الأهالي: معاناتنا مع الحرائق والبلطجة والزحام لا تتوقف.. والتجار يطالبون مسئولي الحي بزيادة صنابير المياه في الشوارع خسائر وحرائق بالجملة، اكتوى بنيرانها أصحاب المحال التجارية والورش بمنطقة وسط القاهرة، فهناك أكثر من 5 حرائق كبرى وقعت خلال الأشهر الخمسة الماضية، بمناطق الموسكي، وحي الغورية، والأزهر، والعتبة، وكان آخرها الحريق الذي وقع بأمس السبت بحارة اليهود. تلك الحرائق خلفت دمارًا وخسائرَ فادحة لأصحاب الورش والمحال التجارية، وتركت آثارًا واضحة على واجهة عقارات وقعت بها الحرائق وأخرى مجاورة لها، على الجانب الآخر نجد سكان تلك المناطق، يعيشون حالة من القلق والخوف من آثار تلك الحرائق وتأثيرها على منازلهم، لاسيما وأن معظمها قديمة ومتهالكة من الأساس. "التحرير" تجولت بمناطق الموسكي وحي الغورية والأزهر وميدان العتبة، في محاولة لرصد معاناة السكان وأصحاب الورش. "امتى بقى ربنا يتوب علينا، والمحافظة تنقل الورش والمحلات دي خارج المنطقة السكنية، أحنا تعبنا"، كلمات جاءت على لسان محمد ممدوح، أحد سكان منطقة الغورية بالعتبة. وأضاف ممدوح، "مناطق أسواق العتبة، شهدت العديد من الحوادث والحرائق، نتيجة تواجد ورش تصنيع العطور ومستحضرات التجميل، ومدابغ تصنيع الجلود ومخازن تحوي كميات ضخمة من البضائع والأقمشة، وكلها مواد قابلة للاشتعال، و وجودها وسط التجمعات السكانية، يمثل خطورة بالغة على حياة وممتلكات المواطنين". "التحرير" تجولت بمناطق الغورية والموسكي وميدان العتبة، لترصد عن قرب معاناة السكان في تلك المناطق المكتظة البضائع والزبائن أيضًا. وخلال جولتها التقت عددًا من أهالي مناطق أسواق العتبة، بعضهم كان يصرخ "أين المحافظة، أين الأجهزة الرقابية، لتحمينا وتحمي أبنائنا من خطر الموت حرقاً"، وآخرون يرددون في شفقة، "كيف نكون سبباً في غلق أبواب رزق هؤلاء التجار والعمال الغلابة؟!" ما إن تطأ قدماك شوارع الموسكي إلا ويتهافت عليك العاملون بالمحال التجارية وأصحابها، يحاولون جذبك لبضاعتهم بشتى الطرق، والتي تلاحظ أن أسعارها تقل عن أسعار باقي الأسواق، ربما لقلة جودتها، وربما لحجم تجارتهم الكبير، وسعيهم لجذب الزبائن، كما يؤكد بعضهم. "أحنا بنخسر وبيتخرب بيوتنا، هو أحنا بنولع في المحلات بمزاجنا، أرحمونا بقى واتقوا ربنا فينا"، كلمات خرجت بمرارة من أحمد جمال، صاحب أحد محال مستحضرات التجميل والعطور، قبل أن ينتفض من مقعده. واستطرد، "تراخصينا سليمة وبندفع ضرائب، هنسيب أكل عيشنا ونروح فين، الزباين عارفين طريقنا من زمان، ومحدش من السكان بيشتكي مننا". وأضاف، "الحكومة مش هتقدر تعمل مناطق تجارية جديدة في وسط البلد، ولا إحنا هنقدر نسيب أكل عيشنا". ويلتقط شاب ثلاثيني جالس إلى جواره أطراف الحديث، ليؤكد بنبرة صوت هادئة، أن الأزمة ليست في وجود الورش أو مخازن الجملة، لكنها تكمن في ضيق الشوارع الجانبية وصعوبة وصول المطافي إلى أماكن الحريق، وأن الورش ومحال تجهيز وتعبئة المستحضرات ومخازن الأقمشة التي تقع بالشوارع الجانبية الضيقة، تحتاج إلى زيادة نقاط الأطفاء التي يستخدمها الأهالي في عملية الأطفاء "صنابير"، حتى يتمكن الأهالي وأصحاب المحال من التعامل مع الحرائق المتوقع حدوثها، في حالة تأخر سيارات الأطفاء في الوصول لمكان الحريق. وأضاف، معظم التجار وأصحاب الورش يحافظون على وجود طفايات الحريق بالمحل لاستخدمها فى حالات الحريق لا قدر الله، لكن غير مجدية في الحرائق الكبيرة. بينما يؤكد أحد العمال بمنطقة الموسكي، "شيال" ويدعى فرج، أن معاناة الأهالي تأتي نتيجة لتزايد الورش ومحال التجهيز بمناطق الفحامين والموسكي، وهي مناطق مزدحمه بالسكان، موضحاً، أن هناك محال تغلق أبوابها نهاية النهار، وأخرى تظل تفتح أبوابها حتى وقت متأخر من الليل، إلى جانب سيارات المترددين على الورش والمحال وما تسببه من زحام مروري، فضلاً عن وقوع المشاجرات مع بين التجار وبعضهم، أو بين أحدهم والمارة من أصحاب السيارات، بسبب الزحام. وأشار إلى حادثة الموسكي الشهيرة التي وقعت منذ عامين تقريبًا، وراح ضحيتها 13 شخصًا مصرعهم، وأصيب آخرون، جراء حريق شب بأحد محال التجهيزات. الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، قال ل"التحرير" إن الأزمة جاءت نتيجة لما تعاني منه بعض المناطق الشعبية بوسط القاهرة من سوء تخطيط وعدم تنظيم للشوارع الرئيسية والجانبية التي تعاني أزمات تكدس مستمرة. وأوضح عامر أن هناك بعض الورش القديمة مرخصة بالفعل منذ عشرات السنين، بينما نص قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، وقانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، على حظر بناء الورش أو الأنشطة الصناعية وسط الكتل السكنية وبموجب هذين القانونين يتم تحديد مناطق السكن، والمناطق التي يمكن أن تنشأ فيها أنشطة تجارية أو صناعية، ولا شك أن الدولة تتحمل وحدها مسئولية تطبيق القانون على المخالفين، الذين تورط بعضهم في العمل بدون ترخيص أصلا، لكن الإدارة المحلية بالكامل بداية من وحدات الإدارة المحلية في الأحياء ونهاية بالمحافظات، بما لديها من إمكانات متواضعة تعجز أحيانا عن تطبيق القانون وتتعثر فى ملاحقة المخالفين نظراً للزيادة الغير مسبوقة في حجم المخالفات، ما نتج عنه تراكم تلك القضايا والمنازعات على مدى سنوات طويلة. ولفت إلى أن العقوبة التي نص عليها القانون بحق المخالفين قد تصل إلى الحبس والغرامة، فضلاً عن عجزها عن توفير أماكن بديلة لنقل تلك الورش والمصانع خارج الكتل السكنية.