نيللى كريم كانت ممثلة جيدة جدا قبل هذا الدور، وبعده أصبحت ممثلة أخرى تماما، مممثلة جبارة. ليست مبالغة لكنها أنامل كاملة أبو ذكرى على تفاصيل شخصية نيللى كريم كممثلة تليفزيونية فى مسلسل «بنت اسمها ذات».. العمل الأكثر تكاملا فى دراما رمضان هذا العام. لا يوجد أى أثر للباليه هذه المرة على نيللى كريم، تخلت عن رشاقتها التامة، وتخلصت من عادتها الصحية وأصبحت فتاة من عائلة متوسطة، تخلّصت من طريقة مشيتها ووقفتها، وحركة يديها، وقوامها، وأصبحت ذات، تكوينها كله تحوّل وتبدل فجأة لتكون المرأة التى قصدها صنع الله إبراهيم عندما كتب روايته المهمة، فذات ليست مجرد تسريحة شعر قديمة، أو موديل فستان من خمسينيات أو ستينيات القرن الماضى، أو حتى مجموعة ألفاظ كانت تستخدمها أمهاتنا، لكنها كيان كامل تم اختراعه بدءًا من التكوين الجسدى، وحتى رتوش الماكياج البسيطة فوق العين، والتى تتغير وفقا لكل مرحلة عمرية تمر بها البطلة التى تكبر أمام أعيننا بمنتهى السلاسة، إنها المراة التى يتقاطع التاريخ المصرى الحديث مع عمرها وتفاصيل حياتها بشكل أسطورى، وغير مفتعل فى نفس الوقت. نيللى كريم على مدار الأعوام القليلة الماضية أثبتت جدارتها كممثلة تقدم مختلف الأدوار بمنتهى الكفاءة، وكانت شخصية منى فى مسلسل «الحارة» إحدى العلامات المهمة فى تاريخها التليفزيونى، حيث تخلت عن الثياب الأنيقة، وقدمت دورا مختلفا إلى حد كبير، وكانت من أبرز الوجوه فى الموسم الدرامى وقتها «2010»، وها هى مع فريق «بنت اسمها ذات» تدخل مرحلة جديدة تماما، فى مسلسل لن يتكرر كثيرا. سبق وحققت نيللى كريم خطوة مهمة فى حياتها كممثلة أيضا من خلال دور الفتاة المحجبة شبه المعقدة ريهام، فى الفيلم الشهير والممتع «واحد صفر» عام 2009، مع كاملة أبو زكرى أيضا، كما أن مؤلفته كانت هى مريم نعوم التى أبدعت كذلك بكتابة سيناريو «بنت اسمها ذات». من خلال التركيز على أدق أدق التفاصيل فى الأداء واللفتات خرجت شخصية ذات الفتاة التى نعيش تفاصيل حياتها بدءا من لحظة ميلادها، نعيش حيرتها وهى مراهقة، ونعيش اختيارها المروّع لزوجها، ومع ذلك استمرت حياتها معه، ونحاول أن ندبر معها أمور منزلها، ويكون لدينا أمل مثلها تماما أن ينجح لها أى مشروع يسهم فى تحسن المعيشة، كى تتخلص من زن عبده، حتى إننا كدنا أن نلم أموالا من أنفسنا ونرسلها إليها لتصلح حمام منزلها المتهالك. مواصفات نيللى كريم الجسمانية أهلتها لأن تكون طالبة جامعية، وزوجة شابة، وامرأة فى متتصف العمر، وسيدة تقترب من الشيخوخة دون أن نشعر للحظة أنها غير صادقة، وزنها يزيد ببطء وبشكل طبيعى تماما كأنها عاشت كل تلك السنوات معنا على الشاشة، هى تقدم هنا أهم أدوارها على الإطلاق حتى الآن، فالشخصية كمضمون مهمة، وأيضا أداء نيللى كريم لها يتجاوز الاحترافية والجمال بمراحل، فمفتاحها هنا هو البساطة فى إلقاء الحوار، كما أنها عاشت داخل ذات لمدة عامين كاملين، حتى إننا نسينا أننا أمام نيللى كريم، ولا يمكن أن نناديها مستقبلا إلا بذات، اللافت للنظر أن المسلسل بحاله عمل صنعته الأيادى الأنثوية بمزاج وضمير، فبعيدا عن مؤلف القصة الروائى الكبير صنع الله إبراهيم نحن أمام بطلة ومخرجة، وكاتبة سيناريو، ومونتيرة هى منى ربيع، ومديرة تصوير هى نانسى عبد الفتاح. الحالة التى صنعها مسلسل «ذات» وضعت معنى جديدا للدراما التى تتمحور حول المرأة، دون صراخ ودون شعارات جوفاء ودون حواديت حلزونية، ودون ألفاظ نابية بلا سبب، ودون رومانسية زاعقة، أو مأساوية مفرطة، ورغم أن ذات امرأة بسيطة الطموح، فإن من صنعن المسلسل غير بسيطات الطموح، إنهن صنعن مقطوعة لن تنسى مليئة بالحنين، والصدق، وأسموها مجازا «بنت اسمها ذات».