◄◄ منذ الحديث الأول لمنصور بدأت مرحلة ترميم المنصب المنهار ومعركة استعادة الهيبة مع الإطلالة الأولى للمستشار عدلى منصور لأداء اليمين الدستورية أمام هيئة المحكمة العليا الدستورية كرئيس مؤقت للبلاد فى الفترة الانتقالية بعد ثورة الشعب على نظام الإخوان فى 30 يونيو، ومع الكلمات الأولى للرئيس الجديد بعد أداء اليمين، بدا للمصريين أنهم أمام رئيس ورجل يمتلك من المقومات ما يؤهله أن يكون رجل دولة حقيقى جاء إلى المنصب واستدعى إليه من أكبر منصب قضائى فى مصر إلى أكبر منصب تنفيذى. هيبة رجل القضاء كانت بشارة للمصريين أنهم أمام رجل له قيمة وقامة تولى رئاسة مصر لاستعادة «هيبة» المكان الذى فقد كثيرا منها فى فترة تولى الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى بخطاباته العشوائية والاستفزازية وسلوكياته التى اهتزت معها صورة الرئيس المصرى أمام الرأى العام الداخلى والخارجى، حتى باتت مثار سخرية واستهزاء فى وسائل الإعلام العالمية، وما حدث خلال استقبال مرسى لرئيسة وزراء أستراليا ليس بعيدا عن الأذهان والعيون..! منذ اللحظة الأولى والحديث الأول، بدأت مرحلة ترميم المنصب المنهار ومعركة استعادة الهيبة. الأداء الرئاسى للرئيس عدلى منصور خلال الشهور الماضية جعله يكتسب سريعا ثقة وتقدير واحترام المصريين رغم صعوبة المهمة وخطورة ووعورة الأوضاع السياسية التى تمر بها البلاد، لم يعتذر الرجل أو يهرب ويتنصل من المسؤولية والاستدعاء، وقبل المهمة المستحيلة، رغم إدراكه للنتائج والتداعيات فى حالة الفشل والانكسار..! فى 4 يوليو 2013 وبعد أداء اليمين تعلقت عيون وأذان المصريين بخطاب اليمين الدستورية للرئيس الجديد، ومع خطاب التحدى والثقة والأمل، اطمأن المصريون بجميع أطيافهم - إلا قليلاً - إنهم أمام رئيس مصر بكل ما تحمله الكلمة من معنى سياسى وقيمة تاريخية، رئيس يعى ما هو مقدم عليه وما هى حجم المسؤوليات وما هو البلد الذى يحكمه حتى لو كان رئيساً مؤقتاً لعام أو أقل أو أكثر. فى الخطابات التى تلت الخطاب الأول كان احترام وتقدير وثقة المصريين فى عدل منصور تزيد يوما بعد يوم وخطاب بعد آخر، فقد استعاد «الخطاب الرئاسى» هو الأخر هيبته التى انتزعت منه طوال عام مضى، وعادت إليه الكلمات والجمل المنضبطة المتزنة والواثقة والواضحة بصوت يشع منه هيبة المنصب وجلال رجل القضاء. ففى أول خطاب رسمى بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة أكد منصور معانى الأمل والتحدى والقوة والثقة فى الشعب والوطن وإصراره على «المضى فى معركة الأمن والاستقرار حتى النهاية»، رغم أصوات الإرهاب التى كانت تجأر فى رابعة والنهضة وتهدد الشعب المصرى بالموت والاغتيال. خطاب منصور كان رسالة تحدٍ للإرهاب الذى حكم مصر وأزاحه المصريون فى 30 يونيو، ولملم أشلاءه فى رابعة. أكد منصور «نمر بمرحلة حاسمة من تاريخ مصر التى يريد البعض دفعها إلى المجهول» و«سنخوض معركة الأمن حتى النهاية». طوال الشهور الماضية ومنذ تولى المستشار عدلى منصور المهمة المستحيلة كانت - ومازالت - نظرة المصريين وكل من تعامل معه هى نظرة الاحترام والتقدير والتبجيل للرجل الذى لم يهرب من ميدان المسؤولية ولم يصم أذنه عن نداء الوطن فى مرحلة تاريخية غاية فى الخطورة، ولم يترك السفينة فى منتصف الطريق مثل غيره. وكشف أن معدن