بدأ إبراهيم شكرى مشواره فى الكفاح الوطنى من أجل مصر، منتصف ثلاثينيات القرن الماضى عندما كان شاباً يافعاً، فعندما كان طالباً فى الجامعة فى السنة الأخيرة، شارك شكرى فى مظاهرة طلابية يوم 14 نوفمبر عام 1935، تحت شعار شباب مصر الفتاة، وهاجمت قوات الاحتلال الإنجليزى المظاهرة، مما أسفر عن مقتل اثنين من أصدقاء شكرى وإصابته برصاصة فى قدمه. بحسب ما ذكره المهندس أحمد شكرى وما أكده فايز محمد على أحد شباب الرعيل الأول لمصر الفتاة، والذى رافق إبراهيم شكرى قرابة نصف قرن، كان المهندس إبراهيم شكرى يعتبر الزعيم أحمد حسين أستاذه ومعلمه والأب الروحى للحركة الوطنية الشبابية التى نهضت لمواجهة الاحتلال الإنجليزى والاستعمار. وفى عام 1939 تخرج إبراهيم شكرى فى كلية الزارعة جامعة القاهرة، وأول ما فعله هو أنه اتخذ سكنا فى مدينة شربين التابعة لمحافظة الدقهلية، وانتقل إليه مع عائلته وترك حياة الترف والرفاهية فى القاهرة، ووضع استراتيجية بذهنه تتمثل فى إحياء الحياة الزراعية وتحيق العدالة الاجتماعية والتى تحولت إلى مشروعه العملاق "طرح فكرة قانون الإصلاح الزراعى فى البرلمان"، وكان أول من بدأ بنفسه ووزع أرضه على الفلاحين، كما أشار المهندس أحمد شكرى. وجاء فى كتاب "إبراهيم شكرى قصة كفاح"، كيف أرسل رسالة إلى صديقه الزعيم أحمد حسين يحدثه فيها عن بؤس الفلاحين وعن سوء أحوالهم، وأقسم أن يكرس حياته لخدمة هؤلاء البؤساء. بدأ شكرى مسيرته فى بناء المدارس التعليمية فى العديد من القرى التابعة لمركز شربين وخارج نطاق المركز، ولم تقف المشروعات عند مستوى التعليم، فكان أول من أرسى مشروع العلاج الطبى لأهل عزبة شكرى، حيث اتفق مع طبيب وحكيمة "ممرضة" أن يرعيا أهل القرية ليل نهار، وامتدت أنشطة شكرى لتطال بناء مسجد للقرية وجمعية تعاونية وإدخال الكهرباء وتمهيد الطرق، وغير ذلك من المشروعات النهضوية والخدمية، راجياً أن يكون سببا فى تبديل حياة البؤس عند شريحة من الناس، تاركاً بصمة تخلد اسمه حتى يومنا هذا. قام إبراهيم شكرى بدور بطولى وجهادى رائع فى الحركة الوطنية وفى إذكاء الشعور الوطنى، حسبما ذكر كتاب "إبراهيم شكرى قصة كفاح"، و بذل ما بذل من مال وجهد من أجل مصر وفلسطين فكان عمود الدعم الاقتصادى لحركة مصر الفتاة فى كل أنشطتها، وكان أيضاً على الصعيد الفلسطينى يدعم كتائب مصطفى الوكيل التى قرر الحزب الاشتراكى "مصر الفتاة" إرسالها إلى فلسطين للمشاركة فى معركة التحرير عام 1948، و تحمل إبراهيم شكرى تجهيز الكتيبة بمفرده بدءاً من لبس الجندية وسلاح التطوع ووسيلة السفر، وكانت بالطائرات. وقد تحدث عنه أحمد حسين قائلاً "إن إبراهيم شكرى نموذج الثرى الذى يبذل ماله من أجل وطنه وأمته". وعن بداية انطلاق إبراهيم شكرى السياسية حكى المهندس أحمد شكرى قصة طريفة، قائلاً "عندما تزوج والدى ووالدتى كانت أول مرة يقبض عليه فيها وهو يقضى شهر العسل، وكان هذا فى كفر الشيخ، لذا تجد والدتى تكره كفر الشيخ كثيرا". كان القبض على شكرى أول محك له فى العمل السياسى، لكن إذا ما تحدثنا عن مرحلة مصر الفتاة فقد لعب إبراهيم شكرى دوراً هاماً فى قضية التمويل والإنفاق على أى نشاط للحركة، فلم يكن بارزا أمام الجماهير فى الخطابات والمناسبات، ولكنه كان المسئول عن الجانب الاقتصادى المكمل للنشاط السياسى، فكان أحمد حسين يعبئ الجماهير وهو يتولى مهام التمويل. ويشير فايز محمد إلى