«المصري اليوم» ترصد الطابع الاقتصادى للحكومات المصرية منذ «52»    قبل بداية التعاملات.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الخميس 4 يوليو 2024    بالصور.. محافظ الشرقية الجديد يبدأ مهام عمله بتفقد شوارع مدينتي بلبيس والزقازيق    مدرب إسبانيا الأولمبي: لدينا غيابات كثيرة ستؤثر علينا.. وسأكون سعيدًا بالعمل في مصر    دويدار: الموسم الحالي الأسوأ في الكرة المصرية    مصرع طفلين شقيقين غرقًا في مزرعة سمكية بكفر الشيخ    عن شائعة تعرضه لوعكة صحية.. توفيق عبدالحميد يطمئن جمهوره: "أنا بخير وحالتي الصحية زى ما هي"    أدعية مستحبة لليلة رأس السنة الهجرية    أفعال مستحبة في ليلة رأس السنة الهجرية    بعد رفض الأهلي.. نجم الفريق يطلب اللعب في الأولمبياد (خاص)    هيثم عرابي: هدفنا التواجد بالمربع الذهبي.. وهذه حقيقية تعاقد الزمالك مع جوناثان    كراكاس: فنزويلا والولايات المتحدة تتوافقان على "تحسين العلاقات"    أصعب 24 ساعة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الخميس: ذروة الموجة الحارة (التفاصيل)    إجراء تحليل مخدرات لسائق ميكروباص تسبب في سقوط 14 راكبا بترعة بالصف    انتهى الخلاف بطلقة.. تحقيقات موسعة في مصرع شاب إثر مشاجرة بالواحات    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    فلسطين.. اندلاع مواجهات عنيفة عقب اقتحام قوات الاحتلال المنطقة الجنوبية لمدينة الخليل    نجم الزمالك السابق: هناك عناد من الأهلي وبيراميدز ضد المنتخب الأولمبي    تكليف لميس حمدي مديرًا لمستشفى طلخا المركزي بالدقهلية    بايدن: أنا زعيم الحزب الديمقراطي.. لا أحد يدفعني للرحيل    وزيرا خارجية أمريكا وأوكرانيا يبحثان تعزيز الدفاع الجوي لأوكرانيا    وزير الخارجية الأرميني: مستعدون لتطبيع العلاقات بالكامل مع تركيا وفتح الحدود    أخبار كفر الشيخ اليوم.. اللواء علاء عبدالمعطي يؤدي اليمين الدستورية كمحافظًا لكفر الشيخ    خاص| مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية يكشف هدف دمج الوزارات بالحكومة الجديدة    أول تصريح لمحافظ الأقصر الجديد: نعزم على حل المشكلات التى تواجه المواطنين    وزير الزراعة الجديد: سنستمكل ما حققته الدولة وسأعمل على عودة الإرشاد الزراعي    «مستقبل وطن»: تشكيل الحكومة الجديدة متناغم وقادر على إجادة التعامل مع التحديات    بسبب المنتخب الأولمبي.. هل يتم تأجيل الدوري المصري؟    النصيري على رادار أحد الأندية السعودية    هاني سعيد: بيراميدز لم يعترض على طلبات المنتخب الأولمبي.. وهذا موقفنا النهائي    تونس وفرنسا تبحثان الآفاق الاستثمارية لقطاع صناعة مكونات السيارات    الجمعية العربية للطيران المدني تزكي الكويت عضوا بمجلسها التنفيذي للمرة الثالثة على التوالي    سعر الأرز الشعير اليوم الخميس 4 يوليو 2024 في جميع الأسواق المحلية    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    الجانى مجهول.. إصابة شخص ونجله بطلق ناري حي ببنى سويف    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    فحص نشاطها الإجرامي.. ليلة سقوط «وردة الوراق» ب كليو «آيس»    مصرع طفل غرقا داخل نهر النيل