ما حدث فى العباسية الأيام الماضية هو استمرار لمخطط قسمة الوطن لا أحد له مصلحة فى إشعال الفتنة الآن سوى الحكومة الإخوانية.. وأتحدى لو تم تقديم الفاعلين الأصليين إلى المحاكمة قبل موعده بأسبوعين، شهدت مصر أسبوع الآلام، ولأول مرة فى التاريخ يتم الاعتداء على الكاتدرائية، وقذفها بالمولوتوف والحجارة. فى طريق الآلام سار المسيح حاملا على كتفيه الصليب وعلى رأسه تاج الشوك، وانتهى الطريق بصلبه -حسب العقيدة المسيحية- ولهذا يحيى المسيحيون هذه الذكرى فى موعدها من كل عام، حيث يتذكرون معاناة المسيح طوال الأسبوع السابق صلبه، يرددون الترانيم الحزينة ويمتنعون عن كل الشهوات، ثم يعيدون بفرحة بعد الأحزان بمناسبة قيامة المسيح. مصر تسير الآن فى طريق الآلام، والذى سينتهى بصلبها على صليب الفتنة الطائفية. ما حدث فى العباسية الأيام الماضية هو استمرار للمخطط الذى يتم التدبير له منذ فترة، وخطوة قوية على طريق قسمة الوطن، ويبدو أن البعض يفكر بطريقة نيرون وهى إحراق روما على الجميع. يظن البعض أن قسمة المصريين -مسلمين ومسيحيين- وإشعال نار الحرب بينهما وسيلة ناجعة لتفريق المجتمعين على معارضة الإخوان، وأنها قد تلهى الشعب عن أخطاء الجماعة التى تتزايد يوما بعد يوم، وأدت إلى تراجع شعبية أعضائها، ولأن اللعب على العواطف الدينية وسيلة مضمونة ومجربة لكسب الأصوات، فإن إثارة غضب المسلمين من الأقباط ضرورة، وتخويف المسيحيين أمر مهم، إما لدفعهم إلى الهجرة وإما لإجبارهم بشكل غير مباشر على الانزواء وعدم المشاركة فى الحياة السياسية، أيضا عندما يكون الخيار بين لقمة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية أو الدين، فإن معظم المصريين سيتجهون إلى جانب الدين، وهكذا فإن الخطة تقتضى أن يغضب المسلمون من الأقباط وأن يستثار النصارى ضد المسلمين، ولا مانع أن يظهر الرئيس فى نهاية المشهد باعتباره الوحيد الذى يمكنه حماية المسيحيين من بطش المسلمين. ولكى نفهم أبعاد المؤامرة يجب أن نضع أجزاء الصورة بجانب بعضها حتى تكتمل ونراها بوضوح، منذ بداية الثورة والاعتداءات تتوالى على الكنائس والمسيحيين، ولعلنا نتذكر أحداث كنائس صول ومريناب المنيا والفيوم وسوهاج وغيرها، وأيضا حوادث ماسبيرو وإمبابة وأطفيح وغيرها من الاعتداءات، ولكن الأسابيع الأخيرة شهدت بداية المخطط الأخير. وهو صناعة كراهية المسيحيين وتأليب الرأى العام الإسلامى عليهم، ليست صدفة أن تتابع الأحداث المؤسفة بهذا الشكل السريع وكلها تصب فى اتجاه واحد، الأقباط خونة وغدارون ولا يجب الثقة بهم ولا التعاطف معهم، بل يجب الانتقام منهم، ولنتذكر ما حدث فى الأيام القليلة الماضية. الترويج لقصة تنصير فتاة مسلمة فى الأقصر وهروبها مع شاب مسيحى بواسطة الكنيسة، وتعمد الروايات إلى بث شائعات من قبيل أن أهلها وجدوا فى حجرتها كتبا مسيحية وشرائط ترانيم وأنها شوهدت قبل اختفائها واقفة أمام الكنيسة مع صديقة مسيحية، وبعد أن أتت الشائعة بغرضها تم العثور على الفتاة هاربة فى شرم الشيخ لدى إحدى قريباتها، ولا علاقة للأمر بالكنيسة أو التنصير، وقبل أن تهدأ الأمور، تناقلت وسائل الإعلام نبأ حصار كنيسة فى إحدى قرى بنى سويف على خلفية حكاية عن تنصير فتاة مسلمة وتهريب الكنيسة لها إلى قبرص، ولأن التنصير هو أكثر الأشياء التى يمكن أن تثير غضب المسلمين، خصوصا إذا كانت موجهة إلى الفتيات باعتبار هروبهن عارا لا يمحى، فما بالك إذا كان بسبب شاب مسيحى ومن أجله تركت دينها، مع بث كلام حول منظمات التنصير والأموال التى تدفعها للمتنصرين، مثل هذه الروايات والشائعات هى وسيلة مهمة لدفع المسلمين إلى الانتقام من الأقباط، وحتى تزداد الصورة، فلا بد أن يكون الأقباط خونة وعملاء، ومن هنا ظهرت فى وسائل الإعلام الكلام عن هجرة الأسر المسيحية إلى إسرائيل، وأنها طلبت اللجوء الدينى إليها وأنه تمت الاستجابة لهذه الطلبات، وتضيف التقارير المنشورة أن محاميا مسيحيا هو الذى يتولى هذا الأمر ويسهل للأسر المسيحية الهجرة إلى تل أبيب التى ترحب حكومتها بهذه الهجرات، خصوصا