ختمت سطور الأمس بتحية الصباح، ولكن لم تفتنى الإشارة فى السطر نفسه إلى حقيقة أن دنيانا فى هذه المرحلة التاريخية الدقيقة «كالعادة» الملونة بدماء طاهرة لا تكف جماعة إخوان الشياطين الزرق عن إراقتها، هذه الدنيا تبدو فى عز الصبح ليلا مظلما شوية أو شويتين أو ربما أكثر.. لماذا؟ لست أعرف أو بالأحرى، عارف بس باستعبط استنادا إلى أن العبط بنوعيه الطبيعى والصناعى، كلاهما حق أساسى من حقوق الأستاذ الإنسان العائش حتى الساعة ومن دون أى سبب منطقى، فى بلدنا مصر التى هى أمى وإن أنكرت. وما دمت أبدو الآن أمام حضرتك كأننى أسبح فى بحر التخريف اللذيذ الذى بغير شطآن، وما دام معالى المهندس النابه إبراهيم محلب حتى كتابة هذه السطور يكدّ ويجتهد باحثا ومنقبا فى كل شق من شقوق الوطن عن رجال أو نساء، لم يضبطهم أحد طوال عمرهم وهم متلبسون بقراءة «جرنان» أو سماع نشرة أخبار، لكى يطمئن ويفاتحهم فى أمر استوزارهم فى حكومة معاليه، التى يريدها سيادته نظيفة تماما من الإخوة السياسيين وبريئة من السياسة نفسها براءة الأخ الذئب من دم المرحوم ابن يعقوب.. ضمانًا لنجاح قد يأتى بالصدفة التى هى دائما خير من ألف ميعاد، على الأقل. ما دام الأمر كذلك، والكلام السياسى أصبح جريمة فظيعة تضعك فورا تحت مقصلة قطيع عرمرم من زملاء أعزاء تلقوا تدريبهم المهنى فى معهد أمناء الشرطة «مع شديد الاعتذار ل(الأمناء) الأصليين الذين يواجهون الآن خطر الاستشهاد يوميا دفاعا عن أمننا وسلامتنا». ولأننى أعرف أن القطيع المذكور لم يكمل تعليمه أصلا، ومن ثم لم يسمع أبدا عن شىء يدعى «المكارثية»، وإنما يمارسها ويحاكى أسوأ وأوسخ صورها بدافع من فطرته المشوهة فحسب، فليس أمامى الآن إلا أن أهدى فى السطور المتبقية إخوانّا أعضاء القطيع إياه حكاية هذا السناتور الأمريكى الموتور جوزيف مكارثى الذى اشتُق من اسمه اصطلاح «المكارثية»، وصار تعبيرا دالًّا على أسوأ وأحط صور العربدات الظلامية والإرهاب الفكرى والتفتيش فى ضمائر خلق الله. وأبدأ الحكاية بأن الأخ مكارثى «1908- 1957» تَسَلم فى نهاية أربعينات القرن الماضى راية الإرهاب وتفتيش الضمائر من سلفه وأستاذه السناتور بارنيل توماس، الذى كان أسس وترأس فى عام 1947 لجنة نيابية سماها «لجنة النشاطات المعادية لأمريكا» لاحقت بالعقاب والتنكيل العشرات من أكبر الكتاب والفنانين والمبدعين الأمريكيين بتهمة اعتناق الأفكار الشيوعية، لكن التلميذ سرعان ما تفوق على الأستاذ ونسى الناس جرائم وفضائح «التوماسية» (نسبة لهذا السناتور الفاسد)، بعدما كابدوا فضائح وفظائع أكثر فحشا وأشد قسوة اقترفتها لجنة مكارثى، التى يكفى للدلالة على بشاعة المناخ الإرهابى المسموم، الذى أثقلت به أجواء المجتمع الأمريكى منذ نهاية الأربعينيات حتى منتصف خمسينيات القرن الماضى، ذكر بعض أسماء القامات الفكرية والإبداعية التى زينت قائمة ضحاياها، إذ ضمت هذه القائمة شخصيات بحجم: شارلى شابلن وبريتولد بريخت وآرثر ميلر وجريجورى بيك وهمفرى بوجارت وفرانك سيناترا وجيمس ستيوارت وجين كيلى وريتا هيورث وآفا جاردنر ودانى كاى، وغيرهم!! وأختم بأن العدالة الإلهية لم تهمل هذا الرجل الشرير، ولا أمهلته حتى يذهب إلى آخرته السوداء، وإنما حلت عليه وهو ما زال على قيد الحياة اللعنة نفسها التى أصابت من قبل أستاذه فى الإرهاب بارنيل توماس، فكما سقط هذا الأخير بعد إدانته بالفساد، جرت محاكمة جوزيف مكارثى أيضا بتهمة التزوير والفساد، فانتهى مدمنا على تعاطى المخدرات، ومات وهو لم يبلغ بعد عتبة الخمسين عاما بعدما استقرت سيرته السوداء فى سلة زبالة التاريخ.