الطبيعة التكوينية لشباب مصر الفتاة وصفاتهم قائلاً:عندما كان عمرى 14 سنة تقريباً عرفت الزعيم الوطنى الراحل أحمد حسين، فكان لميلاد الحركات الوطنية ضجيجه البين على رؤوس الإنجليز وكان عهدنا مليئا بالإضرابات، فكانت الحرب العالمية وسط تعدد التيارات، وتتعجب إذا علمت أننا فى ثلاثينيات القرن الماضى كنا نعلم بكل قضايا العالم، وعندما كان يقع حادث معين فى أى من بلاد العالم فيه نوع من الظلم، كنت تشاهد المدارس والجامعات والحركات الوطنية تخرج إلى الشوارع تتظاهر، وتندد بما حدث، وكانت هناك حركة وروح للمواجهة، فقد كنا ننفعل لكل الأحداث كما ينبغى، وعندما كان نهرو "رئيس وزراء الهند بعد الاستقلال" يضرب عن الطعام، كنا نتفاعل ونضرب عن الطعام فى مصر. ووسط كل هذا الضجيج والحروب والإضرابات، بزغت مدرسة "حركة مصر الفتاة" من شباب مصر الواعى والواعد والناضج وعلى رأسهم أحمد حسين ورفيقه إبراهيم شكرى، فكانت مجموعة مصر الفتاة صاحبة توليفة رائعة، أقولها عن صدق فمجموعة مصر الفتاة تجد فيها من هو صاحب الفكر المتطور المتفتح، وفيها الرجل المتزن جداً والهادئ جداً مثل إبراهيم شكرى. يضيف الفنان حمدى أحمد قائلاً: إبراهيم شكرى الرجل الثانى فى حركة "شباب مصر الفتاة"، لا شك أن الأستاذ إبراهيم علامة من العلامات السياسية فى مصر، وكنت أعرفه منذ أيام مصر الفتاة وكنا أطفالاً صغاراً، وكان الأستاذ إبراهيم من الأعلام، فكنت متتبعاً لخطواته باعتباره رجلا سياسيا صاحب أياد بيضاء فى الحزب الاشتراكى، ولأنى بطبيعتى رجل اشتراكى، فكانت أخباره ملئ السمع والبصر، وسمعته طيبة فى كل مكان. من ناحيته قال مجدى أحمد حسين إن اعتقال والده "الزعيم أحمد حسين" و"إبراهيم شكرى"، جاء نتيجة لمواقفهما الوطنية، وإنه بعد اعتقال والده فى عهد الملك فاروق كتب إبراهيم شكرى مقاله فى صحيفة الشعب الجديد إلى الأستاذ أحمد حسين يعرب فيه عن معاناته فى السجن، ويصف فيها نشاط أحمد حسين ونضاله الوطنى وكيف استطاع الملك أن يعمل على تكميم فمه، وشدد إبراهيم شكرى على معانى الظلم والاستبداد التى يعانى منها أخوه المجاهد أحمد حسين وأيضاً معاناة الشعب المصرى . وقد تقدم السيد عبد الفتاح حسن وزير الداخلية فى ذلك الوقت بمذكرة لمجلس النواب، يطالب فيها برفع الحصانة عن إبراهيم شكرى بتهمة العيب فى الذات الملكية، فكان إبراهيم شكرى يشكل بؤرة قلق وصداع للملك فاروق حسبما ورد فى كتاب إبراهيم شكرى "قصة كفاح"، وحسبما ذكر مجدى حسين، اتخذ ذلك ذريعة وصدر قرار من النيابة لرفع الحصانة عن إبراهيم شكرى، ووافق المجلس وبدأت خطوات الاعتقال تتم كما كان مخططا لها. لم يكن من الغريب أن يحضر خمسون محامياً مع إبراهيم شكرى للدفاع عنه، فهو شخص له كل هذه الإنجازات فى عالم النضال الوطنى والذى تزامن أيضاً مع المشروعات الخدمية، فكان من الطبيعى جداً أن يدافع عنه هذا الكم من المحامين. أشار كتاب "إبراهيم شكرى رحلة كفاح" إلى ازدحام قاعة المحكمة بأعداد غفيرة من المحامين، ومنهم من لم يستطع دخول القاعة، وقد أصدر القاضى ممتاز نصار حكمه التاريخى الذى نص على الإفراج عن إبراهيم شكرى بكفالة قدرها 50 جنيهاً، وحمل على الأكتاف وصاح الناس فرحاً لخروج إبراهيم شكرى من السجن، وكان هذا عام 1951. مصر الفتاة والثورة لعبت مصر الفتاة دوراً هاماً فى قيام ثورة 52، كما أشار مجدى حسين، حيث قال إن الثورة أخذت الكثير من مبادئ مصر