فيه كثيراً عن بقية الحيوانات، فكان يفرغ طاقته الجنسية فى أى شئ يصادفه حيواناً أوفرجاً ميتاً لإنسان أو حيوان والصغيرة التى لا تشتهى. ويشرح الرافعى السبب فى قوله ج 2 ص 128: "ولو اغتسلت المرأة من الجماع، ثم خرج منها المنى لزمها الغسل بشرطين: أحدهما أن تكون ذات شهوة، دون الصغيرة التى لا شهوة لها، والثانى أن تفضى شهوتها بذلك الجماع لا كالنائمة والمكرهة، وإنما وجب الغسل عند اجتماع هذين الشرطين، لأنه حينئذ يغلب على الظن اختلاط منيها بمنيه، فإذا خرج ذلك المختلط منها فقد خرج منها منيها، أما فى الصغيرة والنائمة والمكرهة، إذا خرج المنى بعد الغسل لا يلزم إعادة الغسل، لأن الخارج هومنى الرجل"، وما يعنى فى هذا الأمر كله، هو أن خروج منى الرجل من فرج الصغيرة التى لا شهوة لها بعد وطئها لا يوجب الغسل أو يوجبه، لأنه لا منى لها ولا تنزل كالرجل لأنها لم تبلغ بعد.