شيخ الأزهر الدكتور طنطاوى رجل "سبور" جدا.. وفى ظل دعم الريادة الإعلامية إياها لم يجد الرجل حرجا فى تقديم موعد آذان الجمعة، ليتلاءم مع مواعيد التليفزيون الذى كان ينقل الصلاة على الهواء. الواقعة حدثت أثناء صلاة الجمعة الماضية فى محافظة مطروح، والتى نقلها التليفزيون المصرى، فى إطار المشاركة فى احتفالات المحافظة بعيدها القومى. وحسب ما ذكرته الزميلة "المصرى اليوم"، فقد طلب الدكتور طنطاوى رفع آذان صلاة الجمعة قبل موعده بثلث ساعة فى مطروح حتى يتمكن التليفزيون من نقل شعائر الصلاة بتوقيت القاهرة وليس مطروح التى يتأخر توقيتها 20 دقيقة عن العاصمة. ولا أعرف من سيتحمل الوزر لو أن سيدة بسيطة من سكان مطروح سمعت رفع الآذان، وهى خارج المسجد الكبير، الذى أقيمت به الصلاة فقامت من فورها بأداء صلاة الظهر حتى تتفرغ لشئون بيتها. والحقيقة أن معلوماتى المتواضعة فى علوم الدين مقارنة بشيخ الأزهر تعجز عن معرفة العذر الشرعى، الذى يتيح تغيير مواعيد الصلاة، بسبب المواعيد فى ماسبيرو مبنى التلفزيون العتيق. وإذا كانت أمور مثل السفر الطويل والخروج للجهاد، مثلا تتيح قصر الصلاة وجمعها فهل خريطة برامج ماسبيرو يمكن أن تتيح ذلك أيضا؟ أم أن ماسبيرو أصبح له "خاطر كبير" عند رجال الدين بعدما فتح أمام كثيرين منهم شاشات قنواته. وإذا جاز تغيير مواعيد الصلاة بسبب ماسبيرو، فإننى لا أعرف أين سيكون اتجاه المرء فى تلك الصلاة؟.. هل إلى الكعبة أم سيأتى يوم يخرج علينا من يجيز التوجه إلى ماسبيرو كثالث القبلتين؟ وبما أن هذه الواقعة حدثت ونحن على أبواب رمضان، فإننى أخشى أن يجد البعض فيها ما يبرر له هو الآخر تحريك مواعيد الصلاة بما يتيح له متابعة البرامج والمسلسلات التى يغرقنا بها التليفزيون فى الشهر الفضيل. ولا أعرف، لماذا يعجز خيال المسئولين عن خريطة ماسبيرو عن تقبل الاختلاف فى مواقيت الصلاة عبر البلاد، حسب موقعها من خطوط الطول؟، وهل لا بد أن تكون الدولة كلها مصبوبة فى قالب القاهرة وتدور فى فلكها المركزى حتى فى توقيت الصلاة؟، معنى ذلك أن ماسبيرو يصر على اعتبار مواطن القاهرة باشا "على رأسه ريشة" وأما سكان المحافظات الأخرى فيجب عليهم التكيف مع مواعيد سعادته حتى فى توقيت الصلاة. هل معقول أن يستمر ضيق الأفق بهذا الشكل إلى الآن، ونحن نتحدث عن العولمة والتواصل مع الآخرين وتقبل الآخر؟. وإذا كان القارئ زهق من أسئلتى، فلنترك الأسئلة جانبا ونحاول أن نساير التيار. وإذا كنا غيرنا توقيت الصلاة اليوم من أجل عيون ماسبيرو، فربما يخرج علينا غدا من يدعو لمزيد من التقدم فى هذا الاتجاه والمسايرة لتقنيات العمل التليفزيونى. وبالتالى، هل تصبح الصلاة الرباعية أربع حلقات بدلا من أربع ركعات؟، وهل يفصل الخطيب فى صلاة الجمعة بين الخطبتين بقوله "فاصل ونواصل"، بدلا من "أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة" أو "قال ربكم أدعونى أستجب لكم"؟. وربما لا يهم الخطيب بعد ذلك بصعود المنبر إلا فى وجود "ستايلست" يضع اللمسات اللازمة للظهور عبر شاشات التليفزيون. وقد يكون على الأزهر أيضا أن يستعد للدخول فى معركة البث الحصرى لصلاة الجمعة، فربما تقيم كل محافظة قناة خاصة بها فى يوم من الأيام، وتطالب باحتكار نقل الصلاة من مساجدها، كما تفكر بعض الأندية الآن فيما يتعلق بمبارياتها. وسؤال خبيث يطاردنى: هل أقدم شيخ الأزهر على ما فعل، لأنه لم يتوقع أن يتنبه أحد لما يحدث، باعتبار أن التليفزيون المصرى أصبح بلا جمهور؟