التجار: «رأس مالنا بقى كوم تراب ولسه علينا ديون من ثمنه».. بعض المتضررين جلسوا وسط الركام من شدة الحزن بينما مياه الإطفاء تصب فوق رؤوسهم دون أن يتحركوا تحول شارع العطار بمنطقة العتبة بحاراته المتشعبة المعروفة بسوق الخضار، إلى كوم تراب، بعد أن اشتعلت النيران فيه بأكمله منذ قرابة الخامسة فجر اليوم حتى الساعة العاشرة، ليتمكن رجال الحماية المدنية بالكاد من السيطرة على ألسنة اللهب، بينما ما زال العمل مستمرا حتى الآن فى إخماد النيران تحت الرماد، وتبريد آثار الحريق لمنع تجدده مرة أخرى، بينما يشاهد من تسنى له الدخول وسط المحال التجارية المتفحمة، رؤية أصحابها فى حالة يرثى لها، بين جالس وسط بضاعته المحترقة لا حول له ولا قوة، وبين باكٍ مازال يندب خسارته، وآخر يفتش عن أي شيء سليم لم تطله النيران دون جدوى. مدخل الشارع من ناحية شارع الأزهر العمومي عبارة عن قبة معدنية تفحمت، بينما الأرضية عبارة عن أكوام مواد محترقة تجري في مياه الإطفاء المرتفعة إلى قدر تغوص فيه الأقدام، رغم فتح بالوعات الصرف بمدخل الشارع وعلى امتداده، كلما صادف رجال الإطفاء واحدة فتحوها، وبمحاولة الدخول ولو أمتار معدودة، حتى ظهر اليوم يصاب مدخل الشارع من ناحية شارع الأزهر العمومي عبارة عن قبة معدنية تفحمت، بينما الأرضية عبارة عن أكوام مواد محترقة تجري في مياه الإطفاء المرتفعة إلى قدر تغوص فيه الأقدام، رغم فتح بالوعات الصرف بمدخل الشارع وعلى امتداده، كلما صادف رجال الإطفاء واحدة فتحوها، وبمحاولة الدخول ولو أمتار معدودة، حتى ظهر اليوم يصاب الشخص باختناق ويعجز عن السير فى الشارع إلى الداخل بسبب المياه والركام. 5 ساعات رعبا.. «التحرير» في موقع حريق سوق الخضار ومن خلال الشوارع الخلفية يمكن الدخول إلى الحارات الضيقة التى احترقت محالها أيضًا، وصولًا إلى قلب الشارع محل الحريق، لنجد المكان عبارة عن هياكل متفحمة إما غارقة فى المياه، أو تصعد منها سحابات دخان يرصدها ضباط إطفاء ويوجهون رجالهم لتكثيف التصويب عليها. العزاء لا يفيد أمام أحد المحال المتفحمة التى لم نستدل على محتواها فى البداية، جلس رجل فى العقد الخامس من العمر، يرتدي "فانلة وبنطلون" كلاهما غارق بمياه الإطفاء وتراب الحريق الأسود، بدا مشهده مؤلما وهو يجلس وسط محتويات المحل المتفحمة، واضعا رأسه بين كفيه، وعينيه مفتوحة دون أن يتحدث إلى أحد، بينما رجال الإطفاء يعملون فوق رأسه على سلالم مرتفعة يوجهون مدافع المياه تجاه مراكز النيران، وتغرقه مياههم والرجل ساكن مكانه دون حركة. قدم رجل آخر مهرولًا، من خارج المنطقة، أمسك بكتفي صاحب المحل المكلوم، جذبه للنهوض من مكانه كأنه يحمله، وواسى الوافد صاحب المأساة بقوله: "شد حيلك"، وما إن تركه الوافد حتى ارتمى الرجل ثانية جالسًا وسط حطام محله التجاري، محاولات مستميتة لإنهاضه ومواساته، حتى يبدأ فى الحديث: "هاقوم أروح فين.. أقوم أعمل إيه.. مين هيعوضنا عن كل دا.. محل موبايلات بالملايين، كل ورقة إكسسوار فى المحل كانت بفلوس"، استجاب الرجل لعبارات المواساة بتكرارها فقط دون النهوض من مكانه: "لله الأمر ربنا قادر على كل شيء". جدد محله لتأكله النيران على واجهة الشارع تعلو لافتة