أنها ترغب فى جذب المتعلمين ورجال الأعمال، وبالطبع فإن هجرة الأقباط إلى أى دولة بخلاف إسرائيل لا تثير أى رد فعل من جانب المسلمين، أما الهجرة إلى الكيان الصهيونى والاحتماء به فهى خيانة لا يمكن قبولها، ولكن أى عاقل يفكر فى الأمر يكتشف زيف هذا الادعاء لأن المسيحيين لا يقبلون الاحتماء باليهود الذين لا يعترفون بالمسيح وكانوا وراء صلبه، كما أن إسرائيل تضطهد المسيحيين وكثيرا ما أغلقت أبواب كنيستَى المهد والقيامة ومنعت الصلاة فيهما، ولا ننسى أن العلاقة بين الكنيسة المصرية وحكومات إسرائيل على مر الزمان سيئة، وما زالت دراسة البابا الراحل شنودة الثالث عن أسطورة شعب الله المختار، وإسرائيل فى الكتاب المقدس تزعج السلطات الإسرائيلية، وكذلك دراسات الأب متى المسكين والأنبا غرغوريوس أسقف البحث العلمى الراحل، والتى كشفت تهافت فكرة أن فلسطين أرض الميعاد، ولا ننسى أيضا قضية دير السلطان الذى تملكه الكنيسة المصرية فى القدس، والتى منحته إسرائيل إلى المسيحيين الأحباش نكاية فى الكنيسة القبطية. كل هذا يجعل من هجرة أسر مسيحية إلى إسرائيل رواية متهافتة، ولكن الإلحاح عليها يزيد من غضب المسلمين على المسيحيين، خصوصا أنها تأتى بعد روايات تنصير المسلمات. ولم تمر أيام قليلة على هذه التصريحات المثيرة وإلا وظهرت قضية الخصوص، هى حادثة يجب أن نتوقف أمامها، ففى البداية قالت التقارير المنشورة إن الأحداث تصاعدت على خلفية قيام شابين مسيحيين برسم صليب على حائط معهد دينى هناك، وسرعان ما تطورت الأحداث وراح ضحيتها مسلم، وتم الانتقام له بقتل أربعة مسيحيين، ولكن بعد كل هذه الدماء ظهرت رواية أخرى، شابان مسلمان هما اللذان رسما صليبا معقوفا على جدران المعهد الدينى، ولعل هذا الأمر يطرح عدة أسئلة هى: ما غرض الشابين المسلمين من هذا الرسم؟ وهل أهالى الخصوص البسطاء يفهمون دلالة هذا الرسم؟ الأغلب أنهم سيظنونه صليبا رسمه مسيحيون للاستهزاء بالإسلام، ولهذا لا بد من الانتقام، وقد كان، ورغم ظهور الحقيقة فإن محاصرة الكنيسة ظل مستمرا، مما أدى إلى اقتراح الصلاة على الجثامين فى الكاتدرائية، وهنا يتم تنفيذ باقى المخطط، من السهل أن يندس البعض داخل الجنازة الملتهبة بحكم الشعور بالاضطهاد وعدم الحماية من قِبل أجهزة الدولة، ومن الطبيعى أن يتفاعل مشيعو الجنازة مع من يهتف ضد المرشد والإخوان والرئيس مرسى، كما أن قيام البعض من المندسين أو الغاضبين وسط الجنازة بتحطيم عدد من السيارات فى الشوارع المحيطة بالكاتدرائية، والاعتداء على بعض المحلات فى المنطقة كفيل بتدخل بعض أهالى العباسية لحماية ممتلكاتهم، وهنا يدخل معهم الفصيل المسلح الكامن بالقرب من الكاتدرائية، ويتبادل مع المندسين فى الجنازة وداخل مبنى الكاتدرائية الضرب وطلقات الخرطوش وزجاجات المولوتوف، ولعل هذا يفسر سرعة ظهور الأسلحة، إذ لو لم تكن موجودة منذ البداية لا يمكن السيطرة على الموقف سريعا، وبالطبع وبعامل الحماس لا بد أن يأتى مسيحيون من كل مكان لحماية الكنيسة ودفاعا عن دينهم حسب تصوراتهم، وكان لا بد أن يتأخر حضور الشرطة حتى تكتمل الصورة، وتزداد المأساة، وتصبح الصور المنشورة فى وسائل الإعلام أن المسيحيين فى الجنازة يعتدون على ممتلكات المسلمين، وأن المسلمين لم يكفهم قتل الشباب القبطى فى الخصوص فاعتدوا على مشيعى الجنازة فى القاهرة، وهكذا تستعر الفتنة وتمتد إلى أماكن أخرى وينشغل الشعب عن فشل الحكومة والرئيس، بمطاردة بعضه بعضا، وربما يصوت المسلمون للإخوان فى الانتخابات القادمة نكاية فى الأقباط. مؤامرة بلا شك، فلا أحد له مصلحة فى إشعال الفتنة الآن سوى الحكومة الإخوانية، وأتحدى لو تم تقديم الفاعلين الأصليين إلى المحاكمة، حتى وإن ظهرت صورهم فى الفيديوهات المنتشرة، فقد ظهروا من قبل فى أحداث أخرى ولم يقترب منهم أحد، وهكذا عاشت مصر أسبوع الآلام، وهى تمشى الآن فى طريق الفتنة وقسمة الشعب، وكراهية بعضه بعضا، وهو طريق الآلام الذى سينتهى بصلبها ما لم ننتبه إلى المخطط الذى يحدث والذى لو نجح فلا أمل فى قيامة مصر من جديد.