الفتاة، وإن كتابات رجالات مصر الفتاة فى صحيفة الحزب الاشتراكى كانت كالصرخة فى وجه الظلم، كما أن جريدة الشعب الجديدة حالت دون استقرار النظام الملكى، مما أدى إلى تهيئة المناخ للقيام بالثورة، وكانت هى المدفعية الثقيلة التى دكت حصون الملكية والفساد والإنجليز. خير دليل على أن الصحيفة هزت عرش الملك أن الملك شكل محكمة خاصة تشبه المحاكم العسكرية، أو محاكم أمن الدول العليا طوارئ الآن، وحبس على أثر ذلك أحمد حسين بتهمة التحريض على حرق القاهرة، وكان عقوبتها الإعدام، إلا أنه قاوم قرار الإعدام من خلال الامتناع عن الطعام وعدم حضور الجلسات، أما بالنسبة لإبراهيم شكرى فكان هو النائب الوحيد عن الحزب الاشتراكى فى البرلمان وبالتالى كانت قذائفه تطلق داخل البرلمان من خلال فضح الفساد الملكى وعمل استجوابات حول الإفراط فى الترف الملكى وغيرها الكثير من الاستجوابات التى ساهمت فى تآكل الهيبة الملكية. قيام الثورة تم الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين بعد قيام الثورة، ولم يفرج عن أحمد حسين، مما أثار تعجب الكثيرين، وتحرك إبراهيم شكرى والتقى السادات ووعده بأن الموضوع سيتم تداركه سريعاً، فالمشكلة أن التهمة الموجهة لأحمد حسين هى حرق القاهرة، تعتبر جريمة مخلة بالشرف، وبالفعل أطلق سراح أحمد حسين بعد أيام قليلة واكتمل عرس الفرحة لدى شباب مصر الفتاة. دعا برنامج حزب مصر الاشتراكى "مصر الفتاة" لإلغاء الرتب والألقاب ليكون المجتمع المصرى طبقة واحدة وليس طبقات، وجاهد أبناء الحزب من أجل ذلك، وعلى رأسهم إبراهيم شكرى، فعندما أصدر صحيفة الشعب الجديد كان يكتب برواز صغيرا بعنوان "الشعب يريد إلغاء الرتب والألقاب"، وأن يتحقق نص الدستور من أن المصريين سواء لدى القانون. طلب الحزب أيضاً أن يكون لكل مهنة أو صناعة نقابة، يكون نشاطها متركزا على خدمة أبنائها والارتقاء بهم مهنيا، كما تقدم إبراهيم شكرى بقانون سمى "قانون العفو الشامل عن الجرائم السياسية التى وقعت منذ عام 36 حتى مرحلة ما قبل قيام الثورة، حسبما جاء بكتاب إبراهيم شكرى قصة كفاح". ويعتبر هذا هو بعض من إنجازات شكرى البرلمانية، ولم نتطرق فيها لأى إنجازات خدمية من إجمالى الخدمات التى قدمها إبراهيم شكرى للمجتمع المصرى. كما ورد فى كتاب" إبراهيم شكرى قصة كفاح "أن إبراهيم شكرى كان يعمل بشكل دءوب لإجهاض مشروعات بريطانية تستهدف السيطرة على الاقتصاد المصرى، وكان يسير على درب أبيه محمود باشا شكرى الذى كان أبرز من ساعد طلعت باشا حرب فى دعوته من أجال استقلال الاقتصاد المصرى، فاشترك فى مشروع القرش الذى دعا إليه الزعيم الراحل أحمد حسين وشارك فى توزيع طوابعه. وتتذكر أسمهان شكرى عندما كانت شابة صغيرة والدها وهو يخرج على الجبهة بعد حدوث نكسة عام 1967 من أجل ممارسة دوره كواحد من أبناء هذا الوطن، فمارس دور القوات المعنوية، والتى تعمل على رفع الحالة المعنوية لدى الجنود، وحثهم على ضرورة الصمود، وظل إبراهيم شكرى يقوم بهذا الدور حتى بدايات السبعينيات قبل حرب أكتوبر بمدة قصيرة. تقول أسمهان: كان والدى يذهب لبث الحماسة فى نفوس الجنود وحثهم على الثبات وأن النصر قادم من عند الله لا محالة بإذن الله وتعددت زيارته، وكان أخوها من العاملين فى الميدان الطبى، حيث دخل الجيش عام 67 و خرج عام 74 وكان فى الفريق الطبى الخاص بالجيش، فلم تكن المشاركة بالقلب فقط ولكنها كانت بالفعل.