محل مستلزمات تليفون «أحمد عبده»، صاحب المحل بدا مقهورا لدرجة أن جيرانه كانوا يواسونه، لم يقوَ الرجل على الحديث، بينما قال جيرانه الذين احترقت محالهم التجارية هم أيضًا: "معذور.. الراجل من 3 أشهر حدث فى محله ماس كهربائي، وقرر تجديد المحل بالكامل، صرف عليه تحويشة عمره وكأنه يفتح محلا من أول وجديد، حتى إنه اشترى بضاعة جديدة محمول وكشافات وخلاطات ومكانس وغيرها، لتكون فاتحة خير عليه، لكن للأسف النيران أكلت البضاعة والتجديدات وحولت محتويات المحل إلى تراب جرفته مياه الإطفاء". خسارة وديون لا يعلم أحد توقيت محدد لبدء اندلاع النيران، إذ يقول الحاج صلاح سلطان، إن المحال تبدأ فى إغلاق أبوابها بعد منتصف الليل، لتتحول خلية العمل بالمكان إلى سكوت مطبق باستقبال ساعات الفجر، الحريق حدث وجميع المحلات مغلقة، ولهذا فقط لم يتبين لها وفاة أحد حتى الآن، ما بين الرابعة والنصف فجرًا والساعة الخامسة اندلعت النيران، وبدأت من قلب شارع الخضار، أكلت النيران الصفين، وسحبت ألسنة اللهب الشارع كله بممراته الجانبية، والخسائر فى المكان بالملايين. ضم الرجل شفتيه، محاولًا مغالبة دموعه: «حتى طفايات الحريق تفحمت»، النيران أكلت جدران المحل رغم حرصي على بنائها من الطوب وليس الخشب والصاج فقط، نظر الرجل إلى رجال البلدية يجمعون المواد المتفحمة فى شكائر القمامة العملاقة وأخذ يمد يده فيها ويرفع أشياء منها وهو يقول: «كل حتة بفلوس.. الحتة دي بفلوس.. والسلك دا تمنه مش قليل كل حتة بتتكنس قدامنا دلوقتى بفلوس». قال الرجل إنه ما كان ليحزن لو كانت الأشياء المحترقة ملكه، موضحًا: «اللى بييجي يشتري مني ومن غيرى من أصحاب المحال فاكرنا ملاك، يا ما هنا يا ما هناك.. لكن السوق سلف ودين.. أنا باشتري وبدفع جزء كاش وجزء بالقسط أكتب به شيكات وكمبيالات، وأبيع وأسدد والتجارة سمعة، لو أنا راجل ملتزم وطلبت بضاعة بعشرة الموزع يديني بعشرين وهو مطمن.. يعني خسارتنا مش بس رأس أموالنا بل ديون متلتلة المفروض تتسدد". واختتم صلاح سلطان حديثه: "ماحدش بيعوض حد عن اللى راح، لكن أتمنى الدولة والتجار الكبار يقفوا موقف رجالة ويعذروا عزيز قوم، ويستمر التعامل بينا على أساس احترام السمعة، حتى لا يتحول الموقف من خراب ديار إلى موت أيضًا، وربنا يصبر كل واحد ويعينه على حاله والحمد لله أنا أحسن من غيري". ماقدرناش نعمل حاجة «شايفين النار ومش عارفين نعمل لها حاجة.. النار كانت رهيبة ارتفاع ثلاثة أمتار تمسك فى كل محل من أرضيته إلى سقفه، وسحبت فى السوق كله، أكتر من 30 عربية إطفاء حضرت، وسيارات أفرغت حمولتها وانصرفت للتعبئة من مركز الإطفاء بالعتبة والعودة من جديد، وجد رجال الإطفاء صعوبة فى التعامل مع النيران، فكلما استخدموا السلالم لإطفاء النيران من أعلى تجددت ثانية، بما كان يضطرهم لتحطيم الأبواب الحديدية والصاج الخاصة بالمحلات لدفع المياه منها إلى أرضية المحلات فى الأسفل كمراكز للحريق.. أما نحن أصحاب المحال لم يكن بيدنا شيء كنا نقف نرى شقى عمرنا تأكله النيران ونحن عاجزون.. واللى ماستحملش المنظر وحاول يدخل ثواني كان رجال الأمن يخرجونه مختنقًا من الدخان، وكانت عشرات سيارات الإسعاف موجودة بالمكان".