الرجال الحقيقى والصلب يظهر عند الشدائد، فالمسؤولية ليست بالشعارات و«التويتات» ودغدغة مشاعر الناس. ولو لم يفعل الرئيس عدلى منصور شيئاً فى فترة حكمه سوى أنه أعاد لمصر هيبة رئيسها ورئاستها الضائعة فى زمن الإخوان لكفاه ذلك ووجه إليه الشعب كل آيات الشكر والعرفان، فقد أضاع الإخوان دور مصر وهيبتها وفتحوا نوافذ الطمع لدويلات وقوى إقليمية فى وراثة الدور المصرى فى المنطقة العربية والأفريقية والإسلامية بسبب «غباء سياسى» منقطع النظير. وعندما تنتهى فترة حكم الرئيس عدلى منصور وتسليمه السلطة للرئيس المنتخب فى يونيو المقبل سيكون هو أول من يحصل على لقب الرئيس السابق لمصر دون أن يسبق تلك الجملة كلمة المخلوع أو المعزول. سينهى الرئيس عدلى منصور فترة حكمه الانتقالية فى يونيو القادم بعد أن يحلف الرئيس الجديد اليمين الدستورية لرئاسة الجمهورية، ثم يتوجه إلى منزله وليس إلى طرة مثل سابقيه. وهذه شهادة على قمة الأداء الرئاسى المنضبط والمحترم للرجل الذى يستحق - بالتأكيد - منحه أعلى الأوسمة الوطنية على دوره فى قيادة مصر بتفانٍ وإخلاص فى أسوأ مراحلها التاريخية. ربما كان من حق الرئيس منصور أن يعود إلى منصبه الأول كرئيس للمحكمة الدستورية العليا خاصة وأنه سيكون فى يونيو القادم يبعد عاماً ونصف من الوصول لسن تقاعد القضاة... ولكنه أكد فى أكثر من مناسبة أنه بعد تجربة الرئاسة لن يفكر مطلقاً فى العودة للعمل السياسى من خلال أى منصب، كما أنه لا يمكنه العودة للمحكمة الدستورية لأنه بعد اطلاعه على أدق أسرار الدولة لن يمكنه أبداً أن يستعيد حياد القاضى بعد أن انكشفت أمامه كل الحقائق التى من شأنها ألا تكون أحكامه حيادية بقدر ما ستكون تهدف لمصلحة البلاد. وربما تكون هناك مطالبة للرئيس المنتخب القادم بأن يكون للمستشار عدلى منصور موقعاً فى فريقه الرئاسى وهو ما تمناه المشير السيسى فى حالة موافقة منصور وفى حالة فوزه بالرئاسة، لأنه رجل صادق «ومحترم تشرفت بالعمل معه» - كما قال فى حواره مع لميس الحديدى وإبراهيم عيسى. هذه كلمات ربما لا توفى الرئيس عدلى منصور وهو يستعد لتسليم السلطة حقه كشخص وكرئيس لن ينسى المصريون دوره التاريخى فى حكم مصر حتى لو كان لمدة عام واحد فقط. يبقى أن نذكر أن المستشار عدلى منصور تم تعيينه عضواً بالمحكمة الدستورية العليا فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 1992، ثم تولى رئاسة المحكمة الدستورية العليا فى 30 يونيو 2013 خلفاً للمستشار ماهر البحيرى، وأدى اليمين كرئيس للمحكمة يوم 4 يوليو قبل أن يؤدى اليمين كرئيس للجمهورية بدقائق قليلة. حصل على ليسانس حقوق سنة 1967 جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا فى القانون العام من نفس الجامعة، ودبلوم الدراسات العليا فى العلوم الإدارية سنة 1970. فى 1984 عين مستشاراً لمجلس الدولة، كما عين وكيلاً بمجلس الدولة فى 1990 وانتدب للعمل مستشاراً بالأمانة العامة لمجلس الوزراء (الأمانة التشريعية) فى غير أوقات العمل الرسمية خلال الفترة من نوفمبر 1990 إلى ديسمبر 1992. وشغل منصب نائب رئيس مجلس الدولة فى فبراير 1992. وفى ديسمبر 1992 عين نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا فى ديسمبر 1992، وحتى تعيينه رئيساً للمحكمة الدستورية العليا فى 30 يونيو عام 2013.