يستعرض الدكتور إمام عبد الفتاح إمام أستاذ الفلسفة في رؤية فلسفية لأنظمة الحكم الاستبدادية والطاغية في الشرق الإسلامي مقارنة بالدول الأوروبية وجهات نظر الفلاسفة الغربيين – أمثال أرسطو وأفلاطون وجون لوك ومونتسكيو وغيرهم – في كتاب يحمل اسم الطاغية، وقد شرح من خلاله أسباب الطغيان الشرقي ومقوماته وسماته والتي مد بها الجذور إلي الأجداد، وإلى تعود الشعب على تأليه الحكام في الشرق. ومن سمات الطاغية التي يوضحها الدكتور إمام أنه لا يعترف بقانون أو دستور في البلاد بل تصبح إرادته هي القانون الذي يحكم وما يقوله هو أمر واجب التنفيذ، وما على المواطنين سوى السمع والطاعة، وأيضا هو من يسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته وملذاته أو متعه التي قد تكون في الأغلب حسية. ويرى إمام أن للطغيان صورا شتي لكن أسوأها جميعا هو الطاغية الذي يرتدي صراحة عباءة الدين . وإن كانت جميع صور الطغيان لابد أن تعطي لنفسها صفة القداسة حتى يتحول الطاغية في نهاية الأمر إلي "ولي النعم" - على نحو ما كان لقب الحاكم عندنا إلى عهد قريب - وسرد إمام مظاهر الاستبداد من مصر الفرعونية إلى الآن فالملك إلها ً وهو من ناحية أخرى الوسيط الرسمي الوحيد بين الشعب والآلهة والكاهن الأوحد المعترف به للآلهة كلها، وكثيرا ما أخذ الملك لقب ابن رع أي أنه الابن الجسدي لآلهة الشمس. وضرب الكاتب بقصة حتشبسوت ابنة تحتمس الأول كدليل واضح على حصول الاستبداد بأن ادعت أنها بنت الإله الأكبر أمون رع وكانت هذه القصة هي السبب في توليها العرش، ولهذه الصفة الإلهية التي أضفت قدسية على الملوك في مصر القديمة كانت لها الكثير من السمات هي أن كل ما يتفوه به صاحب الجلالة يجب أن ينفذ، بل لابد أن يتحقق فورا ذلك لأن مشيئة الملك وإرادته هي القانون. وذهب المؤلف لفلسفة الحكم الشمولي والذي ضرب بالفترة الناصرية مثلا له؛ فقد وضح في المذاهب الشمولية بأنه ضرب من ضروب الحكم التسلطية وأنه يختلف بالتمسك بالمظهر الديمقراطي لتسويغ سلطته وإعطاء نظام الحكم طابع شرعى وأوضح أنه إرادة القائد أو الزعيم هي إرادة الشعب ولقد أدرك القادة الشموليون إن الاتجاه إلى مشاعر الناس لا إلي عقولهم واكتساب التأييد من خلال تعطيل العقل وإلهاب المشاعر وإثارة الحماس بالخطب واللافتات والشعارات الكبرى إذ وجدوا أنه يسهل جذب الجماهير عن طريق العواطف والمشاعر لأن طريق المناقشات العقلية أو طرح الأفكار قد تثير جدلا. وفي صورة هي أبلغ من التفسير فند المؤلف أنواع الطغيان - حيث عرفه أرسطو - بأنه صورة من صور الحكم الفردي عندما يتحول إلي حكم سيئ ينفرد فيه صاحبه بالسلطة دون حسيب ولا رقيب فلا يكون هناك قانون يحكم بل إرادة الفرد، وأن من السمات التي تسهل للطاغية الاحتفاظ بحكمه هي تدمير روح المواطنين وزرع الشك وانعدام الثقة فيما بينهم، وجعلهم عاجزين عن عمل شيء . وكذلك تعويد الناس على الخسة والضعة والعيش بلا كرامة بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل والهوان، وكذلك سمة استئصال كل من تفوق والقضاء على البارزين من الرجال وأصحاب العقول الناضجة، ومنها أيضا ً منع الموائد المشتركة والاجتماعات والنوادي وحظر التعليم أو جعله لونا من الدعاية للحاكم وحجب كل ما يعمل على تنوير النفوس أو كل ما يبث الشجاعة والثقة بالنفس، وكذلك أن يجتهد الطاغية حتي تكون لديه معلومات منتظمة حول كل ما يفعله رعاياه أو يقولونه، وهناك وسيلة إفقار المواطنين حتى ينشغلوا بالبحث عن قوت يومهم فلا يجدون من الوقت ما يتمكنون فيه من التآمر عليه لهذا يختار الطاغية الفاسدين من البشر في نظام حكمه ليكونوا له أصدقاء فهم عبيد النفاق والتملق. ويشرح الكاتب فلسفة النكتة السياسية وأسباب ظهورها فقد رأي في انتشارها - - بين المصريين عندما يمكن حكم الطاغية لنفسه لا يكون أمام الناس سوى الاستسلام والشكوى والأنين ثم الالتجاء إلي سلاح وحيد يتوارون خلفه، وهو سلاح النكتة السياسية. ويصوغ معناها بأنها تعبير عن قصور في البناء الديمقراطي وأنها وسيلة لتوصيل صوت الشعب إلى الحاكم. لو وجدت الديمقراطية فسوف تبقى النكتة السياسية الموجهة ضد الحاكم الطاغية أو ضد الحاكم الفرعون. ويستنكر - أمام – في كتابه موقف كل من الشعوب والحاكم؛ فيسلم بأن الشعوب التي اعتادت حكم الطاغية لعدة آلاف من السنين، قد نجد لديها استعدادا ً للتسليم بهذا الشكل من أشكال الحكم وغيرها، كما أننا نجدها لا تمانع في الحديث عن "إيجابيات" الطاغية وتمتدح أعماله "الجليلة" دون أن تجد في ذلك حرجا ً ولا غضاضة! ولا شك أن الأممالشرقية أصبحت تنشد الحكم الاستبدادي، لطول إلفها له، ومازال أبناؤها يتسابقون في تدبيج القصائد التي تتغني بأياديه البيضاء على الناس. ويقف – إمام – مستنكرا ً لأسلوب الحاكم الشرقي موضحا ً بأنه لم يعد "الحاكم الشرقي " يجد حرجا ً في تسخير الصحافة والإذاعة والتليفزيون، وجميع وسائل الإعلام للحديث عن أمجاده وبطولاته وانتصاراته، حتى لو انهزم هزيمة منكرة ومن مظاهر التقديس للحاكم عندنا أن تتصدر صوره جميع الصحف، وأن تكون تنقلاته وأخباره – حتى ولو كانت مما يمارسه رئيس الدولة في حياته الروتينية المألوفة – هي الخبر الأول في جميع نشرات الأخبار، ولا بأس من تكرارها في كل نشرة! يختتم - إمام - كتابه بعدة نصائح للفرار من الاستبداد والطغيان؛ كان منها أنه لابد أن نكون على يقين من أن الديمقراطية ممارسة وأنها تجربة إنسانية تصحح نفسها بنفسها، وبالتالي لابد أن نتوقع ظهور كثير من الأخطاء في بداية المسيرة، ولكن ذلك لا يصح أن يقلقنا وليكن شعارنا: إن أفضل علاج لأخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية.