استيقظت مفزوعاً من كابوس داهمنى منتصف ليلة اليوم الثالث من الشهر وهو اليوم الذى تكتمل فيه أزمتى المالية بعد انقضاء سابقيه دون أى خير يذكر.. وفى الحلم رأيت ثلاثين توك توك سودا يدهسون ثلاثين مسروقاً يشبهوننى وهم مقيدون بحبل مضفر بأرغفة عيش أسود مدعم. صرخت بأعلى صوتى مفزوعاً صرخة أقلقت زوجتى من نومها الذى يتجاوز فى قوته وعمقه نوم أهل الكهف فتبسمت كعادتها وقالت لى «شكلك شوفت رؤية حلوة... ما تحكيش عنها عشان تتحقق».. وهنا أدركت ضرورة الكشف لها عن تفاصيل الحلم... وبعد أن رويت لها ما شاهدته فى نومى نصحتنى -وهى تتثاءب- بأن أتوجه للواد حنتيرة الملبوس صبى الشربتلى اللى على ناصية القسم فهو مكشوف عنه الحجاب ويجيد تفسير الأحلام من يوم ما ضبط مرات أبوه بتخون أبوه. وما أن حكيت لحنتيرة حتى نصحنى بالبحث الفورى عن عمل، فالثلاثون توك توك يمثلون النشاط الذى يلتهم العاطلين الذين يمثلهم الثلاثون مسروقا مقيدا. وبعد بحث ممل فى سوق العمل انتهى بى المطاف عند المعلم فارس الوراق صاحب أكبر مخزن للكتب المستعملة. وبعد أن تأكد الوراق من خبراتى فى الصبر ومهاراتى فى الإذعان قرر تعيينى تحت الاختبار لمدة عشرة أعوام مقابل جنيهين وربع يوميا.. ونادى على مساعديه الدباح والهباش اللذين استقبلانى استقبالاً حفياً بوجوه مبالغ فى بشاشتها.. وبدأ العمل بتعليمات غبية من الهباش برص الكتب بطريقة عرضية وطولية فى نفس الوقت وعندما استفسرت منه عن كيفية جمع الطول مع العرض أجابنى وهى يمضغ الأكل الدائم فى فمه «هى الشغلانة كده متسألنيش.. وبعدين انت كلامك كتير ليه شكلك لا عمرك اشتغلت صابر ولا بتفهم فى الصبر». توسمت خيراً فى الدباح لبشاشة وجهه وابتسامته التى تقطع عرض ذقنه وهدوئه المبالغ فيه. أيقنت أهمية عدم الفهم فى مخزن الوراق وركزت فى عملى المنفرد فى رص الكتب بأى طريقة دون نقاش ودون نظام.. المهم أن أعمل ولا أجلس.. مر على عملى 12 شهرا لم أر فيها الراحة ولم أر مليما من مرتبى فقد كان المعلم فارس يمر على يوميا ويتابعنى وأنا أعمل بهمة وجد.. وفى نهاية الزيارة يقول لى عبارته المتكررة «عفارم يا مسروق يابنى يظهر إنك ليك عيش معانا» وفى أول الشهر عندما أسأل عن المرتب يجيب بزعل: «فلوس ليه يامسروق إنت مش شايف إيجار المخزن ومصاريفه.. يعنى أدفع لك وأقفل المخزن وتبقوا انتم فى الشارع من غير شغل.. أنا خايف عليكم.. وبعد ستة أشهر من مرور سنة على عملى فى مخزن الوراق دون صرف أى مليم بشرنى الدباح بحصولى على علاوة.. وعندما رديت عليه «مش لما أبقى أصرف المرتب الأول» قام اللعين برفع تقرير للوراق بقيامى بإثارة البلبلة والفتنة فى المخزن فتم فصلى ضمن قائمة ضمت كل العاملين فى المخزن دون صرف أى مليم لهم وتعيين بدلاء لهم بجنيهين وربع للنفر يومياً. حمدت الله على حصولى على عمل لمدة 18 شهرا.. أما عن المرتب الذى لم أتقاضاه فقلت كعادتى «قضا أحسن من قضا» وبدأت رحلة يوم جديد.