كما سبق أن قلت لك فى نهاية مقالى السابق وقت خطابك الشهير فى جامعة القاهرة، بأنك شاب .. نشأت نشأة صالحة .. تتسم شخصيتك بالجدية والحزم مثلك مثل أى مواطن أمريكى سوى، ولم تتلوث يداك بعد بدماء الأبرياء ولم تدخل بعد فى الجانب السيئ من الألاعيب السياسة، مختلفاً فى ذلك مع عقلية وشخصية الكاوبوى التى تتمثل فى الرئيس السابق بوش ونائبه ديك تشينى ورامسفيلد ورايس إلى آخر هؤلاء الذين امتلأت قلوبهم بالكراهية للعرب والمسلمين، كان هذا نص ما قلته، منصفا إياك عن حق فيما أرى. والآن، وبعد مضى بضعة أشهر، وكما كان متوقعاً لم تتركك قوى الضغط السياسى النافذ على حالك، وإنما تناوبت الضغط عليك حتى بدأت تستجيب لها مخالفاً بذلك وعودك للمجتمع الأمريكى والمجتمع الدولى بالتغيير – حيث بدت استجاباتك عكس وعودك وقناعاتك على النحو الآتى: أمرت بعملية "الخنجر" العسكرية فى أفغانستان، حيث بدأت القوات الأمريكية بقصف القرى والمدن الأفغانية وما يجاورها من قرى ومدن باكستانية فى وادى سوات وهلمند موقعة آلاف القتلى من المدنيين الأبرياء قليلى الحيلة بقنابل طائراتك وقذائف قواتك التى جاءت إلى أفغانستان بدعوى تحريرهم والدفاع عنهم، دون أن تصيب إلا أقل القليل من تنظيمات القاعدة التى هى هدف الحرب، وها أنت اليوم تستغيث بقمة الثمانى الكبار المجتمعين فى إيطاليا لكى تساعدك فى حل قضية أفغانستان، متى تتعلمون أن تكفوا عن الاعتداء على الشعوب الأخرى أو تأييد إسرائيل فى الاعتداء عليها حتى لا تخلقوا لكم كل يوم أعداء جدداً، عموماً رغم هذا يبقى السؤال الأهم لماذا ذهبت أمريكا إلى أفغانستان من الأصل؟ ولماذا تستمرون حتى الآن فى العدوان على أفغانستان؟ هل تقول إنه رد على عملية 11/9؟ ربما كان هذا غير صحيح، عموما لنا فى هذا حديث آخر. أمرت بإيقاف جميع أعمال التعذيب التى سبق أن أصدر ديك تشينى الأمر بتنفيذها ورفع الغطاء عن مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، حيث إن هذه الأعمال طبقا لقولك، تشكل وصمة فى جبين أمريكا بلد الدفاع عن الحريات، وأنها تفقدها مصداقيتها أمام العالم، ثم فى أقل من أربع وعشرين ساعة وتحت ضغط معاونيك ومستشاريك تراجعت عن نشر صور التعذيب فى العراق وفى أمريكا أثناء عمليات استجواب العرب والمسلمين، مبرراً ذلك بأن هذا سيؤدى إلى الإضرار بصورة أمريكا، وربما ملاحقة الذين قاموا بأعمال التعذيب وتعريضهم وأسرهم للخطر. أعطى نائبك بايدن اليهودى الديانة - وهذا ليس عيباً ما لم يؤثر فى ولائه وتوجهاته - أقول أعطى إسرائيل الضوء الأخضر بتصريحه الشهير بأن إسرائيل تستطيع أن تتخذ ضد إيران ما تراه فى مصلحتها من إجراءات دون اعتراض من أمريكا، ناسياً أن أمريكا هى التى تمد إسرائيل بالأسلحة والمعدات والتكنولوجيا التى تمكنها من مهاجمة الدول الأخرى. وعند هذا اختلفت الأمور كثيرا، فقد ارتكبت الخطيئة الكبرى وهى قتل النفس أو الأمر به، وهو ما كنت بريئا منه قبل شهور قليلة، ولقد ترتب على ذلك أن ذهبت ابتسامتك الصافية التى زانت وجهك ذات يوم وقربته من القلوب، لتحل محلها ابتسامة مصطنعة لا معنى لها، ترافقها نظرة نكوص وإنكار للوعد، وهى نفس النظرة التى تعلو وجوه معظم قادة العالم فى الغرب والشرق الذين يكذبون بالليل والنهار، كما يتنفسون، إما لتبرير ضرب العرب والمسلمين فى كافة أرجاء العالم، وإما للاحتفاظ بالكرسى الملعون، ربما باستثناء حكام دول إسكندنافيا والإسكيمو وما شابههما الذين لا يقعون فى دوائر أى صراعات سياسية، كما وأنهم خالين من أى أطماع فى السلطة فى دولهم، لقد كان ثمن السلطة دائما هو الدم، سواء دم الأعداء كما هو الحال فى دول العالم الواقعة فى مناطق الصراعات .. أو دم مواطنيهم كما هو الحال فى معظم الدول العربية. صدقنى، لقد انطفأ النور فى وجهك - بل وعفوا - فقدت عذريتك السياسية التى كنت تفتخر بها وخضعت أخيرا لمن يحيطون بك من متنفذى السلطة وقوى الضغوط العسكرية والصناعية والاقتصادية، ناهيك عن اللوبى الصهيونى، وما يستطيع أن يفعله بك عن طريق مساعديك ومعاونيك مزدوجى الجنسية ومزدوجى الولاء، وأصبح واضحاً أنك لن تستطيع الفكاك منها وسوف تزداد انزلاقاً يوماً بعد يوم بعيداً عن الحق والعدل. والآن ربما لا يكون أمامك سوى حلين، أولهما أن تنهض من كبوتك – وأنت فى بدايتها - صارخا زاعقا ضاربا بيديك متخلصا مما يحيط بك من قيود ممزقا الخيوط العنكبوتية التى نسجوها حولك، رافضا أن تكون ماريونيت فى أيديهم، وطبعا لك أن تتصور ما سيفعلونه بك، أسوة بما فعلوه بالرئيس السابق كلينتون، حين رفض مقابلة نيتانياهو بعد أن ذهب للقائه فى أمريكا، وعوقب على ذلك بعد أسبوعين بتسريب فضيحة مونيكا لوينسكى عبرة لمن يعتبر، أو أسوة بما فعلوه بكنيدى وغيره وقاك الله السوء. أما ثانى هذه الحلول، فهى أن ترضخ وتمشى فى الخط متظاهرا بأن هذا هو اختيارك ولم يمله عليك أحد، وذلك ما يفعله معظم حكام العالم العربى، بل ويزايدون لكى يثبتوا للعالم ولأنفسهم أن هذه خياراتهم فعلا لم يجبرهم عليها أحد، وأنها لصالح أوطانهم وشعوبهم. وفى هذا الاختيار، فإن الطريق أمامك طويل وسوف يستمر الانزلاق من تنازل إلى آخر كما فعل سابقوك، ولك أن تتخيل المدى الذى ستصل إليه فى نهاية مدة رئاستك، والتى لن تكون فى آخرها أفضل من بوش كثيراً.. السيد الرئيس، هل تستطيع أن تعود كما كنت أملاً مرجواً ومازالت الفرصة سانحة، ربما تستطيع لو أعدت ترتيب منظومة الحكم وتخلصت من بعض المحيطين بك، فهم أس البلاء عندك وعندنا. * لواء أركان حرب متقاعد – خبير استراتيجى