بقنا    عمرو خليل: اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة على أساس الكفاءات والقدرة    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    خبراء ل قصواء الخلالى: منصب الوزير الآن لم يعد ببريقه قبل سنوات    رئيس جامعة دمياط يشهد مناقشة رسالة دكتوراة بكلية الحقوق    أحمد حلمي: أنا بحب كوميديا الموقف أكتر من الإفيهات    3 طرق بسيطة لإسعاد زوجك وجعله يشعر بالسعادة    حظك اليوم| برج الدلو 4 يوليو.. «يوم الأفكار المبتكرة والاتصالات الاجتماعية»    حظك اليوم| برج القوس الخميس 4 يوليو.. «التفاؤل والحماس مفتاح التقدم»    الكويت: ضبط مواطنين منضمين لتنظيم محظور يهدف لهدم نظم البلاد    حماس: إسماعيل هنية أجرى اتصالات مع الوسطاء في مصر وقطر بشأن أفكار تهدف لوقف إطلاق النار    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    لبنان.. قصف إسرائيلي يستهدف خراج بلدة السريرة بمنطقة جزين جنوبي البلاد    أمين الفتوى: لا تبرروا كل ما يحدث لكم بشماعة السحر والحسد (فيديو)    إحالة طبيب وتمريض وحدتي رعاية أولية بشمال سيناء للتحقيق بسبب الغياب عن العمل    أهم تكليفات الرئيس لوزير الصحة خالد عبد الغفار.. الاستثمار في بناء الإنسان المصري    أستاذ حديث: إفشاء أسرار البيوت على الانترنت جريمة أخلاقية    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية (تفاصيل)    بيان الإنقاذ وخطاب التكليف !    وزير الأوقاف: سنعمل على تقديم خطاب ديني رشيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأسير" ..قصة لعبدالله يسرى
نشر في اليوم السابع يوم 31 - 10 - 2009

24- فبراير- 1968 .. القاهرة
ملامح الناس تغيرت، الشوارع كما هى لكنها حزينة، الأسماء هى الأسماء لكنها فقدت الروح، كل شىء حولى أراه من نافذة الأتوبيس الذى وصل الآن بنا أنا وباقى الأسرى العائدين إلى قلب القاهرة.. كنا حوالى 40 رجلا ما بين ضابط وعسكرى.. آااااه الوضع لا يُبشر بخير أبدا، فنحن متجهون الآن إلى الكلية الحربية كما قيل لنا، وإن القائد أحمد إسماعيل عايز يشوفنا.. عادةً وفى وضع كهذا، يحاول القائد تقديم تفسير مقنع لما حدث للجنود، لكن ترى ماهو المبرر المقنع لهذه الهزيمة؟!
أبدو كالبرميل المنتفخ الذى أوشك على الانفجار رغم نحافة جسمى..
على باب الكلية كان فى انتظارنا ثلاثة ضباط وعدد من العساكر.. دخل كل منا باسمه وعند الباب خلعنا الساعات، صودرت الأشياء التى كانت بحوزتنا حتى مجموعة الأمواس التى كان الإسرائيليون يوزعونها علينا كل أسبوع من ماركات مختلفة.. آه آه آه.. أذكر أننى جمعت عددا منها وكأنها طوابع بريدية.. أخذوها، اتجهنا إلى قاعة تشبه قاعة الامتحانات.. طرابيزات.. كراسات إجابة.. أقلام جافة، والسؤال موحد ومفتوح: ما الذى حدث لك من أول الأسر إلى اليوم؟؟؟
لم أتمالك نفسى، فبعد كل هذا المشوار الطويل.. هذا العذاب أخضع لاستجواب بهذا الشكل المرهق، ليس فىّ عقل للكتابة، حتى الراحة لم أذقها بعد هذا المشوار.... وبمجرد وصولنا نخضع لهذا المجهود الذهنى المؤلم؟؟؟
(أنا مش حاتكلم ولا أكتب كلمة واحدة،، ماعنديش ثقة فى أى حد قدامى يا فندم) قلتها بصراحة مخلوطة بنكهة الألم للعقيد الواقف أمامى.
العقيد يرد على برفق (ليه كده يا ابنى، دا انتا فى بلدك).. قلت له بعصبية (معلش أنا عايز أقابل مدير المخابرات)
كأن رأسى قد تحجر ولم يعد على لسانى غير هذه العبارة لكل الرتب التى جائتنى بعد هذا العقيد.. أخرجونى من اللجنة بعد الضجة التى أحدثتها بعباراتى الثائرة وما هى إلا نصف ساعة حتى جائنى فى غرفة - أجلسونى فيها منفرداً- رجل هادئ النفس، حسن السمت، حازم الملامح، خاصة حاجبيه اللذين كأنما قد تجمع عليهما هموم هذا البلد فباتا علامة من علامات الزمن.. اقترب منى وقال بعد وقوفى احتراما له، فقد كان برتبة لواء (أنا مدير المخابرات يا أحمد، خير يا ابنى)..
التقط أنفاسى وهززت رأسى قائلاً (الموضوع كبير جداً يا فندم)
مدير المخابرات: خير يا أحمد فيه إيه؟؟
قلت: أنا عايز تفضولى اُوضة وتجيبولى واحد أمليه، لأن ماعرفش أفكر وأكتب فى وقت واحد، لغاية ما أفضى إللى فى دماغى كله..
باستغراب مشوب بأبوة حانية قال لى: حاضر يا ابنى
كان الكاتب يجىء كل يوم فى ال9 صباحاً ويمشى فى ال3 ظهراً.. كنتُ أنادم نفسى مع هذا الكاتب بكل ما حدث منذ أسرى وحتى عودتى..
استغرقت أربع أيام فى عصر ذاكرتى، مشهداً مشهداً، بكل ما فيها من شخوص وكلام ومكان وزمان..
وكنت إذا نسيت شيئأ ثم ذكرته أقول للكاتب "اكتب ملحوظة"...
كانت المقارنة تزعجنى لكنى لا أستطيع الهرب منها، بين ما شاهدته فى إسرائيل وبين ما أعيشه الآن بعد عودتتى.
زميلى فاروق الجابرى دفعتى فى الكلية الحربية وكان معايا فى المدرسة فى دمنهور، حدث وأن جلست معه ذات مرة، نادى عسكرى وطلب منه كوبين من الشاى.... وبعد غياب العسكرى حوالى لثلث ساعة، عاد وقال لنا (يا فندم مش عايزين يدونى لازم بونات).
وهنا صرخت فى وجه فاروق (شفت يا سى فاروق ده حاجة وسخه وتخلف، إسرائيل بقى غير كده.. الراجل يخبط على الباب ويدخل ويحط لك الشاى والقهوة والعصير من غير لا بونات ولا زفت...).
كنت حزيناً لقولى هذا، لكن هذا ما كنت أشعر به ساعتها.. كانت الأرض تميد بى كلما خضعت لمنطق المقارنة هذا، لكن لا فائدة لا أستطيع أ أنسى.
بهدوء مرّ أسبوع على عودتنا ونحن داخل الكلية الحربية وها نحن اليوم الخميس نتأهب لنزولنا إجازة فى المساء وليل القاهرة الساحر سنراه ونعيشه، علنا ننسى كل الألم التى رأيناها..
جاء القائد محمد فوزى خطب فينا خطبه من إياها.. الخطب الرنانة ثم أعطونا كل واحد عشرين جنيها وانطلقنا فى إجازتنا لمدة شهر، كان الأسبوع الأول منها رحلة جماعية لنا لأسوان وماجورها.. طبعاً كانت عملية فرفشة لينا.. ثم بعد هذا الأسبوع انطلق كل منا إلى غايته.. أهله وذويه.
عدت من أسوان إلى شقة ابن عمتى فى القاهرة، وكانت زوجتى مع بنتى ذات السنتين فى انتظارى هناك...
أقمنا معه، فقد كان بمثابة ولى أمرى.. وفى يوم كنتُ قد دعيته لأكلة سمك عند خال زوجتى الذى يسكن شارع الألفى والذى دعانى أنا وزوجتى وابنتى لقضاء اليوم معه، وما أن حضر ابن عمتى وكان وجهه شاحبا، حتى رمانى بعبارة بدت عادية فى مثل تلك الأيام (يا أحمد، الدنيا مقلوبة عليك.. عايزينك تاني، جُم وسابولك نمرة تليفون).... تناولتها وبكل امتثال اتجهت إلى التليفون...
دقائق وكانت سيارة الجيب تقف تحت العمارة فى انتظارى.
إلى اللقاء فى الجزء الخامس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.