عانت مصر فى السنوات الأخيرة من ويلات الجيل الرابع من الحروب، وربما نضع هنا اللوم على الدولة ومثقفى الأمة وكل منظمة مسئولة لم تعلم الشعب بما سيوجه له من حروب، حتى يتشارك المواطن مع الدولة فى التصدى لهذا الخطر وحتى لا يقع بعض المتحمسين فريسة يستخدمها العدو لتنفيذ مخططات بعينها ويحسب المتحمس هنا أن يحسن صنعا. الجيل الرابع من الحروب هو ببساطة إرغام الدولة على حرب داخلية تواجه فيه الدولة عدو أو خلايا خفية أو منظمات إرهابية تهدف هذه الحرب إلى زعزعة الأمن القومى والاستقرار الداخلى للدولة، ولعله معروف المحاضرة التى ألقاها البروفسير الأمريكى "ماكس مايوراينغ" فى معهد الأمن القومى الإسرائيلى وخلاصتها هى "الجيل الرابع من الحروب هو حرب بالإكراه تسعى لإفشال الدولة وزعزعة الاستقرار بها ثم فرض واقع جديد يراعى مصالح الفارض" (أقصد هنا الدولة أو المنظمة العدو). تبدأ هذه الحرب بفرض فوضى خلاقة داخل البلاد مع عمليات إرهابية تستفز مؤسسات الدولة الأمنية وتظهر للرأى العام أن هذه الدولة لا تستطيع حماية مواطنيها كما أن المواطن لديه غضب عارم من نظام دولته والدولة لا تنفذ طلبات وأوامر المواطن. والأجهزة الأمنية الواعية فى أى دولة تستطيع بسهولة التصدى للفوضى، لكن الفارض تقدم للفوضويين شيئين هامين وهما المعلومات التى لا يستطيع أن يصل لها الفوضوى بإمكانياته المحدودة والشىء الثانى وهو الوعد الصادق بإيصال هذا الفوضوى إلى سدة الحكم ومساعدته بكافة المتطلبات فى سنوات حكمه، مما يجعله أكثر حماسًا فى المطالبة برحيل السلطة الحاكمة. الفارض هنا لا يستطيع تغيير نظام داخل الدولة عن طريق إعطاء الأوامر للدولة، ولكن هو يخبرها بطريق غير مباشر أنه يجب أن تغير الدولة من يحكم بها للأسباب تدخل فى مصالح الدولة الفارضة دون النظر إلى الفوضويين، فهم لديهم بمثابة الكرة التى يقذفونها فى أعالى الهواء ثم ترتطم أرضًا ليطحن هواؤها الداخلى محققة هى اللهو والمصلحة "للدولة الفارضة". منذ عام 2005 وحتى الآن مصر يمارس باحترافية ضدها هذا النوع من الحروب، وبات معروفًا الدولة الفارض والفوضويون والسلطة التى يجب الإطاحة بها، وربما تعاملت الإدارة السياسية المصرية فى هذه الأوقات بشىء من الحكمة حتى لا يمارس ضدها نوعًا جديدًا من الحروب لا تعلم هى قواعده ولا أبعاده. وحتى لا أطيل أقول حتى نتخلص من حرب الجيل الرابع هناك دولة فارض لا نستطيع نحن التحكم فى تفكيرها، وهناك سلطة حاكمة لدينا لا نلومها على التصدى لأى عدوان ولكن هناك فوضويين وهم الأداة والمحرك الرئيسى فى تنفيذ هذا النوع من الحروب، وحتى ننتهى تمامًا منه يجب أن نحسن اختيار القيادة السياسية ثم عدم التظاهر والمطالبة برحيلها لأسباب واهية لا تستطيع الإدارة القادمة تنفيذها. التظاهر هو سلاح ذو حدين، وهو فى الغالب يحقق المصالح الشخصية أو الحزبية وليست المصالح العامة، لذا يجب علينا ألا نخرب الوطن بمظاهرات ضالة وتائهة فى أنحاء البلاد لمصالح ليس لنا فيها منفعة، كما أننى لست مع تكميم الأفواه فمن حق الجميع أن يُعبر عن رأيه لكن لا ينفذ مصالح أجانب ويلوث يده بمُلوثِ الخيانة دون قصد منه أو نية.