منذ سنوات، حضرت احتفالاً بمرور 100 سنة على ميلاد السينما المصرية فى باريس، ودخلت فى مناقشات مع عدد من الإخوة والأخوات العرب المهتمين بالسينما والثقافة عموماً، وكان معظمهم من دول المغرب العربى، ووجدت الجزائريين منهم بالذات متحاملين علينا وعلى الفن والثقافة المصرية، بحجة أننا نتعامل معهم بتعالى شديد، ونتحدث كثيراً عن الريادة والسيادة والشقيقة الكبرى، فى حين أن واقع الحال يؤكد أننا لم نعد فى المقدمة، وأن السينما الجزائرية، رغم قلة ما تنتجه من أفلام، حصلت على السعفة الذهبية من مهرجان كان، وتقدم هى والسينما التونسية أفلاماً أعمق وأهم بكثير من السينما المصرية التى غرقت فى التجارية والإسفاف ،بدليل أننا لا نجد كل عام فيلماً يمثلنا فى مهرجان بلدنا وهو مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، أما السينما المغاربية أى سينما دول المغرب العربى ، فقد استفادت من الاحتكاك بالحركة السينمائية الأوروبية، وخاصة فى فرنسا وتقدمت كثيراً علينا، وأصبحت تنافس بقوة فى أى مهرجان دولى تشارك فيه بأحد أفلامها، ولكننا نحن المصريين الذين لا نريد أن نعترف بذلك، لأ ننا منغلقون على أنفسنا ولا نسمع سوى أصواتنا، ونتجاهل حقيقة تراجعنا فى الفن السابع، كما تجاهلنا واقعاً آخر يصر عليه أشقاؤنا السوريون، وهو أنهم تفوقوا علينا فى الدراما التليفزيونية، وأن مسلسلاتهم وبخاصة التاريخى منها يتفوق فى مستواه على المسلسلات المصرية التى تدور فى حلقة مفرغة، وتعلى من شأن النجوم على حساب الموضوع والديكور والإخراج، وأنهم تفوقوا علينا حتى فى عنصر التمثيل، ولذلك أصبحنا نستعين بكبار ممثليهم ومعظم ممثلاتهم اللامعات ليقوموا بأدوار البطولة فى أعمالنا الفنية، أما الغناء فلم يكن ملكنا فى يوم من الأيام، ولولا الثلاثى الخالد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم لما كان للغناء المصرى شأن كبير على المستوى العربى، لأن معظم الأصوات الجميلة سواء كانت لرجال أو نساء ليست أصواتا مصرية، وإن كان معظمها قد حقق شهرته انطلاقاً من القاهرة مثل وردة وفايزة أحمد وصباح وأسمهان وفريد الأطرش، ونور الهدى، ونجاح سلام، وسعاد محمد.. ونفس الحال يتكرر الآن، فالأصوات المشهورة على الساحة معظمهم غير مصريين، ولولا وجود أصوات نسائية مثل أنغام وشيرين عبد الوهاب، لانسحب بساط الغناء بالكامل من تحت أقدام مصر.. ويقول الإخوة العرب أيضاً إن الإعلام المصرى أصبح فى ذيل القائمة، وأن مستواه يرثى له، ولو قورنت أى قناة مصرية بمستوى "الجزيرة" و"العربية"، وحتى قناة "ام. بى. سى" أو أبو ظبى، لمالت الكفة تماماً فى صالح القنوات العربية، كما أن معظم الكوادر الإعلامية فى هذه القنوات من الشام وليس من مصر، فلم تعد أرض الكنانة ولودة أو مصدر للمواهب، على الأقل فى مجالات الثقافة والإعلام، وفى المجال الرياضى على سبيل المثال تفوقت علينا دول عربية أخرى، رغم أنها دخلت بعدنا الساحة الرياضية