جاءت الثورات العربية لتشكل حالة سينمائية فى كل التجمعات، صارت هى فاكهة المهرجانات العالمية والعربية، وفى «دبى» كان «ميدان التحرير» حاضرا بثلاثة أفلام، من بينها «مولود فى 25 يناير»، وترى من خلاله جزءين، الأول عن إرهاصات الثورة، تلك المقدمات التى كنا نعايشها وحرص المخرج أحمد رشوان على أن يقدم الجانب الاجتماعى فى تلك الرؤية بعيون عائلته الصغيرة، وكيف عاش مع ابنيه تلك اللحظات.. إنه لا يدعى مثلا أنه شارك الثوار فى يومهم الأول، بل كان مثل العدد الأكبر من شباب الثورة متشككا فى البداية بإمكانية انطلاقها، بعد أن تم تصدير تلك المقولة الكاذبة بأن المصريين يتعايشون مع الفساد ولا يثورون، منتظرين الحل الذى يأتى إليهم من السماء.. وذهب رشوان بالكاميرا إلى نادى نقابة الممثلين، بعد يومين فقط من شرارة الثورة كان خالد الصاوى أحد أعلى الأصوات التى أصرت على إصدار بيان باسم الفنانين الشباب، داعما للثورة وفاضحا لفساد مبارك، ورافضا لتوريث الحكم لجمال، ورغم أن القيادات فى النقابات كانت لا تزال خاضعة لتوجه النظام فى معاداة الثورة، فإن هؤلاء الفنانين لعبوا دورا مؤثرا وفاعلا، بل بعضهم كان لديه موقفه قبل الثورة الرافض لمبارك وعائلته.. كانت عين المخرج أحمد رشوان تبحث عن كل التفاصيل فى الميدان، ولم تنس الفرق الفنية الصغيرة التى دفعتها الثورة للمخاض الفنى، وكانت عينه ترصد رجل الشارع الذى انحاز تلقائيا إليها، لم ينس أبدا أن يقدم إحساسه هو بالثورة ومشاركته مع أهل الحى الذى يقطن فيه فى الدفاع المدنى الذى كان يشكل ملمحا خاصا فى الثورة المصرية.. ويبقى الجانب الآخر، إنه الجزء الخاص بامتداد أيام الثورة، التى كانت ترفع فى البداية شعار «الشعب والجيش إيد واحدة»، وكان للمجلس العسكرى مكانة خاصة بعد أن أصدر البيان الأول مؤازرا للثورة قبل تنحى مبارك عن الحكم!! أغلب الأفلام التسجيلية التى عرضت فى الأشهر الأخيرة، ظلت حريصة على إظهار حالة الوئام بين المجلس العسكرى والثورة، إلا أن فيلم «مولود فى 25 يناير» واصل رصده مرحلة زمنية أبعد تستمر حتى 27 مايو، عندما بدأ الشارع يطالب بمحاكمة مبارك، بعد أن تأكدوا أن ما يجرى هو فقط محاكمة للدائرة القريبة منه لامتصاص الغضب.. توقفت عين المخرج كثيرا عند ثورة الشارع الذى أجبر المجلس العسكرى بعد ذلك على تقديم مبارك للمثول أمام المحكمة.. كان الشارع دائما يسبق المجلس العسكرى فى محاكمة مبارك، وكان ولا يزال المجلس العسكرى يحمى مبارك!! المخرج يقدم حالة أخرى بجوار الثورة، إنها العشق للتوثيق بالكاميرا، إنها قوة السينما فى الاحتفاظ بالحقيقة المصورة، بما تحمله أيضا من نبض وحركة.. المخرج فى طفولته قبل 40 عاما لم يلحق بهذا الزمن الذى يتم فيه التصوير بكاميرا الديجيتال، لكنه فعلها مع أبنائه، شاهدناهم أمامنا منذ لحظة الميلاد. كان بالفيلم كاميرا ترصد باحتراف وهى لمدير التصوير زكى عارف، بالإضافة إلى كاميرا أخرى بها روح الهواة للمخرج أحمد رشوان، وكان المزج بينهما قد منح الفيلم قدرا من التلقائية، وتفوقت موسيقى إبراهيم شامل ومونتاج نادية حسن، التى كان عليها، هى والمخرج، أن يمنحا الفيلم زخما إبداعيا خاصا، ليصبح للتتابع التوثيقى روحه الجمالية. الدعوة التى يرصدها المخرج ويقولها دون مواربة، هى دولة مدنية لا عسكرية ولا دينية.. ليس بالفيلم حالة من التعمد لتوصيل تلك الفكرة من خلال لقاءات متفق عليها، إلا أنك تستشعرها فى التفاصيل، فهو لا يصرح بقدر ما يترك المتلقى يردد هذه القناعة ويرصدها ويعلنها من خلال تتابع لقطات الفيلم.. وفى ملمح هام يقدم المخرج فى النهاية صورا لمواليد 25 يناير، ليصل إلى 27 مايو، وهو الذى يتواكب مع آخر لقطات رصدها الفيلم ليصبح وكأن صورة هذا الطفل فى يوم ميلاده شاهد إثبات على نمو الثورة. نعيش الثورة المصرية حتى الآن من خلال الأفلام التسجيلية، لأن الأفلام الروائية التى قدمت الثورة كانت فقط تتشعبط على أكتافها، تحاول أن تقتنص لمحة.. الحقيقة أنها كانت تسرق هذه اللمحات، ولهذا لم يستقبلها الجمهور المصرى بحفاوة، لأنه لم يصدقها..!!