التعهد الرسمى بنزاهة الإنتخابات القادمة ، ذكرنى بواقعة طريفة قد تستحق أن تروى ، فقد سئل ذات مرة الداعية المهاجر المعروف خفيف الظل الشيخ وجدى غنيم -- حفظه الله ورده إلى وطنه وأهله ومحبيه ردا جميلا -- عن إخفاقه أمام طلعت مصطفى مرشح الحزب الوطنى فى الحصول على مقعد مجلس الشعب الخاص بدائرة رمل الاسكندرية فى إنتخابات 1987 رغم شعبية الشيخ الطاغية التى شهد بها الجميع و عبرت عنها الجماهير الغفيرة والأمواج البشرية الهادرة المؤيدة للشيخ من خلال المؤتمرات والمسيرات و تدفق الأنصار على صناديق الإنتخابات ، أجاب الشيخ بخفة دمه المعهودة ولهجته الساخرة السبب " الست نزيهة " إشارة إلى التزوير الصريح ، رغم ما كان يتردد دائما من تعهدات رسمية بإجراء إنتخابات نزيهة . والشاهد أن التعهد بنزاهة الإنتخابات ليس أمرا جديدا ، بل هو قديم قدم الديمقراطية المصرية بنكهتها التزويرية الفجة التى تناسب شعبا لا يجد قادته حرجا فى التصريح بأنه لم يصل بعد إلى مرحلة النضج أى لا يحسن الإختيار( تصريح سابق لرئيس الوزراء ) ، المهم ، وبأسرع ما يمكن وقبل أن يختفى من الأفق صدى صوت التعهد الرئاسى بالنزاهة ، ظهرت بوادرها ، وحسب " المصريون " في سابقة بالغة الخطورة والاستخفاف بالقانون والحقوق العامة ، اعتقلت مباحث امن الدولة بسوهاج المرشح المستقل اشرف أبو خبر وهو يتقدم بأوراق ترشيحه لانتخابات مجلس الشوري عن الدائرة الثالثة، والتي تضم جهينة والمراغة وساقلته ، كان أبو خبر قد ذهب إلي مديرية الأمن بسوهاج لتقديم أوراق ترشيحه، فجري اعتقاله واصطحابه الي مكتب مباحث امن الدولة وجرت محاولة إقناعه بعدم الترشح حتي يتمكن مرشح الحزب الوطني من النجاح بالتزكية، لكنه رفض معلنا انه قام بالفعل بالدعاية الانتخابية منذ فترة، ولا يستطيع التراجع ، ثم حدث ولا حرج عما يحدث لمرشحى جماعة الإخوان القوة المعارضة الأولى والأقوى فى الشارع ، فأيام الإنتخابات عندهم هى أيام محن وإعتقالات ومطاردات ومضايقات ، وحتى لا نسىء الظن بالأبرياء تذكرنا الحكومة وجهازها الأمنى بأن هذه الفعاليات الديمقراطية الخشنة جدا !! لا علاقة لها بالفعل " البايخ " الذى أقدمت عليه الجماعة وهوالترشيح للإنتخابات ، وإنما لسبب آخر بعيد كل البعد ، جملة من الإتهامات المعلبة سابقة التجهيز يتم رصها كلما حان وقتها ، وهو إنتماء هؤلاء لجماعة محظورة أسست على خلاف الدستور تعمل على إثارة وبلبلة الجماهير و زعزعة الإستقرار وتكدير السلم العام وتهدف إلى قلب نظام الحكم !! ، وكأن نظام الحكم منضدة يمكن لفرد عادى أن يقلبها، وإذا كان التضاد يبرز المعنى ويوضحه ويؤكده ، ولسوء طالع جماعة " 31 طوارىء " -- نسبة إلى المدة التى سوف يقضيها الحزب فى حكم لمصر فى ظل الطوارىء --- أنه فى الوقت الذى تجرى فيه هذه الممارسات المعيبة الفاضحة المهينة التى تشدنا إلى الوراء وتعطل مسيرة أمتنا وتؤخر نهضتها وتجمد دم التغيير فى عروقها ، كان برنامج العاشرة مساء يتابع الإنتخابات البريطانية بصفة مراقب ، ويدخل إلى أماكن التصويت ومن بعدها مراكز فرز الأصوات ، ويصور ما يجرى وينقله إلينا بسلاسة ويسر ، فلا إرهاب للناخبين ولا تهديد بإعتقال ولا تخويف ولا إختطاف ولاحجز ولا تكسير للكاميرات ، ولا بلطجة من أنصار حزب المحافظين الذى فاز فى الإنتخابات عن جدارة وإستحقاق وشكل الحكومة بالإئتلاف مع أحد الأحزاب الصغيرة ، ولا إدعاءات كاذبة مكشوفة بمنع الرقابة الدولية لحماية السيادة والكرامة الوطنية من تدخل الآخرين فى الشئون الداخلية البريطانية ، أعلم أن السيف ينقص قدره إذا قلنا أنه أكثر مضاء وحسما من العصا و أنه لا يجوز مقارنة ديمقراطية " 31 طوارىء " مع الديمقراطية الإنجليزية العريقة ، لكن هذه المقارنة تفرض نفسها حتما على المتابع العربى عموما والمصرى خصوصا وتصيبه بالأسى والغم والهم والحزن والكمد وكل ما يرادف هذا المعنى فى " لسان العرب" على أحوال بلاده التى تؤهلها إمكانياتها لأفضل وأحسن بكثير مما هى فيه ، وشهادة لله أن حزب " 31 طوارىء " ولجنة سياساته وفكره الجديد كما القديم أصحاب مواهب وإبتكارات فى مجال نزاهة العملية الإنتخابية ولهم براءات إختراع سوف يتوقف عندها طويلا من يؤرخ لهذه الفترة الحزينة من تاريخ مصرنا التى كانت محروسة ، فهو أول من إبتكر حكاية منع الأشخاص المعارضين من تقديم أوراقهم للترشيح من المنبع ، كما أنه اول من جعل الناخب يصطحب معه سلما ليتسلق به أسوار لجنة الإنتخاب ، نظرا لأن الحزب أتى بما لم يستطعه الأوائل وخرج علينا بفكرته الشيطانية بتعويق وتعطيل الناخبين الذين يظن مجرد ظن أنهم ليسوا معه من الوصول إلى صندوق الإنتخاب أو حتى مجرد رؤيته ، أيضا لا يجادل ولايمارىء أحد أننا أصحاب ديمقراطية لذيذة سمحت بنجاح مرشح حاصل على أصوات أقل من ثلث أصوات المرشح المنافس ، تحت شعار " أقلهم أصواتا أكثرهم بركة"--- حديث القوم عن النزاهة مردود عليهم ، فلا تستقيم نية النزاهة مع التمديد لقانون الطوارىء وتدابيره التى تغتال الحريات الأساسية ، ليتهم يرفعون أيديهم عن تزويرالإنتخابات والعبث بمصالح الوطن ، أو على الأقل يكفون عن تذكيرنا دائما بأن هناك قيمة غالية غائبة ومفقودة إسمها النزاهة .