بسنوات طويلة، ويكفى أن نقارن بين عدد المرات التى وصلنا فيها إلى بطولة كأس العالم، ومستوى الأداء فى البطولة، بدولة مثل السعودية أو الجزائر أو تونس أو المغرب!. ولم يعد خافياً على أحد أن العرب لم يعودوا ينظرون إلينا بنفس الدرجة من التقدير والتبجيل التى كانوا ينظرون بها إلينا من قبل، ويربطون ذلك بتراجع الدور المصرى عربياً وإقليمياً ودولياً منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وانسحابنا عملياً من القضية الفلسطينية، وهو نفس ما يردده كثير من المثقفين المصريين، ويضيفون إلى تراجعنا فى الملف الفلسطينى، ملفات العراق والسودان ولبنان وغيرها من قضايا الأمن القومى العربى، التى أصبحنا فيها مجرد متفرجين، وتركنا مكاننا فارغاً ليشغله لاعبون آخرون من داخل الأمة مثل السعودية وليبيا وقطر، أو من خارج الأمة العربية مثل تركيا وإيران.. ولا يعرف أحد على وجه اليقين، إذا كان تراجعنا السياسى والاقتصادى هو السبب فى تراجعنا الثقافى والفنى أم أن الاثنان قد تزامنا معاً؟!. ويؤكد كثير من أشقائنا العرب أننا تراجعنا على مستوى الفكر كما تراجعنا على مستوى الحركة، ولكننا لا نريد أن نعترف بذلك، وهذا ما يستفزهم، خاصة وأنهم لم يعودوا يعملون حسابا للشقيق الأكبر العجوز المأزوم، ويحاول بعضهم التطاول عليه، على المستوى الشعبى والرسمى على حد سواء.. وإلا فما معنى قيام الليبيين والجزائريين بالاعتداء على لاعبينا أكثر من مرة، وما مغزى اجتراء حاكم قطر ورئيس سوريا وزعيم حزب الله وبعض قادة حماس على قيادتنا السياسية فى أكثر من موقع وأكثر من مناسبة. وطبعاً هناك أسباب أخرى قديمة غير تراجعنا وتقدمهم عنا فى بعض المجالات تدفع باتجاه كراهية كثيرين من العرب، فمثلا الإخوة الخليجيون، فبعضهم ينتقم من بعض مدرسيه المصريين الذين عنفوه وقسوا عليه أيام "التلمذة" بإساءة معاملة من يلاقون من مصريين، وبعضهم يتعاملون بتعالى ملحوظ مع الوافدين بشكل عام، باعتبارهم مجرد أجراء، ويستفزهم فى المصريين ما يمكن تلخيصه فى المثل الشعبى "فقر وعنطزة".. أما الإخوة المغاربة والتوانسة والجزائريين فلديهم عقدة نقص واضحة تجاهنا، فيما يعتقد اللبنانيون أنهم أشطر وأكثر تحضراً وحباً للحياة ورغبة فى الإنفاق من كثير منا، ويعتقدون أننا نعبد القرش، والسوريون أيضاً يقولون ذلك، ولا يخجلون من أن يعايروننا بالراقصات والفنانين وشارع الهرم، رغم أن لديهم أكبر نسبة انحلال أخلاقى فى العالم العربى كله، ولا يتفوق عليهم فى ذلك سوى الإخوة والأخوات من دول شمال إفريقيا، ومع ذلك فنحن لا نعايرهم بذلك، ولا نريد لمباراة فى كرة القدم مثل مباراة مصر والجزائر، ولقلة قليلة منحرفة مندسة من الجمهور الجزائرى حرقت "فانلة" منتخبنا وهتفت "مصريين حرامية"، لا نريد لهؤلاء أن يقلبوا علينا المواجع، ويثيروا فى نفوسنا هذا السؤال .. هل يكرهنا العرب؟ لأنهم لابد وسيسألوننا نفس السؤال.. وهل نحن أيضاً نحبهم؟.. بصراحة لا أعرف!