سواء صح ما كشفت عنه الزميلة «المصرى اليوم» عن صفقة جديدة لتوريد 140 ألف قنبلة غاز أمريكية لوزارة الداخلية المصرية، ثمنها حوالى 17 مليون جنيه، أو صح ما نقله -قبل ذلك- أحد العاملين المصريين بإحدى الشركات الأمريكية التى تنتج هذه القنابل، من أنها توقّفت عن توريدها لمصر بعد اعتراضات داخلية-أمريكية، وأن وزارة الداخلية المصرية لجأت إلى الاستيراد من أستراليا، حيث تستورد قنابل أكثر فاعلية وأشد خطرًا على البشر بعدة مرات.. سواء صح هذا الاحتمال أو ذاك، فالمعنى واحد، وهو أن نظام الحكم الفاشل والفاشى لا يجد أمامه إلا الحل الأمنى، وأن ما نشهده من وحشية فى التعامل مع المتظاهرين والمعارضين السلميين سوف يتواصل، وأن الحكم قد اختار الطريق الذى لا رجعة فيه: البطش والإرهاب والقمع الذى يتصاعد يومًا بعد يوم. يترافق ذلك مع تقارير عديدة لمنظمات المجتمع المدنى، آخرها التقرير الذى أصدرته أكثر من 20 منظمة من أكثر المنظمات مصداقية واستقلالية. وكل التقارير تقول إن التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان والقتل وانتهاك الأعراض الآن أسوأ مما كان عليه الحال فى أيام مبارك!! الحقائق بشعة.. يكفى أن النظام «احتفل!!» بالذكرى الثانية للثورة بقتل أكثر من سبعين شهيدًا، وآلاف الجرحى والمصابين، وأكثر من 1200 تم اختطافهم وتعذيبهم، وآلاف فى السجون والمعتقلات، منهم أطفال فى الثالثة عشرة. ويكفى أن الحديث عن انتهاك الأعراض وعن اغتصاب الشباب المحتجزين فى معتقلات مرسى أصبح حديثًا معتادًا، وأن فرق التحرش المدربة والمنظّمة لهتك عرض الفتيات فى ميادين التحرير أصبحت عنوانًا للعهد الذى يدّعى التمسّك بالأخلاق والانتساب إلى دين الله الحنيف!! تقيَّأت دمًا وأنا أشاهد ضحايا حكم مرسى يتحدّثون عما جرى لهم فى سجون الحاكم المؤمن الرشيد!! لا أعرف كيف يرى النوم حاكم يعرف أن أطهر شباب بلاده يتعرّضون لهذه الأهوال فى سجون ما بعد الثورة؟!.. كيف يأكل ويشرب ويمارس الحياة وهو يعرف أنه المسؤول أمام الله والشعب عن هذه المآسى؟! كيف ينشغل بتعيين ابنه فى وظيفة مرموقة.. بينما شباب مثله وأفضل منه يُهانون ويُعذّبون، وتنتهك أعراضهم، ويقتلون عمدًا تحت إشراف حكم يزهو قادته بأنهم يصلّون الفجر حاضرًا ويخشون الله فى كل ما يفعلون؟! تذكَّرت حديثًا مع أحد المقربين للحكم قبل شهور.. فوجئت به يقول إن هذه المعارضة التى يرتفع صوتها لن تستمر طويلًا.. إن قوتهم الحقيقية -فى رأيه- تتمثّل فى القيادات الشابة التى تقود الحركة على الأرض. هؤلاء -كما قال- معروفون وستتم «تصفيتهم» وينتهى الأمر!! سألت بانزعاج: ماذا تعنى ب«تصفيتهم»؟!.. أدرك الرجل أنه قال ما لا يجب قوله، وتهرّب من الإجابة، لكن الإجابة وصلت بعد ذلك بتصاعد العنف ضد الثوار، وباستهداف التيارات الشابة. لا يمكن أن تكون مصادفة أن تذهب الرصاصات الغادرة إلى صدور الحسينى أبو ضيف، وجيكا، والجندى، وكريستى، والعشرات من أنبل الثوار!! ولم تكن مصادفة أن تتصاعد جرائم الاختطاف وانتهاك الأعراض والاغتصاب فى أماكن احتجاز الشباب!! ولا أن يتصاعد التهديد بأن القبضة الحديدية سوف تواصل عملها، وتتواتر الأنباء عن صفقات قنابل الغاز، ويظهر القناصة من جديد مع سقوط الشهداء. اختار النظام طريقه. اختار العنف والقتل وانتهاك الأعراض وقمع كل صوت معارض. كل النظم الفاشية تفعل ذلك وهى تظن أنها تثبّت أقدامها. كل النظم الفاشية تكتشف فى النهاية أنها كانت تحفر قبرها وتقرّب يوم السقوط. جرائم التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان لن تسقط بالتقادم. يوم القصاص قادم. كل مَن شارك فى هذه الجرائم سيُحاسب.. من أصغر ضابط لأعلى مسؤول فى الدولة، من أطلق الرصاص على الشهداء، ومَن تستّر على الجرائم، ومَن عطّل عمل النيابة العامة، ومن وفَّر الغطاء السياسى. بعد ثمانية أشهر من حكم مرسى تقول تقارير حقوق الإنسان، إن التعذيب والقتل وانتهاك الأعراض وقمع المعارضين أصبحت سياسة رسمية. وتؤكد أن الوضع -فى عهد مرسى- أسوأ بكثير مما كان فى عهد مبارك. الوضع أسوأ.. والمصير أيضًا!!