«غياب الموارد وراء تراجع «العامة للاستعلامات».. والدعم المالى أقرب الطرق لإنعاش صناعة الإعلام "الإعلام سلاح ذو حدين".. دائمًا ما توظفه الدول للتأثير في الجماهير باعتباره إحدى وسائل الاتصال الناعمة نظرًا لقدرته الفذة على التفاعل مع كل أنواع الجمهور بمختلف الأعمار والمستويات الفكرية، ومن جهة أخرى ينهض في أوقات الأزمات والحروب لحشد همم المواطنين للوقوف كحائط صد أمام أي تحدٍ يعرقل تقدم الوطن. لكن الإعلام بأنواعه "المرئى والمسموع والمقروء" تراجع خلال الفترة الأخيرة بعد تربع شبكات التواصل الاجتماعى ك"فيس بوك وتويتر وإنستجرام" وغيرها، على عرش قوى الاتصال، وبانت الصحف والبرامج الإذاعية والتليفزيونية تخاطب جمهورا معين يضمن بقاءها. وفى هذا السياق، يكشف الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي في حوار ل"فيتو" مسيرة الإعلام المصرى منذ بدايته، ودوره في خدمة الوطن كإحدى وسائل القوى الناعمة، وكذلك سر تراجعه خلال الفترة الأخيرة، وطرق عودته للريادة مجددًا.. وإلى نص الحوار: بداية.. كيف أصبح الإعلام "قوة ناعمة"؟ لعب الإعلام منذ نشأته دورًا حيويًا في خدمة الوطن، حيث سعى إلى تنوير الجمهور بمختلف القضايا السياسية والاجتماعية ودمجه في وطنه عن طريق إشراك المواطن في صناعة القرار بإرساء قواعد المشاركة لتحقيق المصلحة العامة داخليًا وخارجيًا، كما أسهم في تعميق صلات الجمهور بصناع القرار السياسي، وخلق تأثير متبادل ليؤسس قواعد قانونية وسياسية ومعايير مهنية ومواثيق شرف إعلامي تحكم المهنة، لكن كفاءته تراجعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ثورة 25 يناير. وما سر هذا التراجع ؟ يأتى التراجع نظرًا لمرور الوطن بعدة أزمات من تذبذب الاستقرار، وتغيير الأنظمة، فضلا عن غياب الاهتمام بالإعلام، وعدم وجود قواعد وآليات للضبط والمراقبة سواء يمارسها الإعلاميون أنفسهم أو نقاباتهم المهنية، أو المجتمع. والإعلام المصرى تأثر كثيرًا بالتحولات السياسية وتداعياتها، لأن كل الأطراف المتصارعة التي وصلت إلى السلطة أبقت على الأطر القانونية والتنظيمية القديمة، ولم يسعَ أي منها إلى تغيير أوضاع الإعلام في شكل جاد بما يضمن حريته وتفعيل دوره. إذن المشهد الإعلامي الحالى "مضطرب"؟ حقًا المشهد متخبط ومتراجع، ويرجع ذلك لغياب وسائل الضبط الذاتى للإعلام والمراقبة المجتمعية، فتغافل بعض الإعلاميين عن قواعد المهنية، ومواثيق الشرف الإعلامي، ومن هنا تراجع ترتيب الصحافة والإعلام المصرى عالميًا. وكيف يمكن ضبط المشهد؟ ينضبط المشهد بتحقيق المعايير المهنية من خلال تطوير أداء وسائل الإعلام، ومراقبتها من خلال المجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وتدشين مؤسسات إعلامية تعمل في مجال الإعلام وصناعة الأخبار وتشكيل الرأى العام، لكن ميديا رجال الأعمال تفوقت على الصحف والقنوات الحكومية في معركة التأثير، حيث حظيت بمعدلات قراءة ومشاهدة أعلى من ميديا الحكومة خلال أشهر قليلة، ويرجع ذلك إلى نقص الموارد. هل ترى أن الإعلام الموازي.. هو الحل؟ بالفعل تنامى دور الإعلام، ليفتح الباب لصعود نجم شبكات التواصل الاجتماعى التي تقدم إعلامًا موازيًا وفعالًا بين الشباب، لكنها تعانى نقص المصداقية وتحولها إلى منصات للاستقطاب والتشاحن. بالنسبة للهيئة العامة للاستعلامات.. كيف ترى دورها الآن؟ الهيئة العامة للاستعلامات تتبع رئاسة الجمهورية، وتقوم بدورها كجهاز الإعلام الرسمى للدولة، إلى جانب شرح سياسة الدولة في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومواقفها إزاء مختلف القضايا، إلا أن دور الهيئة تراجع خلال الفترة الأخيرة بسبب قلة الموارد، سواء بشرية من الصحفيين والمراسلين الإعلاميين المدربين، أو مالية، فضلا عن الاعتماد على أجهزة عفى عليها الزمن في نقل الصورة. فمن هنا ظهرت ما تسمى "قوى السوشيال ميديا" التي تحولت لمنافس شرس لوسائل الإعلام، بل تعاظم دورها بسبب المبادرة بنشر الخبر، ففور أن تفتح "فيس بوك" تعرف كل ما يدور حولك، لذلك أصبح الشعب المصرى يتلقى الجديد من مواقع التواصل الاجتماعي، نظرًا لتراجع دور الإعلام. نفهم من حديثك أن ال"سوشيال ميديا" تفوقت على الإعلام الرسمى ؟ السوشيال تبادر بنشر الخبر، لكن لا يعتمد عليها معظم الجمهور في تفسير الأحداث، لذلك يلجئون إلى البرامج الحوارية وال "توك شو"، لمعرفة كل ما يخص القرارات الجديدة، من ثم خلق ساحة نقاش على مواقع التواصل، فالسوشيال تفوقت على الإعلام في سرعة نشر الخبر، لكن بالطبع للإعلام ريادته في التفسير والتوضيح والتأثير. وأخيرًا.. كيف تستعيد الهيئة ريادتها؟ الأزمة المالية تعصف بالهيئة، فعلى الجهات المسئولة ضرورة النظر إلى أحوال الهيئة، لتعود لصدارة المشهد الإعلامي، وتنافس بقوة كل وسائل الاتصال، فالدعم المالى هو أقرب الطرق لإعادة إنعاشها. ومن المهم توظيف الإعلاميين الأقدر على إدارة المهمة لإيجاد أداة اتصال إعلامية عالمية تنقل الحقيقة عن مصر في مواجهة القنوات المضللة المتربصة بالدولة، مع ضرورة تحقيق القواعد المهنية، لوقف الفوضى الإعلامية الحالية.